اتهام «محمود شفيق» ورطة للسيسي.. 4 ملاحظات جوهرية

- ‎فيتقارير

كتب: يونس حمزاوي

لا شك أن إعلان قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، صباح أمس الاثنين، عن اسم الشاب محمود شفيق محمد مصطفى على أنه المتهم بتفجير الكنيسة البطرسية الواقعة داخل كاتدرائية المسيحيين الأرثوذوكس بمنطقة العباسية بوسط القاهرة، صباح الأحد الماضي، وأسفر عن مقتل 25 وإصابة 53 آخرين، مثل ورطة كبيرة للسيسي وأجهزته الأمنية وأذرعه الإعلامية.

فالشاب الجامعي ابن قرية عطيفة مركز سنورس بمحافظة الفيوم، سبب ورطة وإحراجا كبيرا للسيسي ونظامه كله، بدأت هذه الورطة بمجرد الإعلان مباشرة عن اسمه كمتهم بتنفيذ التفجير الذي لم تعلن أي جهة تبنيها له حتى كتابة هذه السطور.

الورطة الأولى أنه ليس من اختصاص السيسي الإعلان عن أسماء متهمين في قضايا؛ فهو يمثل سلطة تنفيذية، بينما ذلك من اختصاص سلطات التحقيق والسلطة القضائية، والتي لا تفعل ذلك إلا بعد إجراء التحقيقات وجمع الأدلة وكشف زوايا وأبعاد القضية والمتورطين فيها، إلا أن قائد الانقلاب تجاهل كل ذلك وافتأت على اختصاص السلطات القضائية، وأعلن عن اسم المتهم دون أي تحقيقات مسبقة، وهو ما يعكس جمع السيسي كل السلطات في يده.

يعزز من ذلك أن السيسي أعطى توجيهاته للحكومة والبرلمان بسن تعديلات جديدة على قانون الإجراءات الجنائية، وهو ما استجاب له على الفور علي عبد العال، رئيس البرلمان، مؤكدا إجراء هذه التعديلات حتى لو تطلب الأمر تعديل الدستور نفسه؛ ما يعكس تدخلا سافرا من جانب السيسي في السلطة التشريعية، ويؤكد توحد جميع السلطات في يد السيسي التنفيذية والقضائية والتشريعية، وهذا أحد أهم سمات النظم الشمولية الاستبدادية.

الورطة الثانية أن السيسي بإعلانه عن اسم المتهم، وضع سلطات التحقيق والنيابة العامة في مأزق كبير؛ إذا كيف يكون الوضع لو جاءت نتائج التحقيقات بعكس ما ذكره السيسي؟ وهل يمكن أن يتقبل السيسي تلك النتائج التي تظهره أراجوزا لا يعرف شيئا؟

لا شك أن إعلان السيسي عن اسم مواطن باعتباره متهما في القضية يمثل ضغطا على النيابة العامة، التي لن تجرؤ على مخالفة قائد الانقلاب، ما يمثل تدخلا سافرا في سلطات التحقيق وتوجيها لها لا تستطيع مخالفته، ما يهدر وينسف مفهوم العدالة، ويكرس سلطات الاستبداد في أبشع صورها.

الورطة الثالثة أن السيسي نفسه تعرض لموجة من التهكم والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث نفت أسرة محمود شفيق أن تكون الصورة التي نشرتها وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب تخص ابنها، وأكدت أمه وأخته- في تصريحات إعلامية لصحيفة التحرير الإلكترونية- أن ابنها فر إلى السودان منذ عام مضى! الأمر الذي وضع رواية السيسي كلها محل تشكيك كبير، ما يدل على أن عملية تستيف تمت في دهاليز الأجهزة الأمنية، في محاولة لإبراز قدرتها على كشف ملابسات الحادث في أقل من يوم على مرور التفجير، وهو ما يستدعي قدرة هذه الأجهزة على الفبركة والتلفيق، تجلى في أبهى صوره ومشاهده في جريمة مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، وتصفية ركاب ميكروباص بتهمة تورطهم في قتل الباحث الإيطالي، وتأكد بعد ذلك أن الرواية كلها "كدب في كدب"!.

يعزز من ذلك أن طرح عدة أسئلة تكشف عن هشاشة الرواية التي قدمها السيسي، إذ كيف دخل شاب يحمل هذا الحزام الناسف داخل الكنيسة بهذه الصورة رغم أن شهود العيان لم يشر منهم أحد لذلك مطلقا، خصوصا وأن التفجير تم في جانب السيدات لا الرجال؟.

أما الورطة الرابعة التي وقع فيها السيسي فهي الكشف عن تفوق هذا الطالب "محمود شفيق"، حيث احتل المركز الرابع في ترتيب المتفوقين في الثانوية العامة بمحافظة الفيوم، بحسب أسرته، ثم تم اعتقاله منتصف مارس 2014، على خلفية قضية ملفقة بحيازة سلاح، حيث تعرض لأبشع أنواع التعذيب، بحسب محاميه، وتم إخلاء سبيله لعدم كفاية الأدلة، ثم تم الحكم عليه غيابيا سنتين، ثم اختفى منذ سنة تقريبا، وبحسب رواية الأمن، فقد انضم "شفيق" إلى تنظيم "ولاية سيناء".

ولو صحت تلك الرواية فلنا أن نتساءل: «هل شفيق متهم أم ضحية؟ ومن المسئول عن تحوله من طالب متفوق إلى "إرهابي" يكره الحياة ويفجر نفسه من أجل الانتقام؟ ولماذا تفرخ سجون السيسي الإرهابيين وتزيد من تطرفهم وتشددهم تحت وطأة العذيب؟ وتلك هي الورطة الكبيرة ليست للسيسي فقط بل للبلد كلها.

لا شك أن انقلاب 3 يوليو 2016م، تسبب في شروخ اجتماعية عميقة ستبقى آثارها عدة عقود حتى تلتئم، ولن يبدأ العلاج إلا بزوال الانقلاب فورا ودون إبطاء؛ من أجل إنقاذ الوطن من براثن ثلة من الهمجيين الذين لا يعرفون قيمة مصر، ولا يملكون قدرة ولا كفاءة على إدارة ملفاتها الشائكة وأزماتها المستعصية التي تفاقمت بفعل استمرار الحكم العسكري.