اجتماع السيسي بوزير دفاعه ورفع درجات الاستعداد القتالي.. دلالات التوقيت والتوجيه

- ‎فيتقارير

يحمل اجتماع قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي بوزير دفاعه الفريق محمد زكي، أمس الاثنين، كثيرا من الدلالات، سواء فيما يتعلق بالتوقيت أو ما يتعلق بما خرج به الاجتماع من نتائج وتوجيهات، حيث حظي الاجتماع بحضور كبار المؤسسة العسكرية، شارك أيضا رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، ورئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وقائد المنطقة المركزية العسكرية.

وعبَّر السيسي، خلال الاجتماع، عن وجوب استمرار القوات المسلحة في التحلي بأقصى درجات الجاهزية والاستعداد القتالي لحماية أمن مصر القومي". كما أعرب عن "تقديره لجهود القوات المسلحة وما تبذله من تضحيات فداءً للوطن وصون أمنه وسلامته واستقراره ومقدرات شعبه"، على حد زعمه. فلماذا في هذا التوقيت؟ ولماذا استمرار رفع الاستعداد القتالي إلى أقصى درجة؟.

يأتي الاجتماع في ظل متغيرات كثيرة تحمل كثيرا من الهزائم والتراجع في عدة ملفات حساسة وشديدة الخطورة على الأمن القومي للبلاد وتهدد استمرار النظام ذاته؛ لما لها من تداعيات كارثية وامتدادات مؤثرة على كافة النشاط السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

ويأتي الاجتماع في ظل 4 متغيرات يتعرض فيه نظام السيسي لهزائم مدوية:

أولا: ما يتعلق بما تسمى بالحرب على الإرهاب، حيث يتلقى الجيش هزائم مذلة على يد حفنة من المسلحين، وهو ما وضع المؤسسة العسكرية أمام اختبار قاس أدى إلى انكشافها عسكريا، كما انكشفت من قبل أخلاقيا بخيانة الرئيس المنتخب والانقلاب على المسار الديمقراطي، وتوجيه الرصاص إلى صدور الشعب، وتقسيمه إلى شيع يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، ويمارس أعلى صور الفساد في الأرض من قتل واعتقال واغتيال، وهو ما أدى إلى  نشوء عداوات وثارات لا تنتهي، ودفعت قطاعا لا يستهان به من الشعب إلى الاعتقاد بعداء الجيش ودوره السلبي الشديد في تكريس نظام سلطوي شمولي لحماية مصالح رعاته الإقليميين من جهة ومصالح كبار قادته وجنرالاته من جهة أخرى.

ولهذا صرَّح المتحدث باسم السيسي بأنه اطلع خلال الاجتماع على مجمل الأوضاع الأمنية على الاتجاهات الاستراتيجية الثلاثة الرئيسية على مستوى الجمهورية، وجهود القوات المسلحة لضبط الحدود وملاحقة العناصر الإرهابية، خاصةً في شمال سيناء وكذلك المنطقة الغربية.

ثانيا: يأتي الاجتماع والتوجيه باستمرار رفع درجات الاستعداد القتالي في ظل هزائم مدوية لمليشيات اللواء المعتوه خليفة حفتر، المدعوم من السيسي وتحالف الثورات المضادة، حيث خسر فجر أمس، أي قبل اجتماع السيسي بساعات، قاعدة "الوطية" الجوية، وهي كبرى القواعد التي كان يستخدمها حفتر في السيطرة الجوية على غرب ليبيا والعاصمة طرابلس، وتمكنت حكومة الوفاق من السيطرة على كميات هائلة من السلاح والذخيرة تعزز موقفها العسكري وتمنحها قوة إضافية، وتعزز الروح المعنوية والقتالية لدى عناصرها لاستكمال تحرير ما تبقى من غرب ليبيا من يد هذه المليشيات المدعومة بمرتزقة من روسيا والإمارات والسودان.

ثالثا: يأتي الاجتماع في ظل إصرار إثيوبي على البدء في ملء خزان سد النهضة بدءا من يوليو المقبل، دون اكتراث لموقف السيسي ونظامه، وهو ما أعلنته الخارجية الإثيوبية أمس بأنها ليست ملزمة بإخطار القاهرة والخرطوم بمواعيد ملء الخزان.

خلاصة الأمر، أنه لا مخرج إلا بتغييرات سياسية كبرى تطيح بالنظام الذي اغتصب الحكم بانقلاب، وثبت بيقين فشله وفساده، لا حل إلا بتأسيس عقد اجتماعي جديد يضمن مشاركة شعبية واسعة وعدم إقصاء لأحد ومصالحة تمتد إلى الجميع بلا استثناء، تماما كما كان الوضع بعد 25 يناير 2020م،  قبل أن تفسدها الفوضى غير الخلاقة التي قادتها فرق الموت التي شكلتها المخابرات وأمن الدولة لإثارة الفوضى وإفشال الديمقراطية.

كما يتزامن اجتماع السيسي مع تنفيذ أديس أبابا هذا الشهر مرحلة أساسية من مراحل نشر منظومات دفاع جوي متطورة حول سد النهضة، استعدادا لأي هجوم مصري محتمل. بخلاف مرحلة أخيرة من نشر المنظومات ستتم خلال شهر يونيو المقبل، وبنهايتها ستكون لدى إثيوبيا قاعدتان متكاملتان للدفاع الجوي عن السد، إحداهما قريبة للغاية منه والأخرى على بعد استراتيجي. بينما يقف نظام السيسي عاجزا لا يملك قدرة على التصرف أو حماية حصة مصر المائية، وهو ما يهدد أمنها القومي بعنف.

رابعا: إذا كان ملف سد النهضة يهدد الأمن القومي المصري بعنف، فإن استمرار وباء كورونا يهدد نظام السيسي بعنف أكثر، ولهذا فإن اجتماع السيسي بوزير دفاعه يأتي في سياق ملتهب يتزامن مع توجهات النظام نحو مزيد من الاستدانة من جهة ومزيد من فرض الرسوم والضرائب الباهظة والغرامات المؤلمة على الشعب من جهة أخرى، في ظل تراجع موارد الدولة والمخاوف التي تهدد النظام بالإفلاس، ولهذا فإن النظام حريص على عودة المصانع إلى وضعها الطبيعي رغم انتشار الفيروس بشكل حاد يصل إلى مئات الآلاف من الحالات وآلاف الوفيات بعيدا عن أرقام الحكومة الملعوب فيها.

ويبقى السؤال الأصعب: ماذا يفعل السيسي أمام هذه الملفات التي تحاصره وتشدد الخناق عليه؟ ماذا يفعل أمام هزائمه المدوية في سيناء أمام حفنة مسلحين بلا خبرة أو قدرات كتلك التي تملكها قواته؟ ولماذا يتعرض حليفه في ليبيا لهزائم أشد ضراوة ويعجز السيسي عن وقف هذه الهزائم وقد خذل رعاته في الإمارات والسعودية بهذه الهزائم التي تراها الرياض وأبو ظبي هزائم للسيسي قبل أن تكون هزائم لحفتر؟

وتبقى الكارثتان الكبريان سد النهضة وكورونا. فهل يجد السيسي منهما مخرجا في ظل حالة الفوضى التي تضرب حكومته وانهيار المنظومة الصحية بسبب تجريدها من أدوات الوقاية ودفعها للحرب ضد الوباء بلا سلاح؟

وعلى ما يبدو فإن الاجتماع جاء محاولة لتدارك الهزائم المدوية التي يتعرض لها خليفة حفتر في ليبيا، كما يتزامن مع بدء إثيوبيا في تخزين مياه سد النهضة، بخلاف تفشي وباء كورونا من جهة، وهزائم الجيش في سيناء أمام تنظيم ولاية سيناء من جهة رابعة.

وبالتالي فإن الهدف من الاجتماع هو تقديم الدعم السريع لحفتر في محاولة لوقف هزائمه والاطلاع على المشهد في سيناء، في ظل توجهات النظام نحو تشكيل مليشيات مسلحة يواجه بها مسلحي تنظيم ولاية سيناء، في تأكيد على النزعة المليشياوية للنظام الذي اغتصب الحكم بالغدر والخيانة والانقلاب العسكري.

أما ملف سد النهضة فإن عجز السيسي لا يحتاج إلى برهان، وسيكتفي بمحاولات تدويل القضية، بينما تشرع أديس أبابا في تكريس السد كحقيقة لا تقبل خلافا.