لا شك أن تسريبات صحيفة “نيويورك تايمز”، والتي بثَّتها قناة “مكلمين” فيما بعد، وجهت طعنة قاتلة لإعلام الأجهزة الأمنية، وكشفت عن فضائح لم تستطع أبواق العسكر إنكارها أو حتى التخفيف من حدتها وآثارها اليوم أو في المستقبل، وأهمها إشراف الأجهزة الأمنية على الفضائيات والمذيعين ومشاهير الممثلين، وتلقيهم التوجيهات وما يقال وما لا يقال.
لكن الأكثر غرابة هو الطعنة التي وجهتها مسرحية انتخابات الرئاسة لإعلام الأجهزة الأمنية، حتى إنها باتت لا تجد ما يمكن أن يُبث أو يعرض على الشاشات أو في الصحف حول هذه المسرحية الهزلية، فغابت أخبار المسرحية عن الشاشات وعن مانشيتات وأغلفة الصحف، رغم أننا يفترض في أشرس أيام المسرحية وأكثرها سخونة!.
ويمكن لأي مواطن أن يرصد غيابًا كبيرًا لأخبار المسرحية عن برامج الفضائيات ومانشيتات الصحف التي باتت لا تجد في مسرحية الرئاسة ما يشد المشاهد أو يغري الجمهور بالمتابعة.

اعتراف بفشل الفضائيات
ويعترف كثير من الكتاب والصحفيين الموالين للعسكر، بأزمة إعلام الأجهزة الأمنية والتي تفاقمت مؤخرا بصورة كبيرة، حتى تسببت إحدى المذيعات من ذوات الصوت العالي في أزمة بين حكومة العسكر وسلطنة عمان أثناء زيارة السيسي للسلطنة منذ يومين.
يقول الكاتب محمد أمين، في مقاله بعنوان: «إعلام الأجهزة!» والمنشور اليوم الخميس 8 فبراير2018م: «الإعلام لا يُصنع بالأمر.. قولا واحدا.. إنما قد تكون هناك سياسة تحريرية، وقد تكون هناك أهداف محددة.. وهذا أمر طبيعى فى كل وسيلة إعلامية مطبوعة أو مسموعة أو مرئية.. المهم أن تُترك الأمور لخبازيها.. هذه نقطة جوهرية ينبغى التأكيد عليها.. فقد أفسدت الأجهزة الإعلام فى غياب الوزارة المختصة.. ولا أتخيل أننا يوم طالبنا بإلغاء الوزارة، ومنصب الوزير، لكى تحل محلها أجهزة الأمن!»!
وينتقد الكاتب بسط الأجهزة نفوذها على الصحف والفضائيات، مضيفًا «كان يكفى الأجهزة أن تدير تلفزيون الدولة، فلم يحدث يوما أنه كان يُدار بعيدا عن الأجهزة الأمنية، فما هى حاجتها لأن تشترى فضائيات من أصحابها، وما حاجتها لأن تساهم فى صحف يومية؟.. وبرغم كل هذا فقد تراجعت نسب المشاهدة، وتخلّفت الرسالة، ولم تصل إلى الجمهور المستهدف بأى حال.. خصوصا أن الدولة قبل أن تسيطر على الإعلام، كانت قد ضربت رموز الإعلام، وسرَّبت عنهم تسريبات تضرب مصداقيتهم، وأصبح أمامها شىء واحد، وهو الاستعانة بفتوات الشاشة، الذين تجاوزوا كل القواعد المهنية، وأصول الصنعة».
وصحف العسكر في ورطة
أما الجناح الثاني للإعلام وهو الصحف، فإن مسرحية الرئاسة وضعتها في ورطة كبيرة، كشف عنها الصحفي عماد الدين حسين، في مقاله المنشور اليوم الخميس بالشروق، بعنوان «سر انزعاج الصحفيين من غياب المنافسة».
يقول رئيس تحرير الشروق: «يفتقد الكثير من الصحفيين للأخبار والأحداث الساخنة هذه الأيام. فقد عدنا مرة أخرى للشكوى من عدم وجود أخبار تستحق أن تتحول إلى «مانشيتات» فى بعض الأيام، للدرجة التى تجعلنا نلجأ إلى وضع أخبار دولية أو عربية مكانها».
ويفسر الكاتب ذلك، مضيفا «هؤلاء الصحفيون راهنوا على أن الانتخابات الرئاسية ستوفر لهم أخبارا وقصصا وحكايات وحوارات ساخنة بين أكثر من مرشح، وبالتالى سيضمنون رواجا لصحفهم، وهو ما قد يؤدى إلى زيادة نسبة الإعلانات، وبالتالى الخروج من المأزق الاقتصادى الرهيب، الذى يمسك بخناق كل الصحف تقريبا إلا من رحم ربى!».
ويضيف حسين: «لا يحلم الصحفيون بالمنافسة التى كانت فى يونيو ٢٠١٢م، حينما كان هناك ١٣ مرشحا من بينهم عمرو موسى وحمدين صباحى ومحمد مرسى وأحمد شفيق وعبد المنعم أبو الفتوح، بل صاروا يحنون إلى المعركة الماضية التى تنافس فيها عبد الفتاح السيسى وحمدين صباحى فقط».
ويؤكد المقال: «الآن الوضع مختلف تماما، وتكاد تكون الصورة متكررة فى معظم اجتماعات أقسام التحرير المختلفة فى الصحف، وهى تفكر فى الموضوعات والأخبار والقصص والتحقيقات والحوارات المتعلقة بالانتخابات. حتى هذه اللحظة لا يوجد الكثير الذى يلفت النظر أو يجذب الانتباه أو يغرى محررا بعمل مغامرة صحفية، والنتيجة أنه فى آخر اليوم لا يجد مطبخ الجريدة قصة خبرية تصلح «مانشيت يشيل العدد»!.
أسوأ ما حدث أن المنافسة صارت منعدمة، والهاجس الأكبر ليس فوز السيسى الكاسح والمتوقع، ولكن احتمال قلة نسبة المشاركة فى الانتخابات. نتيجة لكل ذلك، لا تجد الصحف قصصا وأخبارا ساخنة، ليس فقط فى الصفحة الأولى ولكن حتى فى الصفحات الداخلية!.
وبحسب حسين، فإن «شكوى الصحفيين ليست مقصورة عليهم أو على صحفهم، بل على كل وسائل الإعلام، خصوصا البرامج الحوارية والإخبارية فى الفضائيات والمواقع الإخبارية».
ويختم الكاتب مقاله بتأكيد أن «القاعدة الأساسية أنه كلما زادت نسبة ودرجة الحرية ازدهرت الصحافة والإعلام بنفس الدرجة، والعكس صحيح تماما. وربما يكون أقصى آمال الصحفيين هو التساؤل عن شكل ولون انتخابات ٢٠٢٢!»!.