ظاهرة (السلفي الكاذب)

- ‎فيمقالات

هى ظاهرة معروفة فى الدعوة، مثل ظاهرة (الحمل الكاذب) لدى المرأة؛ فكما لا يكون الحمل حقيقيًا، كذلك لا يكون هذا السلفى سلفيًا حقيقيًا، وإن كان ملتزمًا بالهدى الظاهر؛ من تقصير ثوب، وإعفاء لحية، واستعمال سواك، ولبس عمامة إلخ؛ فضلا عما يحمله من علم لا يتجاوز لسانه، يفتن به العامة، ويحملهم بجماله الظاهر إلى موارد الهلكة..

و«السلفى الكاذب» كصاحبة «الحمل الكاذب» فى وهمها؛ إذ هى تعيش بين الناس مزهوة بحملها، فخورة بجنينها، الذى هو فى الحقيقة (غازات وانتفاخات)؛ فهو يعتبر نفسه «أعلم أهل الأرض» وربما كان غرًا فارغ العقل لا وزن له. حكى لى أحد الدعاة، وهو من يحفظ القرآن عن ظهر قلب، وقد قرأ ما لم يقرؤه أهل مدينة بكاملها، وجاهد وبذل وصبر ، وهو فوق ذلك مهندس مرموق وكيميائى تطلبه الدول بالاسم -قال: تقدمت لإمامة الناس -كالمعتاد- فى المسجد الذى أصلى فيه، وما إن استفتحت الصلاة بالتكبير حتى وجدت من يجذبنى من الخلف بشكل عنيف، التفت فإذا هو صبى ملتح ينهرنى قائلاً: لا تجوز الإمامة لحليق، قلت: تقدم إذًا أنت وبؤ بها، فتقدم بالفعل، لكن رفض المأمومون الصلاة خلفه.

لما توفى الشيخ محمد الغزالى -رحمه الله- أقامت عليه مساجد مصر، بل مساجد الدنيا، صلاة الغائب فى أول جمعة عقب الوفاة، وقد خطبنا فى أحد مساجد الهرم الكبرى واحد من هؤلاء الذين يتدثرون باللحية والجلباب وقلوبهم مخزون حقد وغل على عباد الله. وأشهد أنه أدى خطبة رائعة، لكنه لما تقدم لإمامة الجنازة وقبل أن يكبر أعطى الناس درسًا فى ضلال المتوفَى (الشيخ الغزالى) وأنه كان صاحب بدعة، أضل الناس وأضر الدين -فقاطعه المصلون، ونهروه لكنه أتم الصلاة وأتممناها معه. بعدها توجهت إليه أعاتبه؛ فلا المقام يسمح بما فعل، ولا الشيخ نفسه يستحق هذا التفسيق، كما لم أعثر فى التاريخ الدعوى على مثل هذا الموقف الغبى الفظ -فما كان منه إلا أن اشتبك معى، وقد رأيت فى وجهه شرًا وغلاً لم أرهما فى وجه بلطجى. واستوعبت يومها درسًا مهمًا لن أنساه بخصوص هذه الطائفة التى تتزى بزى العلماء العبّاد وهم أضر بالدين من أعدائه..

و(السلفى الكاذب) يحمل جل صفات المنافق وأعراض النفاق؛ ففيه الكبر والكذب، وفيه الحقد والحسد، وهو يتخذ الدين وسيلة لتحقيق مصالحه وغاياته؛ ألم تر إلى عبد الله بن أبى، رأس النفاق؛ قالوا إنه -قبل أن يصرح بنفاقه- كان يعقب على عظات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيقول للمسلمين: أيها الناس! اتبعوا هذا الرجل فإنه -والله- على الحق. ثم ما لبث أن انقلب على عقبيه خسر الدنيا والآخرة، وذلك مع أول تعارض لمصالحه مع مصلحة الدعوة؛ فحالف اليهود، وأظهر العداوة للنبى وصحبه؛ لولا أن الله كبته وهزم حلفاءه، ومات ملعونًا مدحورًا.

إنه حتى قبيل الانقلاب الدموى بشهور، كان الناس يظنون أن أعضاء حزب اللحى التابع لدعوة الإسكندرية -من الإخوة الدعاة الغيورين على دين الله، بدليل أن الشعب أعطاهم أصواتًا بلغت ربع عدد من ذهبوا إلى اللجان، وهذا رقم كبير للغاية لحزب وليد لم يمارس أعضاؤه السياسة من قبل، بل كانوا يحرمون المشاركة فيها.. وقد اغتر الناس بهيئاتهم وأقوالهم، حتى وقع الانقلاب فكان منهم ما كان؛ من استحلال دماء المسلمين، وأعراضهم وأموالهم، وقد رضوا بتغلب الفجرة الظالمين، بل عاونوهم على ذلك، وظهروا معهم في محافلهم، وأيدوهم بالفتاوى الدينية التى لا تخلو من الغلط والتدليس، لكن الله سلط عليهم الظالمين الذين أعانوهم؛ فمنعوهم ما منعوا خصومهم، فلم يبق لهم إلا الذل والصغار، والعار والشنار..

يقول النبى -صلى الله عليه وسلم-: «إن أخوف ما أخاف على أمتى: منافق عليم اللسان»، وهذا شاهدناه كثيرًا -ولا زلنا- فإن من هؤلاء من يقول فتسمع لقوله؛ مشدوهًا لفصاحته ونصاعة لغته، حتى إذا رأيت فعله لعنته، فإنه إن وضع فى موضع الإنفاق أو الجهاد أو الجهر بالحق ظهر على سجيته الأولى وطبعه المنكوس؛ منافقًا خالصًا يذهب أينما ذهب أعداء الدين، يسارع فيهم يقول أخشى أن تصيبنى دائرة، وقد أكل الحقد قلبه، وملأ الغل صدره، فهو ينفثها كما تنفث الحية سمها..

المقالات لا تعبر عن رأي بوابة الحرية والعدالة وإنما تعبر فقط عن آراء كاتبيها