من اجل اعتراف العالم بشرعيته الزائفة.. الانقلاب يبيع مصر فى اليونان

- ‎فيتقارير

فجر عاطف صحصاح

فى محاولة فاشلة لاضفاء الشرعية الزائفة على الانقلاب الدموى قام عدلى منصور الرئيس المعين من قبل قادة الانقلاب بزيارة إلي اليونان فى أول زيارة خارجية له بعد الاستفتاء علي وثيقة دستور الدم، ويحاول –منصور- استكمال المشهد السياسي -لشرعية الدم – بزيارته الأوربية الأولي ، وزعم الانقلابيون أنها خطوة علي طريق دعم الاستثمار، وأنها تختصر سنوات طوال علي مصر.

في المقابل أكد الخبراء أن الزيارة تستهدف إيجاد ذريعة إعلامية للحديث عن التواجد الخارجي المصري، وقالوا أنها ليست أكثر من محاولة للكيد لتركيا الداعمة للشرعية عن طريق إبداء تحالف متوسطي مع عدو تاريخي لها.

يذكر أن الزيارة التي قام بها منصور يوم  –الإثنين الماضي ولم تستمر سوي ساعات معدودة، ترتبط بتولى اليونان الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبى فى الأول من الشهر الجارى للنصف الأول من عام 2014.

كيد لتركيا

يقول:"ياسر زيادة"-الباحث فى العلوم السياسية- لا يوجد سبب مقنع لزيارة اليونان إلا ما يمكن تسميته فى التراث الشعبي "كيد نسا"؛ موضحا انه لو كانت لليونان قوة اقتصادية أو سياسية يعتد بها؛ لكان هناك مجال للحديث عن أهمية الزيارة وأثرها فى استتباب الانقلاب مثلا؛ لكن الواقع يقول أن اليونان تعانى مشاكل اقتصادية قد تودى بها إلي الإفلاس لو لم يتداركها الاتحاد الأوروبى،

واضاف ان مصر كذلك تعانى من مشاكل اقتصادية جمة ستؤدى بها الى الإفلاس لو استمر الوضع كما هو عليه. مؤكدا أن هذه الزيارة هى محاولة للكيد ضد تركيا التى تشهد علاقاتها باليونان توترا كبيرا بسبب العديد من المشاكل ليس أقلها المشكلة القبرصية.

واكد زيادة أنه لا يضير تركيا شيء حقيقي من هذه الزيارة ؛ ولكن سلطات الانقلاب تظن أنه بتقاربها مع اليونان ستؤثر على تركيا. مشيرا الى أن تركيا أصبحت قوة إقليمية كبرى سواء على الصعيد الاقتصادى (اقتصادها ضمن أكبر 20 اقتصاد عالمى) أو على العسكرى والسياسى مقابل تراجع نفس المؤشرات بالنسبة لمصر واليونان.

واوضح أنه من خلال واقع الانقلاب وعزلته الدولية، فإنه يحاول اظهار أن هناك دولا غير دول الخليج يزورها، وأن الانقلاب فى سبيله للحصول على شرعية دولية بعد استفتاء الدم.

وحول ما إذا كانت رئاسة اليونان للاتحاد الأوربي ستعني دعمها للانقلاب أمام الاتحاد لإيجاد مخرج يقول –زيادة- قد تحاول اليونان ذلك، لكن العبرة بمدى تأثيرها على قرار الاتحاد الأوربى ودوله خاصة فرنسا وألمانيا اللتان تقودان دول الاتحاد الأوروبى، متسائلا هل يمكن أن تؤثر دولة على شفا الإفلاس وتأخذ معونات من الاتحاد الأوروبى خاصة من ألمانيا على قرارات الاتحاد؟!

ويرى أنه طالما الأزمة مستمرة في مصر بين طرف الانقلاب، والطرف الرافض له؛ ستستمر سياسة الاتحاد الأوروبى كما هى دون تغيير ملموس فى الفترة القريبة المقبلة. لافتا الى ان الاتحاد الاوربي يؤيد ما يجرى فى مصر من انقلاب على الحكم الإسلامى، لكنهم لا يمكن أن يعترفوا صراحة بالانقلاب لأنه ينافى القيم الديمقراطية التى يؤمنون بها وتؤمن بها الشعوب الأوروبية.

واضاف ستستمر سياسة الاتحاد غير واضحة ، والفضل فى ذلك يرجع لصمود رافضى الانقلاب حتى اليوم أمام آلة البطش الانقلابية مما وضع الأوروبين فى حالة حرج شديدة تدفعهم لاستمرار نهجهم غير الواضح  انتظارا لما ستسفر عنه الأمور .

كسر العزلة

ويقول- أحمد فودة- المحلل السياسى ومدير مركز النخبة للدراسات-: أن زيارة منصور لها أبعاد مختلفة، منها أن اليونان رئيس الاتحاد الأوربي الآن، ولكن هذا لا يعني التأثير علي موقف الاتحاد الأوربي من الانقلاب، فموقفه من البداية كان مؤيدا بل ومساندا ومخططا للانقلاب، ولا يخفي علي أحد أن الاتحاد الأوربي هو اليد الناعمة للولايات المتحدة الأمريكية، والتي تستخدمها في مواجهة الأزمات التي لا تستطيع أن تتدخل فيها بشكل مباشر، والدليل علي هذا أن الاتحاد الأوربي لم يصدر بيانا رسميا واحدا يدين الانقلاب، بل لم ينعت ما حدث بشكل رسمي ولم يصفه بأنه "انقلاب"، أيضا لم يصدر ما يدين المذابح والاعتداءات والاعتقالات التي يرتكبها الانقلابيون كل يوم بحق مؤيدي الشرعية ولم يدع الأمم المتحدة لاتخاذ قرارات مضادة للانقلاب كما حاولت تركيا علي سبيل المثال.

ويرى ان زيارة اليونان تأتي في إطار مساعي الانقلابيين ووكلائهم في الخارج من أجل كسر العزلة الدولية المفروضة علي الانقلاب ونظامه، مؤكدا أن موافقة اليونان علي تلك الزيارة جاء بمقابل مادي بلغ وفقا لما أشارت إليه بعض وكالات الأنباء 100 مليون دولار دفعتها الإمارات.

وقال فودة حتي لو لم تكن تلك الأموال معلنة وبشكل رسمي، فان دولة مثل اليونان تعيش انهيارا اقتصاديا، لن تقدم علي خطوة في السياسة العالميةإلا إذا كانت ستحصل علي مقابل لها؛ ففي مجتمع الدول، ليس هناك سوي المصالح المتبادلة.

وحول التساؤل لماذا اليونان بالذات، يجيب –فودة-:لأنها دولة ضعيفة، تترنح وتنهار اقتصاديا، ومن اليسير الضغط عليها لتمرير زيارة كتلك خاصة أنها تحتاج هذا المبلغ من المال، وفي الوقت نفسه هي ليست قوة سياسية دولية وليس لها دور مؤثر في تحريك الأمور علي المستوي الدولي. كل ما هنالك أن الإعلام المصري كان يريد هذه الزيارة كذريعة ليزعم أن مصر ليست في عزلة دولية.

ويشير الى أمر اخر في أبعاد زيارة منصور إلي اليونان يتعلق بالصراع الدائر الآن في منطقة الشرق الأوسط بين محورين أساسيين؛ فقبل الثورات العربية كان هناك محور ما يسمي بـ"الممانعة"، والمحور الآخر المقابل له هو المحور الأمريكي-الصهيوني المتعاون مع من يسمون دول الاعتدال العربي، والتي كانت تضم:مصر-حسني مبارك-، السعودية، الإمارات، البحرين، والأردن. وبعد الثورات العربية وبعد الانقلاب في مصر انقلب الوضع تماما حيث أصبح محور أمريكا يضم أيضا مصر الانقلاب، بالإضافة إلي سوريا وإيران. أما محور الممانعة فأصبح يضم تركيا، تونس، ليبيا، والشعوب العربية الثائرة. وفي إطار هذا الصراع كان لابد من محاولة توجيه ضربة بشكل ما إلي تركيا، عن طريق إحداث تقارب من نوع ما مع عدوها اللدود "اليونان"، وفي نفس الوقت الضغط عليها حتى تصرف تركيا النظر عن كشف الفضائح الإماراتية التي وعدت بكشفها تباعا؛ ردا علي محاولة الإمارات استخدام نفس آلية المخطط الانقلابي الذي استخدم في مصر لزعزعة الاستقرار في تركيا.

وحول ما اذا كان من الممكن أن تمثل زيارة منصور ضربة لتركيا خاصة مع حالة الضعف التي عليها اليونان سياسيا واقتصاديا، يري-فودة-: انها حرب سياسية إعلامية ليس أكثر، في حين أن تأثيرها الاستراتيجي محدود، حيث تعد اليونان عدو تاريخي لتركيا؛ رغم التصالح الذي حدث مع مجيء أردوغان وحزب العدالة والتنمية، لكن تبقي في النهاية مشاكل كثيرة بين البلدين، منها مشاكل النزاع علي جزيرة قبرص، ترسيم الحدود في بحر إيجه، معتبرا انها في النهاية ليست إلا محاولة للضغط علي تركيا لتخفيف دعمها للشعب الثائر في مصر. أي أنهم يلوحون لتركيا بتكوين تحالف مع عدوتها اليونان إذا لم تخفف من الدعم للشرعية.

ويؤكد ان هذا الحلف لن يقدر له الاستمرار لأنه قائم  علي أساس هش ويستند إلي انقلاب ليست له أية شعبية أو شرعية في مصر، ودول ضعيفة مثل الإمارات والسعودية. حتي أن أمريكا نفسها تعيش منذ عام 2000 فيما يسمي "انهيار الإمبراطوريات"؛ بمعني أنها مستمرة كدولة كبيرة، لكنها ضعيفة كإمبراطورية عظمي حول العالم، والدليل أن تأثيرها الاستراتيجي حول العالم ليس بنفس القوة التي كانت قبل عام 2000.

وحول ما يتردد عن أن مصر-الانقلاب سوف تسعي من خلال تلك الزيارة إلي التنازل عن بعض حقوقها في حقول الغاز في البحر المتوسط لصالح اليونان، يقول-فودة- أن هذا التنازل تم في الحقبة الأولي من حكم المجلس العسكري بعد ثورة يناير مباشرة؛ حيث أعيد حينها تشكيل حدود مصر الاقتصادية في المتوسط، وتم التنازل عن جزء كبير من حقوق مصر الاقتصادية في النفط المكتشف حديثا في البحر المتوسط لصالح الكيان الصهيوني، وبدأ بالفعل الكيان الصهيوني في استخلاص النفط من المنطقة الاقتصادية التي تخص مصر لكونها واقعة في حدود مياهها الإقليمية. حيث تم التوقيع بين قبرص والكيان الصهيوني علي تقسيم هذا النفط دون العودة إلي مصر، في حين أن الحكومة المصرية حينها لم تحرك ساكنا.

ويؤكد انه في ظل مصر- الانقلاب- قد نشهد عقود تقسيم وتنازلات بشكل رسمي عن مزيد من حقوق مصر الاقتصادية والنفطية في تلك المناطق. حتي تكون تلك العقود ملزمة للحكومات التي تأتي لاحقا، كما أنها قد تعد وسيلة لاستجلاب الرضا الدولي علي النظام الانقلابي.

وحول علاقة اليونان بهذا الصراع الاقتصادي،-يوضح فودة-: ان اليونان ليست لها حدود في المياه الإقليمية مع مصر، ولكنها كجزء من الاتحاد الأوربي، وبصفتها حليف هام للكيان الصهيوني، لا مانع من أن تلعب دورا صغيرا في إطار اللعبة الكبيرة التي تدور في الشرق الأوسط، تماما كما فعلت روسيا حينما أرسلت وزيري داخليتها ودفاعها لإيهام الشعب المصري أن الانقلابيين أصبحوا مستقلين عن الولايات المتحدة ويبحثون عن قوي دولية أخري. لافتا الى ان اليونان أيضا تدخل اللعبة الآن لتستفيد بالملايين التي تدفعها الإمارات، وربما بعض الامتيازات الأخري من بعض الدول الأوربية. رغم أن دورها انتهي مع انتهاء زيارة منصور لها.