بعد استقالة ديسالين.. هل تتلاعب إثيوبيا بعسكر مصر على طريقة “إسرائيل”؟

- ‎فيتقارير

جاءت استقالة هايلي مريم ديسالين، رئيس الوزراء الإثيوبي، يوم الخميس الماضي 15 فبراير، لتُثير مزيدًا من الغموض والتكهنات حول مستقبل العلاقات المصرية الإثيوبية، وخاصة ما يتعلق بمفاوضات سد النهضة.

هذه المفاوضات تعاني بالأساس تعثرًا منذ بدايتها، بعد توقيع اتفاق المبادئ الكارثي الذي شرعن به جنرال الانقلاب عبد الفتاح السيسي إجراءات بناء السد المخالف للقوانين الدولية، وقوانين الأنهار المشتركة التي تستوجب موافقة كتابة من كل الأطراف، وهو ما تكفَّل به السيسي مجانًا بتوقيع هذا الاتفاق في الخرطوم مارس 2015م.

الاستقالة التي تعد الأولى من نوعها في تاريخ إثيوبيا، وصفها بعض المحللين بأنها محاولة لتسهيل إجراء حزمة من الإصلاحات، في محاولة لترميم الشروخات التي أحدثتها موجات الفوضى العنيفة التي هددت سيطرة الائتلاف الحاكم (الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية) على ثاني أكبر دولة إفريقية في عدد السكان.

حالة من الترقب تفرض نفسها على المراقبين للمشهد الإثيوبي، من الداخل والخارج على حد سواء، خاصة فيما يتعلق بالتداعيات الناجمة عن هذا القرار “الاستقالة” على عدد من الملفات، بعضها داخلي لا سيما مسألة إمكانية تأثر النظام الحاكم بهذه الموجة العاتية وتهديدها لبقائه في السلطة، وبعضها خارجي، على رأسها ملف سد النهضة.

ورغم أن استقالة ديسالين وفق ما تم الإعلان عنه، تأتي في سياق الاستجابة للاحتجاجات الداخلية العارمة التي تطالب بمزيد من المشاركة الشعبية في صناعة القرار، وهي الاحتجاجات التي خلفت أكثر من ألف قتيل على مدار السنتين الماضيتين.

لكن الراصد لمماطلات أديس أبابا في ملف مفاوضات سد النهضة منذ البداية، يدرك أن استقالة ديسالين لها أهداف أخرى خفية، تستهدف بالأساس كسب مزيد من الوقت مع القاهرة، تتمكن خلالها أديس أبابا من إتمام عملية بناء السد دون تهديدها للقاهرة بشيء.

ويبدو أن إثيوبيا تمضي على طريقة “إسرائيل” في المفاوضات، والتي تقوم على المماطلة المستمرة من جهة، وبعد استنفاد القيادة كل وسائلها في الخداع والمماطلة تقوم باستبدالها بقيادة جديدة لتبدأ المشوار من جديد، والتملص من أي عهود سابقة. والقرآن الكريم أشار إلى هذه السياسة اليهودية القديمة { كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم}، وهي السياسة التي اتبعها الاحتلال الصهيوني مع الفلسطينيين عبر عقود من المفاوضات العبثية التي لم تسفر عن شيء.

ويرى الدكتور عباس شراقي، رئيس قسم الموارد الطبيعية بمعهد البحوث الإفريقية، أن استقالة رئيس الوزراء الإثيوبي ديسالين هاليم، تؤثر بشكلٍ أساسي على مصير المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا، مضيفًا أن أكثر ما يثير المخاوف هو أننا لا نعلم هل وقع رؤساء الدول الثلاث الاتفاقيات السالفة أم لا. ونوه خبير الموارد المائية، إلى أن الاضطرابات السياسية في أديس بابا متجددة، ويجب على الجانب المصري الاستعداد للتعامل مع أي متغيرات.

إثيوبيا أمام مسارين

وبحسب تقرير موسع لوكالة “بلومبيرج” الأمريكية، فإن “الحزب الحاكم في تلك الدولة الإفريقية يواجه خيارًا صعبًا الآن، هو تعيين أحد المتشددين لإنهاء أشهر من المعارضة، أو استبداله بشخص ما يسمح بمزيد من الحرية السياسية”.

الوكالة الأمريكية تؤكد أن أديس أبابا تواجه نقطة فاصلة في تاريخها. ومن المسائل التي تزيد الوضع تأزمًا وتضع النظام الحاكم في موقف حرج ما يواجهه حزب “الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية” من انقسامات داخلية وتشتت بين أطيافه؛ على خلفية المظاهرات العنيفة في أنحاء البلاد منذ 2015، خاصة بعد فشل حالة الطوارئ المفروضة حينها في إنهاء موجات العنف المتتالية.

ومؤخرا، أفرجت حكومة أديس أبابا، الأربعاء الماضي، عن 746 معتقلاً سياسيًّا، منهم معارضون بارزون وإسلاميون من قومية الأورومو، بينما طالبت السلطات المحتجين الغاضبين بإقليم أوروميا بالتهدئة بعد سقوط عدد من القتلى جراء العنف.

أما عن المرشحين لخلافة ديسالين، فيتنافس على المنصب “ليما ميجيرسا” و”وركنيه جيبيهو”، وكلاهما عضو في منظمة أورومو الشعبية الديمقراطية، فإن كانت الاستقالة بهدف إفساح المجال لتعيين أحد رموز “الأورورمو” في منصب رئيس الحكومة، فقد تؤدي هذه الخطوة إلى تقليص التوترات، أو على الأقل اختيار شخص مقرب من المنظمة وإن لم يكن منها، يكون قادرا على فتح قنوات اتصال معهم، مع إعطائهم حصة في التشكيل الوزاري الجديد.

وفي المقابل إن كان إبعاد ديسالين عن رئاسة الحكومة بهدف استبداله بأحد متشددي جماعة “تيجرايان”، الذي يتوقع أن يعيد العمل بالقوانين العرفية وتشديد حالة الطوارئ، فإن هذا سيؤدي إلى انفجار الأوضاع واحتمالية دخولها في مستنقع الحرب الأهلية.

مرونة أم مزيد من المماطلة؟

مراقبون يذهبون إلى أن استقالة ديسالين، ربما تعطي مرونة في عملية التفاوض بملف سد النهضة، حسبما جاء على لسان هاني رسلان، رئيس بحوث السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، خلال مداخلة له على قناة “الغد”، والذي قال إن هذه الخطوة “سيكون لها انعكاس غير مباشر على ملف مفاوضات سد النهضة؛ لأن هذه الفترة تشهد تركيزًا على الداخل وتثبيت السلطة الجديدة التي تخلف ديسالين، ومن المتوقع أن يؤدي هذا إلى مرونة أكثر في المفاوضات مع مصر، خاصة أن المطالب المصرية ليست كبيرة”.

وعلى الناحية الأخرى، هناك من حذر القاهرة من إبداء أي دعم أو تأييد لأي مرشح من “التيجرايان”، والتزام الحياد حيال التطورات الأخيرة، حتى لا تؤدي خيارات السلطات المصرية إلى إغضاب الشعب الإثيوبي المعارض لهذه الجبهة المسيطرة على القرار السيادي في البلاد.

وفي النهاية فإن المفاوضات مع إثيوبيا في ملف السد من الممكن أن تتأثر سلبًا أو إيجابًا، لكن بشكل طفيف، وفقًا للشخص الذي سيخلف رئيس الوزراء المستقيل، خاصة أن الاستقالة لن تؤثر بالصورة الجذرية على النظام الحاكم الذي يتمتع بالمركزية الشديدة وتغليظ قوته الأمنية، وهذا ما ستكشفه الأيام القليلة المقبلة.