في إقرار بعمق الأزمة بين السودان ومصر استدعت الخرطوم، يوم الخميس الماضي 4 يناير 2018م، بشكل عاجل سفيرها لدى القاهرة عبد المحمود عبد الحليم؛ للتشاور بشأن جملة من المشكلات التي تواجه العلاقة بين الدولتين.
ونقلت شبكة الجزيرة القطرية عن الناطق الرسمي باسم الخارجية السودانية السفير قريب الله الخضر، في بيان، إن الاستدعاء اختصر فقط على مسألة التشاور دون إبداء أي مسببات أخرى.
ويعد استدعاء السفير السوداني لدى القاهرة أول تعبير احتجاجي ينم عما وصلت إليه العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين من فتور لم يسبق له مثيل في تاريخها الحديث.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي عثمان ميرغني، أن هذا التطور يعتبر إيذانًا ببدء مرحلة جديدة قد تفضي إلى تجميد العلاقات الدبلوماسية بين الخرطوم والقاهرة إلى وقت آخر، “بعدما سبقها كثير من التراشق الإعلامي”.
وحول أسباب هذا التصعيد الخطير، يرى محللون أن هناك جملة من الأسباب، أهمها الخلاف الحدودي بين البلدين حول مثلث حلايب وشلاتين، والزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس التركي للخرطوم، وسط مخاوف من جانب العسكر من انحياز الخرطوم لأنقرة، في ظل الخلافات بين القاهرة وأنقرة بعد انقلاب 3 يوليو 2013م، وثالث الأسباب هو التقارب السوداني مع قطر، والرابع هو الحملة الإعلامية السوداء من جانب نظام عسكر 30 يونيو بحق السودان واتهامها بالانحياز لإثيوبيا في أزمة سد النهضة، والخامس هو اتهام الخرطوم بإيواء قيادات الإخوان المهاجرين من بطش وقمع نظام العسكر في القاهرة.
زيارة أردوغان والانحياز لإثيوبيا
ويرى بعض المحللين أن زيارة أردوغان للخرطوم يوم 24 ديسمبر الماضي 2017م، هي المحرك الأبرز لتلك الأزمة، في حين يرى آخرون أن موقف السودان المخالف لمصر بشأن سد النهضة الإثيوبي، وتباين رؤى الحكومتين حول ما يجري في ليبيا، والاتهامات التي تم تبادلها بهذا الشأن هي عناصر إضافية للأزمة.
ولم تمض سوى أيام على زيارة وفد من المخابرات المصرية للسودان، والتي تلت اتهامات السودان لمصر بالمشاركة في دعم المتمردين في دارفور، في مايو الماضي، حتى تسربت بعض المعلومات بتفويج القاهرة قوات عسكرية إلى إريتريا الجارة الشرقية للسودان، الأمر الذي لم تنفه القاهرة.

وكانت صحف سودانية نقلت عن مصادر أن زيارة لوزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور إلى القاهرة، كانت مقررة الأربعاء، قد تأجلت إلى وقت لاحق؛ بسبب انشغالات وزير الداخلية. غير أن تقارير صحفية أخرى كشفت عن أن التأجيل جاء احتجاجا على الهجوم الإعلامي المصري المستمر على السودان بعد زيارة الرئيس التركي أردوغان للخرطوم.
وقالت شبكة الجزيرة، إنه على الرغم من مراهنة كثير من المتابعين على إمكانية عودة الأمور إلى نصابها بعد تجاوز بعض العقبات، فإن استدعاء السفير ربما مثل اعترافًا كاملًا بعمق الأزمة واستحالة معالجتها على الأقل في الوقت الراهن.
وشكل سوء النوايا العسكرية للطرفين- حسب متابعين- جانبا مهما في الأزمة المستفحلة، خاصة بعدما نجحت آلة الحرب الإعلامية في قيادة الطرفين نحو ما تشبه المواجهة الحقيقية في ظل توالي الاتهامات من كل طرف.
ويتساءل متابعون عن عدم كشف الخرطوم والقاهرة عن حقيقة ما يجري بينهما، الأمر الذي قد يقود إلى الانتقال بهما إلى مربع المواجهة الذي لن تسلم منه المنطقة بأسرها، حسب الكاتب والمحلل السياسي أشرف عبد العزيز.
وما لم تقله الحكومة السودانية هو أن الأزمة بلغت مبلغا يستوجب الاعتراف بها والعمل بما يناسبها من قرارات ومواقف دبلوماسية وسياسية.
تقرير الجزيرة عن سحب السفير السوداني
أزمة حلايب وشلاتين
وبحسب شبكة «BBC»، فإن السودان وفضلا عن اتهامها سابقا لحكومة مصر بالوقوف مع قرار تمديد العقوبات المفروضة عليها بمجلس الأمن، فإنها تتهمها أيضاً بتمويل المعارضة السودانية، ودعم الجماعات المسلحة هناك، وكذلك دعمها لجنوب السودان ضد نظام الرئيس السوداني عمر البشير.
لكن الشبكة البريطانية تؤكد أن أزمة حلايب وشلاتين تحتل موقعا بارزا في التوتر بين البلدين، خاصة من الناحية السودانية. لا سيما وأن نظام القاهرة العسكري يرفض مقترحات الخرطوم حول حل الأزمة الحدودية عبر الحوار أو التحكيم الدولي.
وتنظر السودان إلى النظام المصري على أنه تنازل عن جزيرتي “تيران وصنافير” المصريتين للجانب السعودي مقابل حفنة مليارات من الدولارات، كما يتجاهل احتلال الصهاينة لمنطقة أم الرشراش والتي يطلق عليها حاليا “إيلات”، إضافة إلى قبوله التحكيم الدولي في أزمته مع الصهاينة عبر مفاوضات امتدت لسنوات؛ فلماذا يرفض نظام عسكر 30 يونيو التجاوب مع المقترحات السودانية ويتعامل باستعلاء مع الشقيقة الجنوبية؟.
هل تضغط الخرطوم من أجل التحكيم؟
وترى الدكتورة أماني الطويل، مدير البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن العلاقات بين مصر والسودان واجهت أزمة متصاعدة خلال عام ٢٠١٧، وتعزو ذلك إلى محاولة الخرطوم دفع القاهرة إلى فتح ملف الخلاف الحدودي بين البلدين في منطقة حلايب وشلاتين، وذلك بتقدير أن نظام الحكم في مصر في أضعف حالاته إزاء السودان؛ بسبب سد النهضة المُستهدف من إثيوبيا، مهددا الأمن المائي المصري.
وتضيف الطويل أن السودان أقدم على إقامة تحالف استراتيجي، يتضمن اتفاقات دفاعية مع أديس أبابا منتصف ٢٠١٧، وقامت إثيوبيا بعده بالاعتراف بحلايب وشلاتين كأراضٍ سودانية، كما استقبلت الخرطوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يدعم إخوان مصر.
واتهمت نظام الحكم في السودان بالسعي لتوظيف «حلايب وشلاتين» كملف للمقايضة مع مصر؛ إلى جانب تحالفه مع إثيوبيا المؤسس على إمكانية الاستفادة من الطاقة الكهربائية لسد النهضة يشكل مخرجا ولو محدودا من أزمة الطاقة في السودان، ويضمن نوعا من الشعبية للنظام السياسي السوداني؛ بسبب مخاطبته الذات الوطنية السودانية.
وخلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، اتخذت السلطات المصرية، بشكل لافت وغير مسبوق، سبعة إجراءات، ثلاثة منها في يوم واحد، مقابل إجراء سوداني واحد، بشأن مثلث حلايب وشلاتين.
وتنوعت الإجراءات المصرية، بين إعلان مصر التوجه بشكوى لمجلس الأمن ضد السودان، وبناء 100 منزل بحلايب، وبث برنامج تلفزيوني، بخلاف بث خطبة الجمعة الماضية من المنطقة المتنازع عليها، وإنشاء سد لتخزين مياه السيول، وميناء للصيد في “شلاتين”، ما يعكس تكريسا للسيطرة المصرية القائمة بالفعل على المثلث الحدودي.