سخر الكاتب فهمي هويدي من تدهور أوضاع الشعب المصري من فساد أغذية وغيرها من أشياء تؤدي بكل شكل من الأشكال لموته وانقراضه، مشيرًا إلى أن الشعب المصري على الرغم من هذه الأوضاع السيئة ما زال باقيا على قيد الحياة ولم ينقرض بعد، واصفًا هذه الحالة بـ"المعجزة".
وقال الكاتب في مقالته بعنوان "معجزة في بر مصر" التي نشرت بصحيفة الشروق اليوم، إنه إذا صح الكلام الذي نشر عن الأخطار التي تهدد صحة المصريين، فهو يعني أننا شعب معرض للانقراض.
وأن استمراره بتلك الأعداد المتزايدة حتى الآن يعد إحدى معجزات الدنيا التي ينبغي تسجيلها وتوثيقها.
ولفت إلى الفساد والتلوث الذي يواجهه المصريون، مشيرًا إلى ما تردد من أن 80٪ من الأغذية التي يتداولها المصريون من إنتاج "بير السلم" بعيدًا عن أي رقابة أو التزام بالمواصفات، وهو ما لا يستغرب معه أن ينتشر التلوث ومعه السموم التي تؤدى إلى الفشل الكلوي وأمراض الكبد والسرطانات باختلاف أنواعها.
واستكمل الكاتب سخريته أنه من حسن حظ المصريين أنهم من الشعوب التي تبالغ في طهي الطعام، الأمر الذي يؤدى إلى قتل نسبة كبيرة من الميكروبات، وإن كان لا يقضي على سمومها، وتكون النتيجة أن تلك السموم تتراكم في الجسم يوما بعد يوم، لذلك فإن أبناء الشعب المصري يمرضون ولا يموتون من الأكل.
وتناول الكاتب عددا من النقاط التي أظهرها الحوار والتي من بينها أن الإحصاءات المتعلقة بصحة المصريين تفتقد إلى الشفافية والدقة، فطبقا لما أعلنته وزارة الصحة فإن مصر أقل من الولايات المتحدة الأمريكية في الإصابة بالتيفود ألف مرة. وان الأوضاع الصحية في مصر أفضل منها إذا قورنت بالحاصل في أمريكا.
ومن النقاط الأخرى التي تطرق إليها الكاتب أنه في مسح طبي أجرى عام 2008 تبين أن ثلث الأطفال المصريين في سن خمس سنوات يواجهون مشكلة في النمو وأنهم مصابون بالتقزم، جراء سوء التغذية وانتشار السموم في الطعام، وحين تم سحب عينه على أسبوعين في السنة 152 أسبوعا تبين أن 10٪ من الأطفال أصيبوا بالإسهال في تلك الفترة، وهذا يعني أنه لا يوجد طفل لم يصب بالإسهال خلال السنة، وذلك بسبب تلوث الغذاء.
وشدد الكاتب على أن تلوث الغذاء يقلل من نسبة الذكاء ويؤثر على المستويات العقلية، وذلك نتيجة تراكمات السموم داخل الجسم، الأمر الذي يؤثر بشدة على خلايا المخ، لافتًا إلى أن التأثير التراكمي هو الأهم، بسبب أن الأثر السريع والمؤقت سهل، في حين أن التراكمي هو الأهم والأخطر، لأنه يؤدى إلى انخفاض المناعة، وبذلك تكون النتيجة انه ما من أسرة مصرية الآن تخلو من مريض بالسرطان.
وأشار إلى أن ما يجعل منتجات الألبان منزوعة الدسم جريمة، يسرى ذلك أيضا على كل الأجبان الموجودة في الأسواق. كما أن القوانين الموجودة لا تنص على ضرورة حفظ اللحوم في درجات حرارة منخفضة، علما بأن ذلك يعد الآن من أهم متطلبات سلامة الغذاء.
وطالب الكاتب بتحقيق فكرة إنشاء جهاز مستقل تكون مهمته الحفاظ على سلامة الغذاء وبالتالي للدفاع عن صحة المصريين، تتعثر منذ سبع سنوات، وان الصراع والتنافس بين وزارتي الصحة والصناعة كان من بين أسباب ذلك التعثر.
وعلق على ما جاء في الحوار بأن الرقابة التي تمارسها أجهزة وزارة الصحة لا تفي بالغرض، أولا لأنها تعتمد على القوى البشرية محدودة الإمكانات والموارد (بدل الانتقال الذي يصرف لمفتشي الصحة يتراوح بين 2 و3 جنيهات في اليوم) ثم إن الرقابة لا تستخدم فيها وسائل التكنولوجيا الحديثة، ناهيك عن العقبات البيروقراطية التي لا تمكن المفتشين من استمرار مرورهم على المنتجين بصورة دورية ودائمة.
حيث إن الأمر يتعلق بصحة الناس وأمنهم الغذائي الذي هو في صلب الأمن القومي، فهو ليس مدرجا ضمن اهتمامات أولويات السلطة، وتثار في طريقه ألف عقبة وعقبة، أما إذا كان تعلق بأمن النظام ومؤسساته ورجاله، فحظه من الاهتمام كما تعلم.
وأشار إلى أن هذا هو ما يسوغ له أن أقول بأنه إزاء ذلك فإن استمرار الشعب المصري مع حفاظه على قدرته على المرح والمراهنة على المستقبل ليس له تفسير موضوعي أو عقلي، ولا سبيل إلى تفسيره إلا بالرجوع إلى التأويلات الغيبية، كأن نرجع ذلك إلى بركة دعاء الوالدين أو حراسة أولياء الله الصالحين الذين تحلق أرواحهم في فضاء مصر طول الوقت، أو إلى كون ذلك في علامات الساعة الصغرى التي في ظلها تنقلب النواميس، بحيث يكتب البقاء لمن هو مرشح للانقراض والفناء.