تمر اليوم 30 مارس الذكرى الـ44 ليوم الأرض الفلسطيني، وسط نضال من فصائل المقاومة والفلسطينيين الصامدين بوجه الاحتلال الغاشم، رغم خيانات بعض حكام العرب المستبدين، الذين ارتموا في أحضان الصهاينة وأعداء الأمة، مطبّعين وبائعين للأراضي العربية وباحثين عن حلول لسلامة وأمن المعتدين الصهاينة.
وبقي يوم 30 مارس عام 1976 خالدا في الذاكرة والهوية الفلسطينية، حينما هب فلسطينيو الداخل المحتل، ضد استيلاء الاحتلال الإسرائيلي على نحو 21 ألف دونم من أراضي القرى الفلسطينية بمنطقة الجليل، لصالح إقامة المزيد من المستوطنات.
صاحب ذلك اليوم إعلان الفلسطينيين الإضراب العام، فحاول الاحتلال كسر الإضراب بالقوة، ما أدى إلى اندلاع مواجهات، أسفرت عن استشهاد ستة فلسطينيين، وإصابة واعتقال المئات.
وكان الرد الإسرائيلي عنيفا على هبة “يوم الأرض”، باعتبارها أول تحد من “الأقلية الفلسطينية” بعد احتلاله فلسطين عام 1948، فيما يعتبره الفلسطينيون تحولا بمسيرة نضالهم ضد الاحتلال، وتأكيدا على تشبثهم بأرضهم.
تجدر الإشارة إلى أن فلسطينيي الداخل المحتل، يبلغ عددهم نحو 1.3 مليون نسمة، بعدما كانوا 150 ألف نسمة فقط عام 1948م، على وجه الخصوص، يعتبرون “يوم الأرض” أبرز أيامهم النضالية، التي حافظت على بقائهم وهويتهم.
احتفالات فلسطينية
أربعة وأربعون عاما مرت على “يوم الأرض” الفلسطيني، وهو يوم وطني يحييه الفلسطينيون في كافة أماكن تواجدهم بالفعاليات الشعبية، فيما يؤكد أحقيتهم بأرضهم التاريخية، في وجه احتلال لا يدخر وسيلة لانتزاعهم منها.
ونظرا لتفشي وباء فيروس كورونا المستجد، لجأ الفلسطينيون هذا العام لإحياء ذكرى “يوم الأرض”، عبر الفعاليات الرقمية والمنزلية، كما دعت فصائل فلسطينية إلى رفع العلم الفلسطيني على أسطح المنازل وفي الأماكن العامة.
عدوان صهيوني
ومنذ يوم الأرض الذي شهد الاعتداءات الصهيونية، قام الاحتلال بهدم 170 ألف مسكن وصادر 21 مليون دونم. والواقع اليوم أن بيتا من كل سبعة بيوت لفلسطينيي 48، مهدد بالهدم. وأكثر من 200 ألف يعيشون تحت تهديد السلطات الإسرائيلية بهدم بيوتهم وتشتيتهم.
فمقابل 20 مليون دونم نُقلت إلى ما تسمى “دائرة أراضي إسرائيل”، لم يبق لفلسطينيي 48 سوى 650 ألف دونم. أي أن اليهودي يملك من الأرض الفلسطينية عشرة أضعاف ما يملكه أصحاب هذه الأرض.
وتشكل سياسة هدم البيوت، ومنذ عشرات السنين، عنصرا مركزيا عند الحكومات الإسرائيلية، فهذه السياسة تسهم بشكل كبير في تنفيذ خطة “الترانسفير” للعرب وتهويد أوسع مساحة. فعدم وجود بيت للسكن والأمن يدفعان إلى التفكير بالهجرة، وهذا ما حصل لعدد كبير من شريحة الشباب الفلسطينيين الذين لم يتمكنوا من البناء والسكن في البلدات العربية، فتركوها وانتقلوا للسكن في بلدات مشتركة (عربية ويهودية)، أو هاجروا إلى الخارج.
الإحصاءات الأخيرة تشير إلى أكثر من 50 ألف بيت لفلسطينيي 48 مهدد بالهدم، وتصل الغرامات المالية المئة إلى أكثر من 100 ألف دولار لمصلحة المؤسسة الإسرائيلية، بذريعة أن هذه البيوت العربية بنيت من دون تراخيص. وقد أُقر قانون معروف باسم “كمينيتس”، بخصوص البيوت العربية، لا يعفي أصحاب هذه البيوت من دفع الغرامات المالية، وبموجبه لا يمكن ترخيصها.
ويقول المحامي عمر خمايسي، الذي يتابع ملف البيوت المهددة بالهدم: “إن هذا القانون لم يتضمن وضع حلول لهذه البيوت غير المرخصة، وإنما قام بوضع آليات مقترحة للإسراع في هدمها”.
سياسة التهجير
سياسة مصادرة الأرض الفلسطينية داخل الخط الأخضر والمستمرة، على الرغم من أنها حققت أهدافها، أبقت لأصحاب الأرض الأصليين نسبة لا تتعدى 3,5% من أصل 92% من الأراضي التي كانت بملكيتهم عام 1948، وفي حينه كانت نسبة 8% مسجلة بملكية الحركة الصهيونية والوكالة اليهودية.
هذه المصادرة الواسعة أدت على مدار السنين إلى عدم قدرة العربي الفلسطيني على التوسع والبناء على أرضه، وتحولت الأرض العربية إلى أماكن سكن وزراعة وعمل عند اليهود.
وتنعكس سياسة مصادرة الأرض على فلسطينيي 48، من خلال مقارنة توسع البلدات وإقامتها بين العرب واليهود، فمقابل أكثر من ألف بلدة يهودية لم تقم المؤسسة الإسرائيلية ببناء بلدة عربية واحدة، منذ قيام إسرائيل. والمدينة الوحيدة التي تُخطط لإقامتها على أراضي الطنطور، تواجَه بمعارضة شديدة، وهي مدينة تُحقق فقط هدف تهويد عكا والاستيلاء على أراضي العرب من دون أن تحل أي أزمة سكن.
وفي مقارنة بين مخطط مدينة الطنطور ومدن يهودية تظهر السياسة الإسرائيلية تجاه فلسطيني 48، في أوضح صورها:
– عدد سكان الطنطور، وفق المخطط، هو 70 ألف عربي يُبنى لهم 15 ألف وحدة سكنية على مساحة 5 آلاف و500 متر.
– مدينة نتسيرت عيليت اليهودية، التي أُقيمت على أراضي الناصرة العربية. يبلغ عدد سكانها 40 ألف يهودي وعلى مساحة 34 ألف دونم، وتشمل 15 ألف وحدة سكنية. أما بلدة حريش اليهودية فيبلغ عدد سكانها 50 ألف يهودي أُقيمت على 14 ألف دونم وعدد الوحدات السكنية 9 آلاف وحدة فقط.
وفي مقارنة بين الطنطور العربية، التي تُخطط لها الحكومة ونتسيرت عيليت وحريش اليهوديتين، تتبيّن المساحات الشاسعة من الأرض التي توفرها المؤسسة الإسرائيلية للبلدات اليهودية في مقابل كثافة سكانية كبيرة ومساحة أرض صغيرة للعرب.
وفي النقب بعد هدم عشرات البيوت خلالها، حيث تستمر إسرائيل في سياسة دفع السكان إلى اليأس بعدم الاعتراف بالبلدات العربية هناك، وتاليا عدم توفير الكهرباء والمياه والبنى التحتية للحياة اليومية، وهدم كل بيت يتم بناؤه. إلى جانب هدم البيوت في منطقة المثلث، وقلنسوة بشكل خاص، التي تعرَّض سكانها خلال الفترة الأخيرة الى هدم بيوتهم مرات عدة.
خيانات عربية
ورغم الجرائم الصهيونية التي تبتلع الأراضي الفلسطينية ليل نهار، يقف بعض الحكام الخونة كولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والنظام الإماراتي بقيادة محمد بن زايد، وملك البحرين، وقائد الانقلاب العسكري في مصر عبد الفتاح السيسي، في مواجهة الحقوق العربية في فلسطين، منحازين للصهاينة ومقدمين خدمات التطبيع بكافة أشكاله، سواء السياسي والاقتصادي والعسكري والثقافي، بل وعرضوا تمويل أكبر صفقة خيانة على مدى التاريخ الإنساني المعروفة بصفقة القرن، لإنهاء وتصفية القضية الفلسطينية بالدعم المالي من قبل نظم السعودية والإمارات، والدعم اللوجستي والأمني المصري لتجريد الفلسطينيين في الداخل المحتل من أراضيهم ووجودهم التاريخي في أراضيهم من أجل سلامة وأمن الصهاينة.