قرار رفع تذكرة المترو من جنيهين إلى سبعة جنيهات مرة واحدة، وقبل شهر رمضان بأسبوع واحد، يمثل قسوة مفرطة من جانب النظام السلطوي العسكري بحق الشعب المسكين، الذي لا يجد بعد الرئيس محمد مرسي من يحنو عليه ويراعي مصالحه ويرفق بأوضاعه المؤلمة.
فالموظف الذي كان يصل إلى عمله بأربعة جنيهات ذهابا وإيابا بالمترو؛ بات يتعين عليه أن يدفع إما 6 جنيهات أو 10 أو 14 جنيها، الأمر الذي يضاعف المعاناة ويرهق كاهل الأسرة المصرية التي باتت تحاصرها موجات الغلاء بصورة غير طبيعية لم تشهدها مصر من قبل، حتى في أيام الحروب ضد الصهاينة.
النظام السلطوي الذي تباهي جنراله العسكري مرارا بمدى تحمل صبر الشعب على ما يسميها بالإصلاحات الاقتصادية المؤلمة؛ أصابه الرعب جراء عشرات الاحتجاجات في كل محطات المترو صباح السبت الماضي، وعلى الفور تحولت جميع المحطات إلى ثكنات عسكرية في ظل انتشار أمني مكثف استخدم فيه النظام الشرطة العسكرية والشرطة المدنية وأمن الدولة والأمن المركزي وجميع فروع الأجهزة الأمنية؛ فالشعب لا يصبر ولا يتحمل كما يكذب أو يتوهم جنرال الانقلاب، ولكنه الجبر والإكراه ترهيبا وتخويفا بأدوات السلطة المعروفة في قمع الشعب وإخضاعه بالقوة الغاشمة.

واستخدم النظام العسكري أساليبه الأمنية المعتادة لإجهاض أي حراك شعبي غاضب بسبب قرار زيادة أسعار تذاكر مترو الأنفاق، باعتماده على تواجد أمني مكثف منذ مساء السبت داخل كل محطات المترو على مستوى القاهرة الكبرى؛ للحيلولة دون تجمّع أعداد المواطنين الغاضبين، كما حدث صباح السبت، الأمر الذي نتجت عنه تظاهرات عفوية ضد القرار، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة لبعض أحداثها، وتضمّنت بعضها سباباً جماعياً لرئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي وحكومته ووزيري النقل والداخلية؛ الأمر الذي أسفر عن اعتقال 21 مواطنًا بتهمة التظاهر.
وبالتوازي مع مواجهة الغضب الشعبي المكتوم أمنيا، أصدرت الدائرة المخابراتية الرقابية التابعة للسيسي تعليمات صارمة لكل وسائل الإعلام، بتجاهل أي حراك شعبي أو أي دعوات لمقاطعة المترو أو تبادل التذاكر وغيرها من المقترحات التحايلية على قرار زيادة الأسعار. كما تم توجيه وسائل الإعلام لتخصيص صفحات وساعات بث للحديث عن مشاريع تطوير المترو التي سيتم تمويلها من زيادة أسعار التذاكر.
وتضمّنت التعليمات الصادرة للإعلام، الحديث عن انخفاض نسبة المتضررين من زيادة الأسعار إلى نحو 20 في المائة من إجمالي مستخدمي المترو، قاصدين بذلك المواطنين الذين سيضطرون لدفع 14 جنيهاً (نحو 0,80 دولارا) يوميا لمرورهم بأكثر من 16 محطة ذهابا وإيابا، وكذلك استمرار الحديث عن انخفاض سعر التذكرة قياسا بالدول الأجنبية، وانخفاض سعر التذكرة قياسا بعدد الكيلومترات التي يقطعها المترو في كل رحلة قياسا بالمسافات التي تقطعها باقي وسائل النقل العام.
وتوقعت تقارير اقتصادية زيادة أسعار كل وسائل المواصلات العامة في شهر يوليو المقبل، بعد زيادة أسعار المحروقات، الأمر الذي نفاه مؤقتا وزير النقل هشام عرفات، بإصدار بيان يؤكد استقرار أسعار النقل العام في الوقت الحالي. وهو ما يتناقض مع تقارير أعدتها أجهزة الاستطلاع في وزارة الداخلية، توقعت أن تشهد الفترات المقبلة بسبب زيادة أسعار وسائل المواصلات بصفة عامة، موجات واسعة من قرارات تخفيف أعداد الموظفين في القطاع الخاص، بسبب زيادة كلفة الإنتاج في كل المجالات، وزيادة أسعار الخدمات والمرافق، في ظل رغبة أرباب الأعمال ذات الكثافات المتوسطة والقليلة في تخفيض حجم الخسائر أو الحفاظ على مستوى الربح، مما قد يؤدي لزيادة في أعداد العاطلين عن العمل خلال العام المقبل.
لا تراهنوا على صبر الشعب
بعض المراقبين الموالين للسيسي عبروا عن خوفهم من الرهان على صبر الجماهير، محذرين من انفجار وشيك يفضي إلى فوضى عارمة ربما لا يتمكن النظام من السيطرة عليها أو احتوائها؛ حيث يقول الدكتور محمود خليل، رئيس قسم الصحافة بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، في مقاله المنشور بصحيفة الوطن: «أخشى لحظة يصبح فيها العشم فى صبر الناس وتحملهم مجرد وهم. الناس لا تصبر إلى ما لا نهاية، ولا تتحمل ما لا طاقة لها به. أخشى أن يصل الناس إلى لحظة يأس ساحقة، تستوى فيها الأشياء فى أعينهم، ويرون فيها أن طولها زى عرضها. هذا الشعب تحمل ما لا يحتمله شعب، بلغ به الإرهاق مبلغه جراء الضغوط المعيشية التى أمسكت بخناقه بسبب ارتفاع الأسعار طيلة السنوات الماضية. وليس من الحكمة فى شىء أن ترهق حصاناً مرهقاً».
ويضيف محذرا «تخطئ السلطة فى مصر إذا ظنت أن من يدعونها إلى المزيد من الضغط على هذا الشعب هم الأنصح لها، تخطئ إذا تصورت أن الوزراء ومرتزقة الإعلام الذين يجلدون الشعب بألسنة حداد مسمومة يفيدونها فى شىء.. نحن فى ظرف صعب!».
الطريق نحو الخصخصة
وإذا كانت ديون هيئة المترو تصل إلى 680 مليون جنيه، كما ذكر وزير النقل بحكومة العسكر هشام عرفات، وإذا كان عدد مستخدمي المترو يوميا يصل إلى 4 ملايين مواطن، فإن زيادة جنيه واحد فقط على سعر التذكرة؛ كفيل بتحقيق حوالي 100 مليون جنيه شهريا للمرفق، وحوالي “1,2” مليار جنيه سنويا بما يغطي الديون ويحقق أرباحا تصل إلى نصف مليار جنيه سنويا؛ فلماذا يتم رفع التذكرة إلى 7 جنيهات؟!
الواقع يؤكد أن الجنرال يمهد الأجواء نحو خصخصة مرفق المترو؛ بما يسمح لشركات أجنبية كبرى ربما تكون فرنسية أو حتى إسرائيلية بالتحكم في أهم مرفق نقل ركاب على مستوى البلاد.
وكان مجلس نواب العسكر قد وافق في نهاية أبريل الماضي بصفة نهائية، على مشروع قانون مقدم من حكومة السيسي بشأن إدخال اختصاصات نوعية جديدة للهيئة القومية للأنفاق، تشمل إشراك المستثمرين المحليين والأجانب في إدارة المرفق، الأمر الذي عده مراقبون وقتها خطوة أولى نحو خصخصة القطاع بالكامل، وينُذر بتضاعف أسعار الخدمات الحالية المقدمة للمواطنين وهو ما حدث بالفعل بعد أقل من شهر برفع سعر التذكرة إلى 7 جنيهات.
ويجيز القانون للهيئة تملّك أصول خطوط مترو الأنفاق ووسائط النقل السككي بالجر الكهربائي، وتأسيس شركات مساهمة بمفردها، أو بالاشتراك مع شركاء آخرين لإدارة وتشغيل وصيانة المشروعات، كذلك سمح لها بتملك أصول الخطين الأول والثاني لمترو الأنفاق، ومنح التزامات المرافق العامة للمستثمرين المصريين وغيرهم، لإنشاء وإدارة واستغلال وصيانة أي من مشروعات خطوط مترو الأنفاق ووسائل النقل السككي بالجر الكهربائي.
وحدد القانون قواعد وإجراءات منح التزامات المرافق العامة للمستثمرين، شملت اختيار الملتزم في إطار المنافسة والعلانية، وألا تزيد مدة الالتزام على 15 عاما، وأن تحدد وسائل الإشراف والمتابعة الفنية المالية التي تكفل حسن سير المرفق بانتظام واضطراد، وعدم جواز التنازل للغير إلا بعد موافقة مجلس الوزراء.