مآسي “كورونا”.. هل تذكركم بـ38 بريئًا احترقوا غدرًا في سيارة الترحيلات؟

- ‎فيتقارير

في أغسطس 2013، مات 37 سجينًا مصريًا في سيارة شرطة خارج سجن أبو زعبل، مختنقين بالغاز بعد احتجاز 6 ساعات في سيارة الترحيلات في فصل الصيف، قصة من آلاف القصص اليتيمة والتي تتكدس في ذاكرة الألم والدم للمصريين، جراء انقلاب 30 يونيو العسكري الفاشي، واليوم تتجدد مع قصص أخرى لضحايا التخريب والإهمال في القطاع الصحي أمام وباء كورونا المستجد.

وألقى فيروس كورونا بظلاله الوخيمة على أطباء مصر الذين يعانون الأمرّين خلال عملهم في مكافحة انتشار الفيروس بعدما تركتهم حكومة الانقلاب في وجه المدفع ، وعلى إثر ذلك فقد طبيب بصره إثر إجهاد العمل المتواصل على مدار 8 أيام في علاج مصابي الفيروس، داخل لأحد مستشفيات العزل لمرضى كورونا.

وبدأت أحداث القصة المؤثرة حين شعر الطبيب محمود سامي، أخصائي الحميات الذي يعمل ضمن الفريق الطبي المكلف بعلاج مرضى كورونا بمستشفى العزل في مدينة بلطيم بمحافظة كفر الشيخ، بإجهاد وإعياء شديدين نتيجة ضغط العمل المتواصل لمدة أسبوع، واضطراره للعمل ساعات طويلة متتالية بسبب زيادة حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد الذي يتعامل معها، وعلى إثر ذلك فقد بصره.

سيارة الترحيلات

قصة الطبيب "سامي" ليست أكثر سوادًا من دراما قتل سجناء سيارة الترحيلات، فبعد ظهر يوم الأحد 18 أغسطس 2013 نطق أحد السجناء وهو المخرج محمد الديب الشهادتين ووصيته الأخيرة، لقد كانت عملية غير رسمية، فلم يكن محمد يمتلك أي ورقة لتوقيع اسمه عليها، ولم يكن هناك محام لتوثيقها.

التفت محمد ببساطة إلى الرجل المكبلة يداه بجواره وأفصح له عن ديونه المطلوب سدادها إذا توفي، كما أبلغه بما يريد قوله وماذا يقول لوالدته بشأن تفاصيل وفاته، كان لدى محمد سبب وجيه؛ لكي يخشى على حياته، فقد كان ضمن 45 سجينًا "محشورين" في الجزء الخلفي من عربة ترحيلات الشرطة الضيقة التي ترتفع فيها درجة الحرارة والموجودة في فناء سجن أبو زعبل، وكان قد مضى عليهم في السيارة أكثر من ست ساعات.

كانت درجة الحرارة في الخارج أكثر من 31 درجة مئوية، وكانت في الداخل أكثر بكثير. ولم يكن هناك مكان للوقوف، ولم يكن لدى السجناء أي مياه للشرب، وانتزع بعضهم قمصانهم المبللة بالعرق ليعصروا منها قطرات العرق وشربوها، بينما فقد العديد منهم بالفعل الوعي.

معظم الرجال داخل الشاحنة كانوا من أنصار شرعية الرئيس الشهيد محمد مرسي، ومنهم محمد عبدالمعبود وهو تاجر حبوب يبلغ من العمر 43 عامًا، وجلس أيضًا محشورًا إلى جوار محمد الديب.

وفي اليوم التالي، ظهرت لقطات للجثث أثناء وصولها إلى مشرحة زينهم مع تحذير مصاحب مما قد تثيره رؤيتها. كانت معظمها منتفخة وقد تلونت الوجوه إما باللون الأحمر أو الأسود، وكان وجه محمد الديب من الوجوه القليلة التي لم تتشوه، غير أنه كان منتفخًا وأسود لدرجة قد يصعب معها التعرف عليه.

وسرعان ما ألقى باللوم على السجناء أنفسهم فيما حدث، فوفقًا لضباط الشرطة زعموا أن السجناء اختطفوا شرطيًّا، عندما فتح باب السيارة لإخراجهم، وهو ما دفع زملاء الضابط "المختطف" إلى إطلاق الغاز المسيل للدموع داخل العربة للسيطرة عليهم!

قتلهم العسكر

وبالعودة من نكسة انقلاب عام 2013 إلى نكسة القطاع الطبي في 2020، نتلمس خيطًا رفيعًا بمثابة خيط المسبحة الذي يشبك حبات سبع سنوات من الكوارث مرت على المصريين بعضها في بعض، ذلك الخيط هو الانقلاب العسكري الأسود الذي يدمر مصر تدميرًا.

وانتشرت فى الساعات الأخيرة، على مواقع التواصل الاجتماعى، بعض الفيديوهات، لشاب في غرفة العناية المركزة، يصور نفسه، ليوثق معاناته مع مرض كورونا، الذي أصيب به مؤخرا؛ حيث كان "محمد نادي" يعاني بشدة من الفيروس؛ وذلك بسبب إصابته بمرض الربو، إلا أن المرض استطاع أن يتغلب عليه فى النهاية، ليرحل محمد متأثرا بإصابته بفيروس كورونا.

وعلى عكس ما روج له اعلام العسكر من استهتار الفقيد بالمرض، قال محمد صريح، ابن خالة الشاب المتوفى بكورونا محمد نادي: إن محمد النادي لم يستهن بفيروس كورونا المستجد "كوفيد19"، بل كان حريصا ويتبع الإجراءات الطبية المتبعة خلال ممارسة عمله، وتابع: "كان يعمل فى قطاع السياحة وبالتحديد فندق شيراتون ولم يتبين كيف انتقلت له الإصابة.. ومثله مثل أي شاب يجري على لقمة عيشة".

وترفض سلطات الانقلاب فتح المستشفيات العسكرية لعلاج المدنيين المصابين بالكورونا، ووفق وسائل إعلام فوجئ الطبيب محمود سامي (39 عامًا) حين استيقظ من نومه في اليوم الثامن، بأنه غير قادر على الرؤية، وتبين من الفحص الطبي إصابته بارتفاع شديد في ضغط الدم.

وقال الطبيب إنه استغاث بزملائه بعدما شعر بضيف في التنفس منذ أسبوعين، وقام بعمل أشعة على الصدر وطمأنه الأطباء وبعدها فقد الوعي، مبينًا أن ما حدث له هو ارتفاع في ضغط الدم أدى إلى تلف في العصب البصري؛ نتيجة لحدوث الأزمة القلبية.

وأضاف أن من بين الأسباب الرئيسية لإصابته هو ارتداء ملابس العزل لوقت طويل وضغط العمل والتوتر الذي تعرّض له أثناء استقباله عددا كبيرا من المصابين بفيروس “كورونا” من مستشفى إمبابة كان سببا في حدوث جلطات في العصب البصري للعين.

اعتقال المدنيين

وبدلا من علاج المدنيين في مستشفيات الجيش الذي يستولي على ثرواتهم ويذيقهم سوء العذاب، أدخل العسكر 18 تعديلا على قانون الطوارئ في مصر بزعم مواجهة تداعيات جائحة فيروس "كورونا"، بينها صرف دعم مالي للمتضررين، وإنشاء مستشفيات ميدانية، والتحقيق العسكري المبدئي فقط في مخالفات المدنيين.

ولأول مرة يشهد قانون الطوارئ، الذي تعرفه مصر منذ عقود، إضافة تعديلات مرتبطة بـ"مواجهة مرض"، ووافق برلمان الدم على إجراء تعديلات على قانون حالة الطوارئ، المفروضة في عموم البلاد منذ أبريل 2017، إثر عمل إرهابي دبرته المخابرات الحربية.

وتم تجديد حالة الطوارئ للمرة الـ12 في الثامن والعشرين من أبريل الماضي، لمواجهة الإرهاب، ولأول مرة يضاف إليها سبب الظروف الصحية، وتشمل التعديلات تولي قوات الأمن أو الجيش تنفيذ أوامر السفيه السيسي، ويكون لها صفة الضبطية القضائية، على أن يحق للنيابة العسكرية التحقيق المبدئي فقط في أية مخالفات، شريطة أن تختص النيابة العامة بالتصرف النهائي في التحقيق.

وتتضمن أيضا تعطيل الدراسة أو العمل أو تأجيل سداد رسوم خدمات الكهرباء والغاز والمياه جزئيًا أو كليًا، أو تقسيط مستحقات للدولة، وتقييد الاجتماعات العامة وجواز تقييد الاجتماعات الخاصة، وإلزام القادمين من الخارج بالخضوع لإجراءات الحجر الصحي.

كما تشمل حظر تصدير بعض السلع والمنتجات إلى خارج البلاد، وتقرير مساعدات مالية أو عينية للأفراد والأسر، وتحديد القواعد الخاصة بالصرف منها، فضلا عن إجراءات صحية ورقابية على أعمال المختبرات العلمية والبحثية.

وسجلت مصر حتى الأحد، 9 آلاف و400 إصابة بكورونا، بينها 525 وفاة، و2075 حالة تم شفاؤها، بحسب وزارة الصحة في حكومة الانقلاب، واعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية أن بعض الإجراءات التي فرضتها سلطات الانقلاب تمثل توسيعا لقيود قانون الطوارئ، الذي ترفضه المنظمة.

فيما قالت عصابة العسكر إن هذه الإجراءات تستهدف المواجهة الصارمة لكورونا، والتخفيف من تداعياته ودعم المتضررين، خاصة بعد إعلان منظمة الصحة العالمية أن الفيروس يشكل جائحة عالمية!

عادي جدًّا..!

من جهته يقول الناشط عبده فايد: "في 38 إنسان كانوا محبوسين في عربية ترحيلات، صرّخوا لضباط التأمين ‘‘افتح احنا بنموت‘‘ فقالهم احنا عايزينكم تموتوا، وبعدها ضرب عليهم قنبلة غاز في عز أغسطس، داخل صفيحة حديدية مكتومة، فماتوا عادي جدًا، نفس الدولة راحت قتلت ألف في 6 ساعات ومسحت دمهم بخرقة وسخة من الميادين، وبرضه عادي".

وتابع: "العادي هيكمل مع شابة لطيفة واقفة ماسكة وردة في ميدان، فقتلوها وحرموا عيالها من وجودها.. الوجود كله سيفني بالنسبة ل8 سياح مكسيكيين، هيضربوا بالأباتشي في الصحراء، ومعاهم 4 مصريين، لأن الباشا جاتله معلومة خطأ، ومحبش يدقق، ولو كانوا مصريين كان قال عليهم إرهابيين، بس سوء حظه أن فيهم خواجات.. والخواجة ريجيني جنسيته لم تحميه، لما اتعذب واتشوه واترمت جثته علي الصحراوي، فجابوا 5 مصريين في ميكروباص وصفوهم في عز عين الشمس، وبرضه عادي، لا أنت عرفت مين اللي قتل ريجيني، والمصري طبعًا رخيص، فمحدش سأل عن حق الخمسة..".

موضحا: "مصر بتبعت طيران يطفي حرائق إسرائيل، واستخسرته في إنقاذ مواطنين تجمّدوا من الصقيع في سانت كاترين، وتعدّدت الأسباب والموت واحد، ومن صقيع ل 20 بيتحرقوا في قطار وواحد منهم طالع بيجري والنار والعة في جسمه، ولا مسئول كبير اتحاسب وضحّوا فيها بعمال المزلقان، و 33 بيتصعقوا من الكهرباء في الشوارع، لأن الدولة مش عايزة تصرف علي منظومة التصريف، عشان عيون العاصمة الصحراوية، وفي النصف شاب مش معاه ثمن التذكرة، رموه من القطار، ورقبته اتقطعت تحت جسمه..وكل ده عادي، وفوقهم 60 ألف معتقل، منهم 3000 طفل".

وشدد فايد: "النظام المصري مبني من ساسه لرأسه على استرخاص قيمة الحياة البشرية.. مفكّر أنه هيجي في لحظة ويعدّل الكفّة، ويكتشف أن الناس لهم قيمة، فيعمل إجراءات صحية محترمة، ويوّفر معدّات طبية، ويحترم عقلك في عدد الإصابات؟.. مستحيل.. عكس فلسفته تمامًا.. النتيجة أنه هيكمل احتقارك.. لا الدولة بتعمل مسح كافي، ونسبتها بين العالم مضحكة، وأعلنت 10 آلاف إصابة، والعدد الفعلي الكل يعرف أنه أضعاف مضاعفة، ومش هتعرف التوزيع العمري والجغرافي للوفيات والإصابات، لأن حقك في المعرفة معدوم من الأساس..".

وتابع: "وفي كل القضايا الحيوية الدولة بتتعامل معك كم مهمل.. سد النهضة قضيتك المصيرية لا تعرف عنها شيء.. تيران وصنافير اتباعت لآل سعود، وزوّروا الوثائق، ودعسوا رقابك بالأحذية.. ضرائبك بتتصرف علي حفلات ومؤتمرات وعواصم وكباري، وملكش حق تناقش.. النظام نزع منك كل حقوقك في المعرفة من 7 سنوات، هيجي دلوقتي، يعتبرك ذو أهلية، شريك في القرار؟..الدولة بتتعامل معاك في كورونا بنفس منطقها في كل شيء..والناس ساعدتها في ذلك..".

موضحا: "كل مرة كنت متصور أن الدولة شايفة غيرك رخاص، وهتيجي عندك وتحترمك، فبلاش أتكلم دلوقتي، ما أنا أكيد مش زي اللي سبقوني في سلسلة الدهس تحت أقدام البيادات.. فاكتشفت أنك متفرقش.. وأن الدائرة هتلف عليك وتيجي، وهتعاملك بنفس الطريقة.. مغترب هتذله في الرجوع، وإن شاف التراب المصري تاني، هتعايره بلقمة عيشه.. وكادر طبي هترميه في وش المدفع وتروح هي تستخبي، وحتى المواطن المتفاني في التطبيل وترويج نظريات المؤامرة بيموت وهو بيصرخ.. كله بيدوق ثمن امتهان الكرامة".

وقال فايد إن "السلطة عمرها ما هتعمل ثمن لمواطن، مالوش حق يحاسبها في انتخابات أو مظاهرات.. مواطن أصم أبكم، يُفعل به ما يُفعل ولا تجد منه سوي الصمت.. فبيكون رخيص في حساباتها، في ميلاده وموته وما بينهما..ولأنها مش طايلة تقتلك، هتسيبك للفيروس، يكمل عليك، ويزيح من علي أكتافها اسم من سجل فيه 100 مليون.. دي حاجة مش لازم أبدًا تنساها.. وبعدها.. تعرف أنك صديق نفسك في تلك الرحلة الوبائية..لو مواطن عادي، احمي نفسك بكمامات ومطهرات وتباعد اجتماعي لو تقدر تتحمّل تكلفته.. ولو طبيب، أخلاقيات المهنة لا تجيز لك التراجع والتراخي، لكن احمي نفسك قدر المستطاع، وبعد ما الأزمة تعدّي، كمّل طريقك، وشوف ورقك، وأول فيزا متاحة لمكان يحترمك..".

وختم بالقول: "الإصابات والوفيات هتزيد، والسلطة هتفتح الأبواب علي مصراعيها للتفشي بعد أيام، وهتسلط عليك أراذل الأرض يقنعوك أن الإقتصاد مقدّم علي الصحة، وحق المجتمع قبل الفرد، هتعمل كل شيء عشان تلاقي مبرر لمرضك وموتك..كاذبون..كنا شوفنا حاجة طول 7 سنين غير إدامة الفقر والقصور والإستراحات، هيرجعك بس، من تمثيلية الحظر، عشان اللي فوق يكمّل أحلامه الإمبراطورية..النجاة الفردية هي سبيلك الوحيد، وياريت النظام حتي يسيبك تنجو!".