مسرحية السيسي.. ورطة الإخراج بين التزكية والكومبارس

- ‎فيتقارير

بعد إعلان الفريق أحمد شفيق، في بيان رسمي، عدم ترشحه في مسرحية انتخاب رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، والحكم بحبس العقيد قنصوة الذي أعلن ترشحه ضد جنرال العسكر، بات السيناريو الأرجح هو التزكية، فالسيسي لا يريد منافسة شبه جادة كما في حالة شفيق، ولا يريد منافسًا من الأساس كما فعل مع العقيد قنصوة!.

لكن بعض المحللين والمراقبين لا يستبعدون سيناريو البحث عن “كومبارس” جديد على غرار حمدين صباحي، الناشط الناصري، الذي حصل على المركز الثالث في مسرحية 2014م، بينما يفضل آخرون داخل الأجهزة الأمنية نموذج الحاج أحمد الصباحي، رئيس حزب الأمة في عهد مبارك، والذي ترشح في مسرحية الرئاسة 2005 أمام الرئيس المخلوع حسني مبارك، ومنح صوته للمخلوع في مفارقة مدهشة تعكس حجم المسخرة في مسرحيات العسكر التي يطلقون عليها تجاوزًا “انتخابات”.

وجاءت التسريبات التي نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” لتكشف عن ضغوط كبيرة تعرض لها الفريق من جانب جهاز المخابرات الحربية وأجهزة الأمن التابعة للسيسي، وتهديدات النقيب أشرف عندما كان يملي على عزمي مجاهد ما سيقوله حول أزمة شفيق، مؤكدا أن الفريق إذا تراجع سيتم التعامل معه باحترام كقائد عسكري سابق، أما إذا واصل تحديه للسيسي فإنه سوف (استخدم الضابط عبارة غير لائقة).

ولا شك أن مخاوف السيسي وأجهزته الأمنية من ترشح شفيق تعكس حجم الخوف من منافسة شبه جادة من ناحية، ومخاوف من العزوف الجماهيري من ناحية أخرى، في ظل تآكل شعبية الجنرال الدموي وفشله في كل الملفات، حتى بات الشعب يترقب يوم الخلاص والتحرر من حكمه الاستبدادي الديكتاتوري.

الورطة الكبرى

ويؤكد مراقبون ومحللون أن ما جرى ما شفيق وقنصوة، كاشف لتوجهات النظام نحو تمرير المسرحية بالتزكية، أو البحث عن كومبارس مناسب لا يمثل خطرا على جنرال العسكر الدموي وزعيم الانقلاب.

فالكاتب الصحفي محمد عصمت- في مقاله اليوم بالشروق تحت عنوان «أسئلة ما بعد شفيق»- يحذر من هذه الورطة: «ما يتجاهله هؤلاء المؤيدون أن الانتخابات الحرة النزيهة بين مرشحين أقوياء يعتبر أهم وسيلة لتقوية شرعية الحكم، وضمان استناده إلى قبول شعبى واسع حتى من أنصار المرشح الخاسر، بل وقبل أنصار المرشح الفائز، وإلى قبول جماهيرى عن إجراءات الانتخابات نفسها».

وبحسب الكاتب الصحفي جمال سلطان- في مقاله اليوم بعنوان «السيسي الآن في ورطة حقيقية»- يؤكد أن «انسحاب شفيق المتأخر وضع السيسي والبلد كلها في ورطة، لأنه لم تعد هناك من الناحية العملية انتخابات في مصر».

ويضيف سلطان: «ليست هناك مشكلة في تمكين السيسي من رئاسة الجمهورية في الفترة المقبلة، ولكن المشكلة هي في “إخراج” المشهد بشكل يمنحه الشرعية أمام المجتمع الدولي، ويمنع تسويق المعارضة وخاصة المؤيدة للإخوان، بأن الحكم في مصر يعتمد على سيطرة القوة والسلاح وليس القبول الديمقراطي».

كومبارس على المقاس!

وفي صورة تهكمية يضيف الكاتب «الآن أمام الأجهزة ودوائر السيسي مطلب عاجل بالبحث عن مرشح، حتى لو دفعوا له، ولن تكون هناك مشكلة في أن يستخرجوا له التوكيلات اللازمة للترشح أو أن يطلبوا من رجالهم في البرلمان توفير النصاب المطلوب لترشيحه، من أجل ترتيب الإجراءات القانونية، لكن المشكلة هي قبول شخصية محترمة لمثل هذا “الدور”؛ لأن الدفع بشخصية محسوبة على النظام أو السيسي نفسه سيكون مدعاة للسخرية، وستعيد إنتاج نموذج الحاج أحمد الصباحي، الذي ترشح ضد مبارك وأعطى صوته شخصيا في الانتخابات لمبارك نفسه، وأعتقدُ أن هناك سباقا محموما لدى الأجهزة يجري حاليا من أجل العثور على هذا المرشح، وهي حالة غير مسبوقة في مصر، ومهينة للدولة بدون شك، ولكنها أصبحت ضرورة الآن لإنقاذ الانتخابات»!.

ملامح المسرحية الرديئة

ويرى الكاتب الصحفي محمود سلطان، أن «الإدارة السياسية الحالية، ترتب فقط لـ”اللقطة” و”الشكل” وتصدير الصورة لمن يهمه الأمر “المجتمع الدولي”، ولكن تظل هذه “اللقطة” غير مضمونة؛ لأن الناس قد لا يشاركون في اللعبة، وتُجرى الأخيرة بدون غطاء شعبي يقنع العالم بالشرعية الجديدة وما سيترتب عليها من مشاكل وفواتير، قد تضاف إلى الفواتير الباهظة التي سددتها القاهرة، لتطبيع علاقاتها مع العالم، الذي لم يكن مقتنعًا بما حدث في 3 يوليو.

لذا بحسب الكاتب «سيظل الحشد وسوق الناس إلى مقار الاقتراع، وصناعة الطوابير، هو من أولويات المرحلة، وقبلها ستكون استمارات “علشان تبنيها” هي الأهم والأولى من إجراء الانتخابات.. لأنها في ظل هذا الوعي الارتجالي والمستهتر، بحساسية واقع العالم الجديد وتحولاته العميقة، وانتقال مراكز التأثير والقوة من السلطات الرسمية إلى جماهير العالم الافتراضي.

ويرسم الكاتب صورة مأساوية «لن تجد مشقة ـ إذن ـ في استشراف مستقبل تكوينات 2018 السياسية.. قد نكون مقبلين ـ كدولة ـ على أزمة ربما تكون هي الأخطر في تاريخ أزمات مصر المتلاحقة.. ولكن تبقى أزمة من صنعوها هي الأكبر والأخطر؛ لأن أياديهم تعمل ضد طبيعة الأشياء والسنن الاجتماعية والكونية، ضد أي منطق.. أنفاس مثل هؤلاء قصيرة ولا يمكن أن تستمر طويلًا».