يبدو المشهد المصري متباينا بصورة كبيرة بين الانتخابات الرئاسية التنافسية التي جرت في مصر منتصف 2012م، ومسرحية 2018 التي يطلق عليها إعلام العسكر تجاوزا “انتخابات رئاسية”.
المسافة الزمنية بين المشهدين “6” سنوات، ولكن المسافة بينهما بمعيار الحريات والديمقراطية والتعددية هي مسافة تتسع باتساع السماوات والأرض، وبينهما تتكشف الجريمة الأخطر لقائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، جريمة وأد وإجهاض المسار الديمقراطي والانحراف بالبلاد من مسار ثورة يناير الديمقراطي التعددي إلى مسار 30 يونيو الاستبدادي الديكتاتوري.
انتخابات غير مسبوقة
ومن عاصروا وعايشوا انتخابات 2012، لا شك أنهم يترحمون على تلك المرحلة غير المسبوقة من الحريات والنزاهة والشفافية، ورغم أن الدولة العميقة والمؤسسة العسكرية دفعت بمرشحها الفريق أحمد شفيق، ووقفت تسانده بكل قوة إلا أنها لم تتدخل بشكل سافر في إعاقة المرشحين الآخرين على نحو يجرد التجربة من نزاهتها وديمقراطيتها، ولم توظف مؤسسات الدولة -كما يفعل جنرال الانقلاب حاليا- من أجل فوز مرشحها بالوسائل القذرة وغير المشروعة.
أقيمت الجولة الأولى من انتخابات 2012م، يومي 23 و24 مايو ، وأقيمت الجولة الثانية يومي 16 و17 يونيو.
أسفرت جولة الإعادة في الانتخابات عن فوز مرشح حزب الحرية والعدالة الدكتور محمد مرسي بنسبة 51.73% على منافسه ممثل المؤسسة العسكرية أحمد شفيق الحاصل على نسبة 48.27%.

وحسب مراقبين ومحللين فإن هناك “4” فروق جوهرية بين المشهدين، تتعلق بأجواء الحريات والتعددية السياسية وعدم تدخل السلطات في مسار الانتخابات وعدم إقصاء أي فصيل إضافة إلى مشاركة الجميع في انتخابات 2012 وهي الشروط التي لا تتوافر لمسرحية 2018 حيث تمت الإطاحة بأكبر حزب سياسي في البلاد والانقلاب على أول رئيس مدني منتخب وصادرت المؤسسة العسكرية الفضاء السياسي ووضعت ممثلها على رأس السلطة بقوة السلاح، كما تسود أجواء غير مسبوقة من القمع والإقصاء فلا صوت يعلو فوق صوت العسكر وبات ممثل العسكر في السلطة المطلقة وحيدا لا شريك له.
شاهد.. إعلان فوز الدكتور محمد مرسي بالرئاسة
بين أجواء الحرية والقمع العسكري
أجريت انتخابات الرئاسة في 2012، بين حوالي 13 مرشحا يمثلون كل أطياف المجتمع المصري من الإسلاميين واليساريين والليبراليين وحتى فلوك نظام مبارك وممثلين عن المؤسسة العسكرية والدولة العميقة.
كانت مصر بعكس الوضع الراهن الكئيب، تتمتع بأعلى مظاهر الحريات والديمقراطية فلا إقصاء لأحد ولا اعتقالات ولا تدخلات من جانب الأجهزة الأمنية.
حرية تأسيس الأحزاب مكفولة، وحق إنشاء المنابر الإعلامية والسياسية تحميها الدولة، الفضائيات تعبر عن كل التيارات السياسية والصحف منابر حقيقة تعكس الصراع الفكري والسياسي في أبهى صورة.
تتبارى الصحف والفضائيات في تناول كل ما يتعلق بالبرامج السياسية للمرشحين، وعقدت فضائيات مناظرة شهيرة بين المرشحين الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح والسيد عمرو موسى وهي المناظرة التي شهدت متابعة من جانب الملايين بمصر وخارجها، وعقلت عليها كل وسائل الإعلام الدولية والعالمية.
ودفعت سخونة المعركة الانتخابية كل وسائل الإعلام العالمية إلى متابعتها لحظة بلحظة حتى قالت إحدى الصحف العالمية إن سخونة الانتخابات في مصر وشراسة المعركة بين مرسي وشفيق فاقت ما يحدث في الانتخابات الأمريكية نفسها.

انتخابات أبهرت العالم
وبعكس ما يجري الآن في 2018م، بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب في 2012م، والزج به وبالآلاف من أنصار في أقبية السجون والمعتقلات بتهم ملفقة، فإن جنرال الانقلاب لا يكترث بالحريات ولا بالديمقراطية وحقوق الإنسان، حيث يتم التضييق على المرشحين وتتنافس الأجهزة الأمنية من أجل منع المرشحين والعمل على فوز رئيس الانقلاب بالتزكية حيث تم اعتقال الفريق عنان والتحقيق معه لمنعه من الترشح، كما تم الضغط على الفريق شفيق حتى انسحب، أما العقيد قنصوة فتم الحكم عليه بالسجن لأنه تجرأ وأعلن نيته الترشح أمام جنرال الانقلاب.
أما في عام 2012 فقد شهدت مصر أول وآخر انتخابات رئاسية تنافسية متعددة، ضمت كل التيارات السياسية دون إقصاء لأحد، أو مقاطعة من أحد، وسط مشاركة شعبية كبيرة وصلت إلى أكثر من 47% من المسجلين في قوائم الناخبين. وهي نسبة عالية للغاية مقارنة بما كان يحدث أيام الديكتاتور حسني مبارك.
ترشح الفريق أحمد شفيق عن المؤسسة العسكرية وأركان الدولة العميقة التي أسسها مبارك على مدار 30 سنة. كما ترشح عمرو موسى وزير الخارجية في عهد مبارك معبرا قطاع من الليبراليين وفلول نظام مبارك.
وترشح عن الإسلاميين الدكتور محمد مرسي ممثلا عن جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة الذي فاز بالأكثرية في انتخابات مجلسي الشعب والشوري. كما ترشح الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح والدكتور محمد سليم العوا ممثلين عن الإسلاميين المستقلين.
وترشح عن الناصريين حمدين صباحي رئيس حزب الكرامة، كما ترشح عن اليساريين المحامي خالد علي وأبو العز الحريري والمستشار هشام البسطويسي عن حزب التجمع اليساري.
مناظرة موسى وأبو الفتوح
خاض عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح أول مناظرة رئاسية في مصر في حدث وصف بالتاريخي.
التقى المرشحان عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح بصفتهما أبرز المرشحين في أول مناظرة تلفزيونية بين مرشحين للرئاسة في تاريخ مصر يوم 10 مايو 2012. عُرضت المناظرة، التي تمت بالتعاون مع جريدتي الشروق والمصري اليوم، على شاشتي قناة أون تي في وقناة دريم 2 وأدارها المذيعان يسري فودة ومنى الشاذلي. تبادل المرشحان عرض رؤيتهما حول نظام الحكم والملفات الحيوية كما تبادلا الاتهامات حول تاريخهما السياسي.
أبرزت الصحف العالمية الحدث مثل جريدة نيو يورك تايمز الأمريكية وصحيفتي لو فيجارو ولوموند الفرنسيتين وآخرين. ورحبت الولايات المتحدة الأمريكية بالمناظرة وقالت المتحدثة باسم وزارة خارجيتها “أن هذه المناظرة أمر صحي وإيجابي”.
وبينما أشاد الباحث السياسي عمار علي حسن بقيمة المناظرة التاريخية، إلا أنه رأى أن كلا المرشحان كان يستهدف فضح مواقف أو كشف نقاط ضعف الآخر وهو ما جعله يتوقع احتمال أن يصب ذلك لصالح منافسيهما.
فيما انتقد مأمون فندي، مدير برنامج الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية البريطاني، المناظرة بشدة لاقتصارها على مرشحين اثنين فقط، وهو ما اعتبره محاولة من القنوات الخاصة على حصر المنافسة الرئاسية بين موسى وأبو الفتوح فقط دون باقي المرشحين.
وكان المرشح محمد سليم العوا قد دعا مرشحي التيار الإسلامي لعقد مناظرة معه لتوضيح الفارق بين مرشحي التيار الواحد. فيما رفض الدكتور محمد مرسي المشاركة في أي من المناظرات الرئاسية لما اعتبره أنها ترتكز على تجريح المرشحين وليس النقاش الموضوعي حول برامجهم الانتخابية.