كتب سيد توكل:
"باسني في بؤي يا حضرة البشباشي"، هكذا وعلى طريقة شخصية "أطاطا" التي ظهرت في فيلم كوميدي اقتبس المجرمون في شرطة الانقلاب الأسلوب نفسه لتبرير جرائم قتل المصريين بالرصاص الميري، وآخر ذلك في حادثة الضابط المتهم بإصابة سائق توك توك بالمنوفية، الذي برر جريمته أمام وكيل النيابة بالقول: «وقعني على الأرض»!
وزعم ضابط المرور المتهم بإصابة سائق توك توك في المنوفية، بطلق ناري أسفل العين اليسرى، استقرت فى الفقرة العنقية الأولى بالعامود الفقرى، إنه حال قيامه بايقاف المجني عليه بمدينة شبين الكوم، صدمه بالتوك توك الأمر الذى أدى إلى سقوطه على الأرض.
وأضاف النقيب "أحمد.ع"، فى اعترافاته أمام نيابة الانقلاب، "عقب ذلك تجمهر عدد من سائقى التوك توك وحاولو التعدي علي وسرقة سلاحى الميرى فقمت بإخراج السلاح وأطلقت طلقتين محاولا تخويفهم وإنقاذ نفسي منهم، حيث أطلقت طلقة فى الهواء وأخرى فى الأرض ارتدت لتصيب عين المجنى عليه"!
«مين هيأكل عياله»
بينما قالت دعاء إبراهيم، زوجة السائق، إن زوجها البالغ من العمر 36 عامًا، وهو الآن بمستشفى القصر العيني، وحالته حرجة للغاية وغير مستقرة، كما أكد لها الأطباء.
ودخلت زوجة السائق في نوبة بكاء، مع الإعلامي معتز الدمرداش، حزنًا على تدهور حالة زوجها الصحية، قائلةً: «مين هيأكل عياله ويصرف علينا؟ ده غلبان وفي حاله، وخوفه من تحفظ الشرطة على التوك توك، هو اللي خلاه يهرب ولا يستجيب لنداء الضابط بالتوقف، كان طالع على باب الله، والتوك توك عليه أقساط.. ياريته كان ضربه في رجليه، بدلًا من رأسه».
وكان ضابط في شرطة الانقلاب في مدينة شبين الكوم بالمنوفية، قد أطلق النار على سائق «توك توك»؛ بزعم عدم امتثاله بالوقوف فى أحد الأكمنة للكشف عن رخصته، وأكدت تقارير طبية أن الضحية تلقى طلقتين في الرأس والعمود الفقري، وتداول نشطاء مقطع فيديو يظهر خلاله السائق داخل «التوك توك» الخاص به، ودمه يسيل، وسط محاولات لإنقاذه من الأهالي وتلقينه الشهادة.
الداخلية بلطجية!
النار على سائق «توك توك» ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة بالطبع في ملف جرائم شرطة السيسي حتى يسقط الانقلاب، بل تعد حبة في مسبحة طويلة من جرائم اعتدي فيها ضباط وأمناء الشرطة على المواطنين، ومأساة متكررة بين قتل وضرب وتعذيب لمواطنين أبرياء، أوقعهم حظهم العاثر في براثن ضابط يعاني عقدة نفسية من النرجسية والسادية وشره للدماء.
وكان من أهم أسباب ثورة 25 يناير استعادة الكرامة التي أهدرتها شرطة المخلوع مبارك، عندما قتلت الشاب خالد سعيد بالإسكندرية على يد ضباط قسم شرطة محرم بك ثم الشهيد سيد بلال، ثم قام أمين شرطه بقتل رجل من الأقصر وقتل أمين آخر شاب بالدرب الأحمر ثم قتل ضابط مواطن مسيحي يدعى مجدى مكين، وتتوالى جرائم شرطة الانقلاب.
وبرأي خبراء قانون فإن جريمة إطلاق النار على سائق «توك توك» جريمة بشعة متكاملة الأركان، تدل على ضياع الأمن والعدل في مصر، ولا يبررها قول الضابط المجرم بان المجني عليه «وقعني على الأرض»!
الغرق أرحم!
وفي أسيوط وقعت جريمة بمركز ديروط ، اختار المواطن فيها الانتحار غرقاً بدلا من أن تحصد روحه رصاصات شرطة الانقلاب، عندما قام ضابط شرطه بصفع أحد الأهالي الصعايدة، فقام الرجل برد الصفعة على وجه الضابط ولاذ بالفرار، خوفا من رصاصات الضابط التي حتما كانت ستقضى عليه وتودى بحياته، فرمى بنفسه في ترعه ليموت غرقاً.
ويرى خبراء علم النفس أن المجني عليه فضل أن يقتص لكرامته التي أهدرها الضابط البلطجي، ثم فضل أن يموت غرقاً بدلا من أن تطله رصاصات الضابط، أو يتم جره وسحله في أقسام الشرطة وقتله في نهاية المطاف.
ويذهب العديد من الحقوقيين والسياسيين إلى القول بأن نظام عبد الفتاح السيسي "القمعي" بدأ من حيث انتهى نظام حسني مبارك "الأمني"، الذي مثل مقتل الشابين خالد سعيد وسيد بلال في مراكز الشرطة في الإسكندرية المسمارين الأخيرين في فترة حكمه الذي امتد نحو ثلاثة عقود.
وعلى الرغم من أن حالات التعذيب الممنهجة والقتل خارج إطار القانون عادت بقوة وأشد عنفا منذ الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو عام 2013، إلا أنها خرجت من عباءة الصمت والكتمان من مكان واحد: قسم المطرية في القاهرة.
الشرطة والجيش فوق القانون
يرى مدير البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان حجاج نايل أن الشرطة والجيش في مصر يتصرفان من منطلق أنهما فوق القانون، وقال في تصريح صحفي: "الشرطة لم تتعلم الدرس في 28 يناير، وما تقوم به هو انتقام لما حدث لها في ذلك اليوم، ولا تفرق بين معارض وآخر".
وحذر نايل من استمرار الشرطة على هذا النحو "الذي سيؤدي إلى تفجر الغضب، وستكون الشرطة أول من يدفع الثمن". وعزا استمرار تصرفات جهاز الشرطة "العدوانية" إلى "طبيعة المناخ السياسي العام الذي يحجم من دور المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، التي تتعرض هي الأخرى للمضايقات والتضييق والتحريض من خلال الإعلام الموالي للدولة"، وفق قوله.
أما الأستاذة الجامعية والناشطة السياسية ليلى سويف فرأت أن التعذيب في مراكز الشرطة والسجون المصرية لم يتوقف حتى يعود.
وقالت في تصريح صحفي: "لم تتوقف الشرطة عن سياسة العنف والتعذيب إلا لشهرين بعد أحداث (ثورة 25) يناير، وأناب الجيش عنها خلال فترة غيابها".
وتابعت: "أغلب حالات التعذيب لا نسمع عنها إلا بعد أن تصل للقتل، ويتواتر حدوثها، وتفوح رائحتها. هذا الجهاز مرفوع عنه أية مساءلة، و لا يزال يمارس دوره الأزلي في حماية نظام الحاكم"، حسب تعبيرها.
28 يناير ليس ببعيد
من جانبه، استنكر المدير التنفيذي لمركز هشام مبارك الحقوقي مصطفى أبو الحسن مقايضة الشرطة للمصريين بين الحرية أو الاعتقال.
وقال أبوالحسن في تصريح صحفي: "محاولة الشرطة مقايضة المصريين لن تنجح، وإن اختار البعض الركون فلن يستسلم الجميع، ولن يقبلوا المقايضة، وسوف يستمرون حتى نيل حريتهم وكرامتهم وإنسانيتهم التي سلبت منهم".
وحذر من استمرار انتهاج قوات الأمن المصرية لسياسات البطش والتعذيب والقتل، قائلا: "إن 28 يناير ليس ببعيد"، وانتقد مركز هشام مبارك سياسة "الإفلات من العقاب" التي شجعت على استمرار ممارسات جهاز الشرطة القمعية.
وأكد أبوالحسن أن "عقيدة الشرطة لم تتغير في يوم من الأيام، فهي تمارس القتل خارج نطاق القانون بشكل ممنهج، سواء في أماكن الاحتجاز أو مراكز الشرطة أو السجون، في مأمن من أي عقاب أو محاسبة".
محاولات تركيع
محاولات النظام ترويع الناس بواسطة جهاز الشرطة جزء من سياسة "التركيع" للشعب، وتأتي في إطار السياسة القمعية البوليسية، بحسب أستاذ العلوم السياسية سيف عبد الفتاح.
وقال عبد الفتاح في تصريح صحفي إن سلخانات الشرطة صارت أمرا مقررا بعد أن بدا لهم أنهم حين لا يعاقبون يفعلون ما يشاءون؛ فمؤسسات الانقلاب، سواء الشرطية أو العسكرية، تقوم على البطش، ولا تزال تروع الناس بوجودها في الشوارع".
وعزا تفاقم حالات التعذيب والقتل إلى رغبة الانتقام من شعب أراد الحرية وسعى لها مسعاها، وأكد أن "ثورة يناير شكلت عقدة لجهاز الشرطة، وأعطته درسا يحاول أن يتناساه من خلال تعذيب كل من يأتي تحت يده".
وحذر عبدالفتاح من عواقب سياسة التخويف التي تأتي في إطار "التطويع والتركيع" التي ستؤدي إلى درجات متفاوتة من الغضب الدفين وزيادة مساحته. وقال: "نحن أمام ظاهرة خطيرة قد تؤدي إلى حلقات من العنف المضاد، ولكني أدعو الشباب إلى التزام السلمية، وأن هذا الجهاز سينال عقابه، ويحاسب قريبا على جميع جرائمه".
الإعلام مجرم آخر!
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي حاتم أبوزيد أن تصرفات الشرطة تجاوزت الحدود، وأنها تنطوي على طبيعة سادية لديها من خلال عمليات التعذيب المفضية للموت، ليس لنزع الاعترافات الملفقة، وإنما لإرضاء شهوتها الانتقامية، حسب تقديره.
وقال أبوزيد في تصريح صحفي: "هذا الجهاز يتعامل مع ضحيته كما يتعامل الوحش مع فريسته التي لن يحاسبه أحد على التهامها".
ورأى أبوزيد أن تكرار حوادث القتل نتيجة التعذيب تكمن في طبيعة جهاز الشرطة وثقافته وأدواته التي أقرتها له السلطة. وأضاف: "الشعور بالاطمئنان في التعامل مع الضحية، يضاف إليه أنها ضحية بلا ثمن وبلا قيمة".
وعبر أبوزيد عن اعتقاده بأن "الإعلام شريك في التستر على تلك الجرائم لحفظ النظام من السقوط آخذين في الاعتبار ما حدث في السابق"، محذرا في الوقت ذاته من "عواقب وخيمة لا يتوقع أحد ماهيتها".