يتعمَّد زعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي، التهرب من إعلان ذمته المالية له ولأسرته، على الرغم من أن دستور 2014 الذي أقره العسكر، يُلزم من يترشح لمنصب الرئاسة بإعلان إقرار ذمته المالية كشرط من شروط الترشح، إضافة إلى إعلانها كل عام.
ولكن لماذا يتهرب سفيه الانقلاب من إعلان ذمته المالية له ولأسرته؟ ألا يعد ذلك دليلًا ماديا على فساده ونهبه للمال العام؟ فلو كان نزيها وشريفا كما يدّعي هو وأبواقه الإعلامية لأعلن ذلك بكل جرأة وشجاعة باعتباره إجراءً عاديًا لا يستدعي السرية.
وتنص المادة 145 من الدستور على أنه «يتعين على رئيس الجمهورية تقديم إقرار ذمة مالية عند توليه المنصب، وعند تركه، وفي نهاية كل عام، وينشر الإقرار في الجريدة الرسمية».
ويُلزم الدستور في مادتيه 109 و166، إلى جانب رئيس الجمهورية، كلًّا من رئيس مجلس الوزراء والوزراء، وكذلك أعضاء مجلس النواب، بتقديم إقرار ذمة مالية عند شغل المنصب وعند تركه وفي نهاية كل عام، ولكنه خصَّ رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء بنشر إقراراتهم في الجريدة الرسمية.
وبحسب مراقبين، فإن أسباب تعمد السيسي إخفاء ذمته المالية له ولأسرته إنما يعود إلى عدة أسباب: منها أن تكون مزورة وغير حقيقية ولا يعلن فيها كل ثروته، ما قد يعرضه للمساءلة مستقبلًا لو ظهر خلاف ما يعلنه.

و(الثاني) أن ثروته تتضمن عمولات لصفقات السلاح الضخمة التي اشتراها ويتقاضاها الرؤساء العسكريون (مرسي نفى تقاضيه أي عمولات سلاح)، كما تتضمن نصيبه من بيزنس الجيش، والإعلان عن حجم ثروته سوف يثير تساؤلات بين الشعب الفقير.
مرسي يقدم إقرار ذمته المالية
هذا الأمر يذكرنا بالحملات التي شنتها صحف العسكر على الرئيس الشرعي الدكتور محمد مرسي، فما كان من الرجل إلا أن أعلن ذلك بكل شفافية ووضوح دون تهرب أو مماطلة.
وتقدم سيادة الرئيس وقتها بإقرار الذمة المالية إلى اللجنة العليا للانتخابات حين ترشح للرئاسة بتاريخ 8 إبريل 2012، وقام بتحريره بخط يده في 7 إبريل 2012، ونشرته الصحف بشكل عادي، وجاء فيه أنه “يعمل أستاذا بكلية الهندسة بجامعة الزقازيق، ويسكن في 1 شارع أبو بكر الصديق بمنطقة فلل الجامعة بالزقازيق بالشرقية، وأكد أن العقار الذي يسكن فيه هو العقار الوحيد المملوك له، وأن السيارة التي يملكها هي باسم زوجته، ماركة ميتسوبيشي لانسر موديل 2007 بقيمة 50 ألف جنيه.
السيسي يتهرب
في مسرحية 2014، أعلنت الصحف عن أن الجنرال الدموي قدم إقرار ذمته المالية الذي يتضمن 30 مليون جنيه، دون أن يتقدم بإقرار الذمة المالية لباقي الأسرة.
وشاع وقتها أنه تبرع بنصف ثروته لصندوق تحيا مصر. ويدعي محمد أبو شقة، المتحدث الرسمي باسم حملة السيسي، أن إقرار الذمة المالية للسيسي منشور في الجريدة الرسمية عبر موقعها الإلكتروني في شهر يناير الماضي 2018، ولكن موقع “مدى مصر” أجرى تحقيقًا استقصائيًّا حول الموضوع، وانتهى إلى أن الجريدة الرسمية لم تنشر أي إقرار ذمة مالية ولم يصلها أصلا.

يقول المستشار علاء فؤاد، المدير التنفيذي للهيئة الوطنية للانتخابات، إن الهيئة تسلمت إقرار الذمة المالية الخاصة بالسيسي ضمن أوراق ترشحه، ولكن لا يمكن نشره لأنه “يعد مستندًا سريًا”.
ولا يدري أحد من أين جاء المستشار بهذا الزعم، ومنذ متى كانت البيانات الأولية لإقرار الذمة المالية للمرشحين سرا يتوجب عدم إفشائه!، ولماذا يتعمدون التكتم عليه، أليس من حق الشعب أن يعرف حجم التضخم في أموال الجنرال السفاح؟
من جانبه، يقول الدكتور محمود ذكي، أستاذ القانون الدستوري، إن حديث الحملة الانتخابية للسيسي عن إقرار الذمة المالية الخاص به يعد مثالًا عمليًا على الطريقة التي يتم التعامل بها مع أحكام الدستور، مضيفًا بحسب «مدى مصر»، أن دستور 2014 هو أول دستور لمصر يلزم بنشر إقرارات الذمة المالية للرئيس والحكومة في الجريدة الرسمية ليطلع عليها المواطنون.
وأشار ذكي إلى أن دستور 2012 ألزم- في المادة 138- رئيس الجمهورية بتقديم إقرار ذمة مالية عند توليه المنصب وعند تركه وفي نهاية كل عام لمجلس النواب، أما دستور 2014 فأعلى من حق المواطن في المعرفة، وألزم بنشر إقرارات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وأعضاء الحكومة في الجريدة الرسمية ليطلع عليها الشعب، ويطمئن إلى نزاهة من يديرون شئونه، مضيفًا «أطلع على الجريدة الرسمية بانتظام، وعلى حملة السيسي أن تخبرنا عن أي جريدة رسمية تتحدث عنها».
وشدد أستاذ القانون الدستوري على أن حديث «أبو شقة» عن الذمة المالية للسيسي، يؤكد «تجاهل القائمين على إدارة شئون البلاد لكثير من مواد الدستور».