أخطبوط يهدد العرب.. الهلال الشيعي بين نبوءة مرسي وخيانة السيسي

- ‎فيتقارير

كتب رانيا قناوي:

ما أن سقطت حلب وذبح أهلها وسط صمت العالم الإسلامي والجيوش الجرارة التي تنفق عليها مصر ودول الخليج مليارات الدولارات دون جدوى، حتى احتفلت إيران صاحبة المد الفارسي في المنطقة بسيطرتها وبسط نفوذها الكامل على حلب.. التي تعي أهميتها بالنسبة لسوريا، لتبشر إيران من بعد ذلك بأنها قادمة لالتهام باقي المنطقة العربية والإسلامية، وتتوعد قادة العرب الذين تدلت كروشهم، بأنهم سيكونون خدما وعبيدا لدى الفرس، وستسبى نساؤهم كما سبيت حرائر حلب وسط صمت العرب.

ولعل الدور الذي لعبته إيران في دعم نظام بشار الإجرامي في مقاومة المعارضة، يؤكد اقتراب إيران من التهام باقي المنطقة عن طريق إنشاء الهلال الشيعي الذي حذر منه الرئيس محمد مرسي، ودعا السعودية للتحالف وتركيا مع مصر، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حينما طالب بانضمام إيران لهذا التحالف لتفويت الفرصة على إيران في السعي لإقامة الهلال الشيعي.. وصد مطامعها في المنطقة، إلا أن الدول العربية رفضت، لتجد نفسها الآن محاصرة بين الفك الفارسي والمخطط الأمريكي، لتتحقق نبوءة الدكتور عصام العريان من خطورة هذا المد الفارسي على الوطن العربي الإسلامي، خاصة الخليج، الذي وقف في وجه الرئيس مرسي، والذي كان أول من أدرك خطورة التدخل الإيراني في سوريا، وأعلن دعم المقاومة حينما قال "لبيك يا سوريا".
 
وبذلك النصر الذي اعتبرته إيران نجاحا لها في المقام الأول لابتلاع سويا، تقترب دولة الملالي من إقامة "هلال شيعي" ونفوذ إقليمي يمتد من الحدود الأفغانية إلى البحر المتوسط، وتتوغل الدولة الفارسية التي لم تنسَ ثأرها مع المسلمين "السنة" في عمق الداخل العربي، لتقترب من السعودية التي تحاربها في اليمن عن طريق الحوثيين، بل بدأت بالتصعيد من الداخل عن طريق شيعة القطيف الذين أصبحوا خنجرًا مسمومًا في ظهر المملكة، ويحتفل قادة الحرس الثوري وكبار رجال الدين في طهران، هذا الأسبوع، بهزيمة إيران للسعودية، التي يعتبرونها داعمة المقاومة في سوريا وينتظرون النصر الأخير في اليمن.

البداية
طرح برنارد لويس وعدد من مستشارى الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الابن فكرة إذكاء الصراعات الطائفية والعرقية فى المنطقة العربية لإعادة تقسيم الدول إلى دويلات يسهل السيطرة عليها، استغلالا لأى هبات أو صراعات يمكن أن تمثل بداية لصراع لا ينتهى إلا بالتقسيم.

ومع غزو العراق كانت إيران الرابح الأوحد من سقوط البعث وضعف العراق، ومع سقوط نظام علي عبدالله صالح فى اليمن وجدت إيران فى صالح ورغبته فى استعادة السلطة فرصة لتدعمه مع الحوثيين ضمن انقلاب شيعى، بهدف السيطرة على باب المندب، مع مد أيادى إيران باعتراف الحرس الثورة إلى البحرين وإلى السعودية، رغبة فى الالتحام مع المنطقة الشرقية، وإثارة القلاقل الطائفية، لتدخل بموازاة الوجود الإيرانى فى سوريا والعراق ثم حزب الله فى لبنان.

ويهدف المشروع إلى تفتيت الدول العربية إلى دويلات على أساس طائفى ومذهبى، وظهر هذا فى الدعم الذى تحصل عليه إيران من الولايات المتحدة الأمريكية، تزامنًا مع الاتفاق النووى، وتصريحات قائد الحرس الثورى الإيرانى محمد على جعفرى، أن تدخلات إيران فى اليمن وسوريا تأتى فى إطار توسع خارطة الهلال الشيعى فى إيران وسوريا واليمن والعراق ولبنان، مع امتدادات ذلك فى أفغانستان. والمناطق التى تشهد تركزا شيعيا، بل إن ما تعلنه طهران عن رغبة فى علاقات ثقافية مع مصر أو الدول العربية والإسلامية إنما تهدف لتنمية خلايا شيعية لصناعة خطر مذهبى فى الدول التى لا تعانى من المذهبية، وهو ما ما وافق عليه قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي من باب المكايدة في السعودية وتأديبها بأوامر أمريكية.

بل اعترف قائد الحرس الثورى الإيرانى، محمد على جعفرى، فى مايو الماضى أن تدخلات إيران فى اليمن وسوريا تأتى فى إطار توسع خارطة الهلال الشيعى فى المنطقة، مضيفا: «يعلم الأعداء بأن لإيران تأثيرًا فى اليمن دون أن تقوم بتدخل مباشر فيه، حيث ينتفض الشعب اليمنى بنفسه، ويواصل طريق الثورة الإسلامية والشهداء والشعب الإيرانى العظيم ويقتدى بهم».

الهلال الشيعي ووثيقة برنارد لويس
ويعتبر الهلال الشيعى، مصطلح سياسى استخدمه الملك الأردنى عبدالله الثانى بن الحسين لأول مرة فى حديثه لـ«واشنطن بوست» خلال زيارته للولايات المتحدة أوائل شهر ديسمبر عام 2004، عبر فيه عن تخوفه من وصول حكومة عراقية موالية لإيران إلى السلطة فى بغداد، تتعاون مع طهران ودمشق لإنشاء هلال یكون تحت نفوذ الشيعة يمتد إلى لبنان.

ورأى فى بروز هلال شيعى فى المنطقة ما يدعو إلى التفكير الجدى فى مستقبل استقرار المنطقة، ويمكن أن يحمل تغيرات واضحة فى خريطة المصالح السياسية والاقتصادية لبعض دول المنطقة.

وأقر الكونجرس الأمريكى سنة 1983 وثيقة برنارد لويس، وهو مستشرق يعتبر صاحب أهم مخطط فى القرن العشرين لتفتيت الشرق الأوسط إلى أكثر من 30 دويلة إثنية ومذهبية، وهو منظّر لسياسة التدخل الأمريكية فى المنطقة العربية خلال إدارة جورج دبليو بوش للحرب ضد الإرهاب.

يعتبر جزءًا من خريطة «الشرق الأوسط الجديد» التى لوحت بها علنًا وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، كونداليزا رايس، فى عام 2006. مخطط برنارد لويس الذى يلعب على إشعال النعرات الإثنية والعرقية والدينية الموجودة فى دول العالم العربى الإسلامى نشرته لأول مرة مجلة وزارة الدفاع الأمريكية مرفقًا بمجموعة من الخرائط التى توضح تقسيم كل دولة إلى 4 دويلات.

والهلال الشيعي يضم كلًا من العراق، ممثلة فى محافظات كربلاء وبابل وواسط والقادسية والنجف والمثنى وذى قار وميسان والبصرة.
سوريا، ممثلة فى محافظات إدلب وحلب وحمص وحماة ودمشق وحوران.
لبنان، ممثلة فى حزب الله.
اليمن، ممثلة فى الحوثيين.
شيعة البحرين.
شرق السعودية، ممثلة فى محافظتى القطيف والحساء.
فضلا عن القنوات الشيعية ذراع طهران الإعلامية.. أكثر من 100 قناة تواصل نشر المذهبية وتهاجم أهل البيت

ودعا الرئيس مرسي قبل الانقلاب عليه إعلان التحالف الإسلامي في مواجهة هذا المد الفارسي عن طريق تكتل دول المنطقة الكبرى، على رأسها مصر والسعودية وتركيا والأردن والإمارات وباكستان والبحرين وبنجلاديش وبنين  وتشاد وتوجو وتونس وجيبوتى والسنغال والسودان وسيراليون والصومال والجابون وغينيا وفلسطين وجمهورية القمر الاتحادية وقطر وكوت ديفوار والكويت ولبنان وليبيا والمالديف ومالى وماليزيا والمغرب وموريتانيا والنيجر ونيجيريا واليمن.

إلا أن مصر في ظل الانقلاب العسكري على الرئيس مرسي خرجت عن هذا الإطار، وبدأت في إعلان الحرب على تركيا والسعودية مباشرة، ودعمت التواجد الإيراني في المنطقة عن طريق توحيد مواقفها مع إيران؛ في دعم نظام بشار، ودعم الحوثيين في مواجهة السعودية.

ونجحت إيران في التسلل إلى الدول العربية عبر القنوات الشيعية سلاحها فى نشر التشيع فى الدول العربية السنية، فإيران لها عدد من القنوات تجاوز عددها الـ100 قناة تبث على أقمار فى المدار نفسه الذى يشغله النايل سات، وهو ما يسمى بـ«التردد 7 شرقاً»، مثل قمر «نور سات»، أو الأقمار الدولية التى تقترب من المدار 7 شرقًا، وعليه فإن مشاهد مصر يستطيع أن يستقبل هذه القنوات، وكأنها تبث على النايل سات، فهذه القنوات منها ما ينطق باللغة العربية لكنها تنشر المذهب الشيعى، فى الوقت الذى لا توجد فيه قناة سُنية توجه لإيران باللغة الفارسية لتتصدى لنشر المذهب الشيعى.

هذه القنوات الشيعية التى أصبحت داخل كل بيت فى وقتنا الحالى، تحرض على إثارة الفتن فى الدول الإسلامية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية واليمن والإمارات والبحرين والكويت، فقنوات الشيعة تشكل خطورة على الأمن القومى واستقرار البلاد العربية «السنية»، خاصة أن بعض هذه القنوات كشفت الحرب فى اليمن عن توجهها ودعمها لانقلاب الحوثيين وتخدم مخطط إيران.

الدور الأمريكي
وترعى أمريكا المخطط الإيرانى لتقسيم الدول العربية، حيث لا يمكن أن يتم إلا برعاية غربية من الولايات المتحدة الأمريكية، فوثيقة «برنارد هنرى لويس» التى أقرها الكونجرس الأمريكى سنة 1983، توضح حقيقة الاضطرابات التى تتعرض لها الدول العربية السنية فى الوقت الحالى، لتنفيذ مخطط «الشرق الأوسط الجديد»، فإيران تطبق العديد من بنود هذه الوثيقة لخدمة سياستها التوسعية، وذلك عبر إثارة النعرات الطائفية الدول العربية الإسلامية، بحيث تطالب كل أقلية شيعية فى الدول العربية بإنشاء دولة لها.

وما حذر منه الملك الأردنى عبدالله الثانى بن الحسين، بات واقعًا فى الوقت الحالى، فالعراق بها تكتلات شيعية تتحرك وفق ما تمليه إيران، والحوثيون فى اليمن يتحركون بتوجيهات من إيران، فالحرب فى اليمن كشفت عن الدور الخبيث الذى تقوم به إيران لإثارة الفتن فى اليمن لتشتعل الحرب اليمنية، ولولا تدخل المملكة العربية ودول الخليج لاشتعلت اليمن فى حرب أهلية لم تكن لتتوقف لسنوات طويلة.

وفى لبنان، خططت إيران للسيطرة عبر ذراعها السياسية والدينية «حزب الله» ليكون رأس حربتها السياسية فى منطقة تطل على فلسطين، وفى سوريا نجحت إيران فى دعم الرئيس السورى بشار الأسد ليحافظ على بقائه فى منصبه كرئيس للبلاد، رغم ما شهدته بلاده من ثورة طالبت برحيله، وفى العراق ومنذ سقوط صدام حسين وحتى الآن استطاعت إيران، وبمساعدة بعض الشيعة الموالين لها فى العراق، السيطرة شبه الكاملة على العراق.

وفي المملكة العربية السعودية رصدت تمددا شيعيا على حدودها، وبدأت تتعامل معه بشكل جدى، خاصة فى ظل التقارب الأمريكى الإيرانى الذى كان يتعبر مستحيلاً فى الفترة الماضية، أما الآن فأصبح حقيقة تهدد السعودية، كما استطاعت الرياض كشف المخطط الإيرانى، الذى كان يدبر على أرضها ويقوده شخصيات موالية لإيران، وقامت بالقبض على عدد من الأشخاص الذين كانوا يخططون للقيام بأعمال إرهابية ضد المدن السعودية.

تهديد وجودي
وفي المقابل، تمكن "الحرس الثوري" والزعيم الإيراني الأعلى علي خامنئي من إقناع المواطنين الإيرانيين بالحرب.

وراحت مؤسسات إخبارية محافظة قريبة من "الحرس الثوري" تنشر موضوعات عن التهديد الوجودي الذي تمثله "الدولة الإسلامية" والحاجة لقتال التنظيم في سوريا منذ أعلنت إيران عن دورها بالصراع في 2012.

وفي وقت سابق هذا العام، قال خامنئي إنه إذا لم تشارك إيران في الحرب بسوريا لحاربت العدو نفسه داخل الجمهورية الإسلامية.