بين اعتذار رئيس النمسا والرعاية الخاصة لرجاء الجداوي.. دروس مستفادة

- ‎فيتقارير

كشفت جائحة كورونا عن الفوارق الشاسعة بين النظم الديمقراطية المنتخبة شعبيًا والنظم الديكتاتورية التي اغتصبت الحكم من شعوبها قهرا، إما عبر انقلاب عسكري أو ملكية مطلقة مستبدة؛ ولعل آخر المشاهد التي تعكس هذه الفوارق الضخمة وقوع مشهدين في كل من النمسا ومصر.

في النمسا، لم تتسامح الشرطة النمساوية مع رئيس البلاد "ألكسندر فان دير بيلين"، وزوجته "دوريس شميداور"، حيث تم ضبطه داخل مطعم بالعاصمة فيينا، بعد بدء وقت الغلق المفروض في إطار تدابير مكافحة كورونا.

وأكدت الشرطة أنها وجدت الرئيس خلال تفتيش في مطعم مفتوح بقلب مدينة فيينا، وقالت إنها حررت مخالفة في الأمر ووجهتها للجهات القضائية المختصة للنظر فيها.

واعترف الرئيس بذلك، متحدثا لصحيفة "كرونن تسايتونغ" النمساوية في عددها الأحد (24 مايو 2020) وقال: "لقد تجاذبنا أطراف الحديث وللأسف أغفلنا الوقت". وأعرب فان دير بيلين عن شعوره بالندم قائلا: "أنا آسف لهذا حقا، لقد كان خطأ". وذكرت الصحيفة أن مشروباتٍ كانت موجودة على الطاولة أمام فان دير بيلين وزوجته عندما تم تفتيش المطعم في الساعة الثانية عشرة والثلث صباحا.

وتنص القيود المعمول بها في النمسا حاليا على أنه على المطاعم والحانات أن تفتح أبوابها فقط حتى الساعة الحادية عشرة مساء، ومن الممكن أن تسبب الواقعة تداعيات خطيرة بالنسبة لصاحب المطعم، إذ يفرض قانون تدابير كورونا على المطاعم التي تتجاوز موعد الإغلاق غرامات تصل إلى 30 ألف يورو. غير أن المطعم كان قد أغلق أبوابه رسميا بالفعل قبل وصول الشرطة، لكن فان دير بيلين وزوجته ظلا جالسين في الحديقة.

أما في مصر، فإن جائحة كورونا كشفت حجم العنصرية والتمييز الطبقي داخل المجتمع، فبينما كان يعاني الطبيب الشاب وليد يحيى بمستشفى المنيرة من أعراض فيروس "كورونا"، وظل يخاطب مسئولي الوزارة لأخد مسحة وإيداعه مستشفى الحجر الصحي عدة أيام بلا جدوى، جاءت إصابة الممثلة رجاء الجداوي وعمل مسحة لها وإيداعها مستشفى الحجر الصحي بأبو خليفة بالإسماعيلية في ظرف يوم واحد فقط، ثم أخد مسحة في ذات اليوم لجميع الطاقم التمثيلي لأحد المسلسلات الذي كانت تشارك فيه الجداوي، دليلا على التمييز والطبقية داخل مصر العسكر.

مات الطبيب وليد يحيى "32 سنة" شهيدا، تاركا زوجة شابة وطفلا صغيرا بعد ظلم مبين من نظام العسكر، بينما عاشت الممثلة رجاء الجداوي "81 سنة" تحت رعاية خاصة من النظام العسكري. وحتى هذه اللحظة لا يجد نظام العسكر شيئا يستحق الاعتذار؛ بل تتمادى صحيفة موالية للنظام في العناد والعنصرية وتكتب تقريرا بعنوان "وهل كنتم تريدون للجداوي أن تموت حتى ترتاحوا؟"، بالطبع هذا تبرير سخيف لمشهد أكثر انحطاطا وسخافة؛ ذلك أننا تريد النجاة للجميع دون تمييز أو استثناء؛ لماذا هذه العنصرية؟ لماذا هذا التمييز الطبقي؟ لماذا في بلادنا هناك مستشفيات خاصة لكبار المسئولين وجنرالات المؤسسة العسكرية تتوافر فيها جميع الإمكانات  بينما للشعب مستشفيات حكومية متهالكة بلا أدي مقومات أو إمكانات ويترك طواقمها الطبية بلا مستلزمات تقيهم وتحميهم من العدوى؟.

عندما أصيب رئيس حكومة بريطانيا بوريس جونسون، تم إيداعه في مستشفى سانت توماس الحكومي، الذي يعالج فيه مجانا جميع المرضى من الشعب، ولم يتم تمييز رئيس الحكومة عن باقي المصابين في شيء.

أما في مصر العسكر فهناك مستشفيات للمسئولين الكبار بالدولة وأخرى عسكرية لكبار الجنرالات وأخرى تابعة للشرطة ورابعة تابعة لرجال الأعمال ثم المستشفيات الحكومية المتهالكة التي تركت للإهمال والفوضى عقودا طويل لعلاج الشعب، وللأسف تحولت بفعل بروتوكول وزارة الصحة إلى بؤر لنشر العدوى لأنها تترك الأطباء بلا عمل مسحات حتى لو خالطوا مصابين بالعدوى، ما يعني أنهم باتوا مصدرا للعدوى وليس مصدرا للشفاء.

وحتى اليوم أصيب أكثر من 300 طبيب وتوفي نحو 19 آخرين، وتتهم نقابة الأطباء وزارة الصحة بالتسبب في هذه الكارثة الكبرى؛ لأنها تتعمد إهمال الطواقم الطبية ولا توفر لهم أي إمكانات تحميهم من العدوى وتحمي أسرهم وأهليهم أيضا.