كتب- سيد توكل:
وافق اليوم السبت 24 ديسمبر ذكرى الدعوة لانعقاد أول مجلس نيابي مصري عام 1881، بعهد الخديوي توفيق، وافتتاح جلسات هذا المجلس الذي سُمي "بالمجلس النيابي المصري"، بمطالبة الحكومة بتقديم مشروع القانون الأساسي، وبعد مرور 150 عاماً على تلك الجلسة يؤكد مراقبون أن "السيسى" صنع برلماناً دوره أن يصفق له نصف ساعة، ومثله مثل برلمان أحمد عز المزور.
يقول السياسي د. ثروت نافع، البرلماني الليبرالي السابق: "واهم من يظن أن البرلمان الذي تم تكوينه في أروقه المخابرات، سيخالف تعليمات سيده"!
الحياة النيابية قبل ظهور العسكر
في 9 من سبتمبر 1881 اندلعت الثورة العرابية، وكان من بين مطالبها تشكيل مجلس للنواب، وبالفعل أجريت الانتخابات لمجلس شورى النواب طبقًا لأحكام لائحة المجلس الصادرة في سنة 1866، وقد افتتح المجلس الجديد الذى سمى "مجلس النواب المصري" في 26 من ديسمبر عام 1881، وكان له سلطة التشريع، وحق سؤال الوزراء واستجوابهم، وأصبحت مدة مجلس النواب المصري خمس سنوات، ودور الانعقاد ثلاثة أشهر.
وهكذا أرست قواعد الممارسة الديمقراطية البرلمانية في مصر على نحو تدريجى، إلا أن ذلك لم يدم طويلاً، حيث انعقد مجلس النواب المصري انعقادًا عاديًا واحدًا منذ 26 من ديسمبر 1881 إلى 26 من مارس 1882، ثم قامت بريطانيا باحتلال مصر عام 1882 وألغت القانون الأساسي، وصدر في عام 1883 ما سمى بالقانون النظامى الذى كان انتكاسة للحياة النيابية في مصر ، وتم تشكيل هيئة تشريعية تم العمل بها في مصر في الفترة بين 1883 و1913مجلس شورى القوانين،وأصدر الخديوي توفيق في أول مايو عام 1883، القانون النظامي، بتشكل مجلس شورى القوانين، والذى كان يتكون من ثلاثين عضوًا، يقوم الخديوي بتعيين أربعة عشر منهم بصفة دائمة، ويتم اختيار الرئيس وأحد الوكيلين من بينهم، أما باقي الأعضاء الستة عشر فيتم انتخابهم ويختار الوكيل الثانى من بينهم.
الجمعية التشريعية
وبعد إلغاء مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية، تم إصدار قانون نظامي جديد يقضي بإنشاء الجمعية التشريعية في أول يوليو ١٩١٣، وتكونت الجمعية من النظار (الوزراء)، ثم الأعضاء المنتخبين والمعينين، وكان عدد المنتخبين ٦٦ عضوًا، مع مراعاة أن يكونوا من جميع المحافظات، أما الأعضاء المعينون فكان عددهم ١٧.
دستور ١٩٢٣
و في أبريل عام 1923، وضع دستور جديد للبلاد، ووضعته لجنة مكونة من ثلاثين عضوًا، ضمت ممثلين للأحزاب السياسية، والزعامات الشعبية، وأخذ ذلك الدستور بالنظام النيابى البرلماني القائم على أساس الفصل والتعاون بين السلطات، و أخذ بنظام المجلسين، وهما: مجلس الشيوخ ومجلس النواب، وكان البرلمان الذي نص عليه الدستور في ذلك الوقت خطوة متقدمة في طريق الحياة البرلمانية والنيابية في مصر، إلا أن الممارسة على أرض الواقع جاءت مشوبة بالعديد من السلبيات، فتراوحت الحياة السياسية خلال الفترة من 1923 ـ 1952 ما بين فترات مد ديمقراطي وشعبى محدودة، وفترات انحسار نجمت عن تدخل من سلطات الاحتلال والقصر شغلت معظم هذه الفترة، الأمر الذى أسفر عن حل البرلمان نحو عشر مرات، تولى خلالها رئاسة البرلمان كل من سعد باشا زغلول ومصطفى النحاس باشا.
الانقلاب ومجلس الأمة
تحكم العسكر في الحياة النيابية بعد انقلاب ٢٣ يوليو 1952، بتشكيل مجلس الأمة في 22 من يوليو 1957 من 350 عضوًا منتخبًا، وقد فض هذا المجلس دور انعقاده العادي الأول في 10 فبراير سنة 1958، نظرًا لقيام الوحدة بين مصر وسوريا وإلغاء دستور 1956، وصدر دستور مؤقت للجمهورية العربية المتحدة في مارس سنة 1958، شكل على أساسه مجلس أمة مشترك من المعينين (400 عضو من مصر ـ 200 عضو من سوريا) وفي مارس 1964 صدر دستور مؤقت آخر في مصر، تم على أساسه إنشاء مجلس الأمة من 350 عضوًا منتخبًا، نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين، واستمر هذا المجلس من 26 مارس1964 إلى 12 نوفمبر سنة 1968، وأجريت انتخابات المجلس الجديد في 20 من يناير 1969، وتولى خلال تلك الفترة رئاسة البرلمان كل من عبد اللطيف البغدادى، ومحمد أنور السادات، ومحمد لبيب شقير.
مجلس "الشعب" تغير في اسم اللعبة
وتغير اسم المجلس النيابى ليصبح مجلس الشعب، مع تولي الرئيس محمد أنور السادات الحكم ، حيث دعا مجلس الأمة في ٢٠ مايو ١٩٧١ لإعداد الدستور الدائم وعرضه على الشعب في الاستفتاء، واستمر ذلك المجلس في عده دورات تولى خلالها رئاسة المجلس كل من حافظ بدوي، وسيد مرعي، وصوفي أبو طالب، ومحمد كامل ليلة ورفعت المحجوب وأحمد فتحي سرور، وكان يتكون من ٤٤٤ عضو، بالإضافة إلى ١٠ معينين.
مجلس الشورى
تم إنشاء مجلس الشورى، في عام 1980، بهدف توسيع دائرة المشاركة السياسية والديمقراطية.
برلمان ثورة 25 يناير
عقب ثورة 25 يناير تم تعديل قانون انتخاب مجلس الشعب والشورى، رقم 38 لسنة 1972 ليصبح انتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشعب بنظام القوائم الحزبية المغلقة والثلث الآخر بالنظام الفردي، كما أصبح عدد أعضاء المجلس وفقًا لتلك التعديلات 498 عضوًا يختارون بطريق الانتخاب المباشر السرى العام، على أن يكون نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين، فضلًا على 10 نواب على الأكثر يجوز لرئيس الجمهورية تعيينهم.
وفي عهد الرئيس المنتخب محمد مرسي تم انتخاب المجلس وفقًا لذلك القانون وتولى رئاسته الدكتور محمد سعد الكتاتنى، المعتقل حالياً، إلا أن ذلك المجلس لم يستمر طويلًا بسبب حكم المحكمة الدستورية، الذي قضى ببطلان قانون الانتخابات عقب تشكيله بـ٦ شهور، بإيعاز من المجلس العسكري.
برلمان الانقلاب العسكري
وعقب انقلاب 30 يونيو عام ٢٠١٣، ألغي قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي مجلس الشورى، وعادت أمور التشريع لغرفة واحدة منتخبة تحت اسم مجلس النواب، والذي يشكل وفقًا لقوانين الانتخابات الأخيرة من ٥٦٨ عضوًا، ينتخبون بالاقتراع العام السري المباشر، ويجوز لرئيس الجمهورية تعيين ما لا يزيد على (5%) من أعضائه، ليصل إجمالي عدد أعضاءه ٥٩٦ عضو، ويتولى رئاسة برلمان الانقلاب الحالي الدكتور "علي عبد العال"، والشعار السائد على كافة الجلسات "موافقون".
وفي شهادة نشرها ناشط بالحملة الانتخابية للسيسي عن كواليس تشكيل قوائم الانتخابات البرلمانية التي نتج عنها برلمان الدم الحالي، أتت تحت عنوان "شهادة في حق برلمان الرئيس" تحدث عبدالعظيم فيها بوضوح عن صناعة هذا البرلمان الأخير الذي جرت انتخاباته في أروقة المخابرات العامة المصرية.
تحدث عبدالعظيم في بداية شهادته عن اجتماع داخل جهاز المخابرات العامة تمت دعوته إليه ترأسه وكيل من الجهاز مع أربعة من رجال المخابرات، وعلى الطرف الآخر مستشار قانوني مقرب من السيسي، والده عضو مجلس النواب من المعينين، في إشارة إلى المستشار بهاء الدين أبو شقة وابنه، والباقون حوالي 15 من الشخصيات العامة، وذلك لتأسيس قائمة تتبع السيسي.
واعترف حازم عبدالعظيم في شهادته أنه كان يروج لهذه القائمة المدعومة من الدولة قبيل قرار تأجيل الانتخابات بسبب عدم دستورية قانونها، مؤكدًا أنه نفى لوسائل الإعلام أن تكون هذه القائمة مدعومة من الدولة، بما يعني موافقته المبدأية على هذا الأمر، ولكنه عاد وروى عملية انسحابه من القائمة تحت دعوى الحفظ على مبادئه.
وشن عبدالعظيم بعدها هجومًا استباقيًا على الإعلام الموالي للنظام لعلمه جيدًا أنه سيتلقف هذه الشهادة بالهجوم الحاد، وقد اعترف في هذه الشهادة بأثر هذا الهجوم في قضية علاقته بشركات إسرائيلية التي ظهرت بفجاجة في الإعلام حينها.
وقد خلص عبد العظيم إلى أن انتخابات برلمان الدم لم تكن محايدة بسبب تدخل السيسي بأجهزته في الانتخابات مما يُعد تصرفًا غير محايد وينسف مبدأ تكافؤ الفرص والمنافسة الشريفة ومخالفة الدستور.
هذه الشهادة التي توضح جانب غير خفي على الكثيرين عن كيفية إدارة المجال العام في مصر تلقفها متابعو مواقع التواصل الاجتماعي بالنشر والتعليق، ربما يرجع ذلك إلى سرد عبدالعظيم لوقائع بالتفاصيل لم تكن معلومة، لكن كثيرين كانوا يرددون نتائج هذه التفاصيل قبيل أن يُعلن لهم حازم عبدالعظيم هذا الأمر، وربما كان قبل ذلك يُهاجمهم إذا ما تحدثوا معه عن هذه التفاصيل.
هذا البرلمان الذي طبع بخاتم "صنع في المخابرات المصرية" بحسب شهادة عبدالعظيم، هو أحد منتجات انقلاب الثالث من يوليو، الذي يؤكد حازم عبدالعظيم نفسه أنه ليس انقلابًا ولكن ثورة شعبية بحسب تعبيره، دون أن يُعلن للرأي العام المصري ما هو مصير الاستحقاقات التي تلت هذه الأحداث من صناعة للدستور وانتخابات رئاسية شارك فيهما عبدالعظيم وزاد عنهما بكل قوة.