بعد تحديد “30” يونيو للحكم .. قراءة في دفوع الدكتور عبدالرحمن البر في قضية رابعة (1/2)

- ‎فيتقارير

في دلالة لا تخفى رمزيتها، قررت محكمة جنايات القاهرة في جلستها الأخيرة الثلاثاء 29 مايو 2018م المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة بطرة، برئاسة المستشار حسن فريد، تحديد جلسة 30 يونيو المقبل، للحكم في قضية «فض اعتصام رابعة» التي يحاكم فيها فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان الدكتور محمد بديع و738 آخرين من قيادات الجماعة وعناصرها.

فتوقيت النطق بالحكم يحمل دلالات سياسية لا تخفى على أحد والتي تتوافق مع الذكرى الخامسة لمظاهرات 30 يونيو التي مهدت لانقلاب العسكر في 3 يوليو 2013م.

إزاء ذلك؛ نشرت صحيفة “عربي 21” مساء أمس الثلاثاء 29 مايو مقالاً مطولاً للدكتور عبدالرحمن البر؛ عضو مكتب الإرشاد والعميد السابق لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر فرع المنصورة.

قيمة العدل

المقال جاء بعنوان « مرافعتي أمام هيئة المحكمة في قضية “فض رابعة”» ، وتضمن مقدمة عن أهمية العدل باعتباره قيمة إنسانية كبرى لا تقوم الحياة إلا به؛ وإلا تحولت حياة البشر إلى غابة.

يقول البر: « العدل هو أبرز القيم التي تدور حولها قيم الحق والخير والفضيلة، به قامت السموات والأرض، واستقرت أمور الخلق وقد سمّى الله به نفسه، ومدح به ذاته العليّة، وقال “إن الله لا يظلم مثقال ذرة”، وقال “إن الله لا يظلم الناس شيئا”، وأجل ّ مظاهر العدل وأولاها بالاحتفال: الانتصاف للمظلوم من الظالم والانتصار للحق من الباطل، ولو كان أحد المتقاضين قريبًا من القاضي حبيبًا إليه والآخر بعيدًا عن القاضي بغيضًا إليه، قال تعالى: “يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون”.

ولا يستقر هذا العدل في واقع الناس إلا بعد أن يستقر في ضمير القاضي وتنطبع به نفسه، فالعدل في نفس وضمير القاضي قبل أن تصوغه القوانين أو تضبط نظامه إجراءات المحاكمات».

أين القرص الصلب ؟

وفي مقدمة الدفوع أشار العميد السابق لكلية أصول الدين فرع المنصورة، إلى تمسكه بما تمسك به وطالب به المعتقلون في القضية؛« خصوصًا ما يتعلق بالقرص الصلب المقدم من رئيس جمعية رابعة العدوية، وتقارير تفريغ الأقراص المدمجة التي قامت بها اللجنة الفنية بأمر المحكمة، وضم شهداء الفض وبخاصة الذين تضمنت أوراق القضية تقارير الطب الشرعي بمقتلهم، وسماع الشهود الذين لم نسمع شهادتهم».

وهو القرص الذي أقرت النيابة باستلامه، ثم تراجعت عن ذلك وزعمت أنه أتلف؛ ما عده المعتقلون وهيئة الدفاع إتلافا لأدلة البراءة؛ وللأسف فإن المحكمة تجاوزت الأمر رغم أهميته الكبرى باعتباره الدليل الوحيد في القضية وما بنيت عليه بعد ذلك مجرد تحريات وظنون من ضباط الأمن الوطني.

“3” ركائز أساسية

دفوع الدكتور البر القوية وضعت النقاط فوق الحروف، وفندت ما تسوقه النيابة وتحريات ضباط الأمن الوطني وجعلته هشيمًا تذروه الرياح، وأفحمت كل صاحب ضمير منحرف لا يستقيم ميزان العدل في قلبه وفؤاده.

وبنى البر دفوعه على “3” ركائز أساسية: الأولى يدافع فيها عن الجماعة والاتهام بالانضمام لجماعة أُسست على خلاف الدستور والقانون تسعى لتعطيل الدستور وإعاقة عمل مؤسسات الدولة وتكدير السلم الاجتماعي، وتتخذ من العنف والإرهاب وسيلة لتحقيق أغراضها.. إلى آخر ما جاء في هذه الديباجة المغلوطة والمعدة سلفًا.

الثانية يدافع فيها عن موقفه الشخصي من القضية وما يتعلق باتهامه بالتدبير والتحريض والمشاركة في أعمال العنف وقطع الطرق وتعطيل المؤسسات، (ساق البر 8 دفوع قوية للغاية موثقة بالدليل متسقة المنطق).

أما الركيزة الثالثة فتحدث عن حقيقتين: الأولى” الميثاق مع الله بعد حفظ القرآن صغيرًا والالتحاق بالأزهر حتى صار عميدًا لكلية أصول الدين. والثانية: الفتنة بحب الوطن والدفاع عنه ومواجهة أراجيف الباطل.

أدلة براءة الجماعة

في النقطة (الركيزة) الأولى ساق الدكتور البر ما يتعلق باتهامه بالانضمام لجماعة أُسست على خلاف الدستور والقانون تسعى لتعطيل الدستور وإعاقة عمل مؤسسات الدولة وتكدير السلم الاجتماعي، وتتخذ من العنف والإرهاب وسيلة لتحقيق أغراضها .. إلى آخر هذه الاتهامات الجزافية.

وساق البر “4” أدلة تفند هذه الأكاذيب؛ يقول عضو مكتب الإرشاد: « إن كان المقصود جماعة الإخوان المسلمين فهي براء تماما من كل ذلك، فإنها لم تعمل يوما خارج إطار الدستور والقانون منذ تأسيسها عام 1928م على يد الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله، وحتى الترخيص الذي أصدرته وزارة التضامن الاجتماعي في آذار/ مارس 2013 م ، ولا معنى على الإطلاق لاتهامها بالسعي لتعطيل الدستور، وهي التي كان من أعضائها ومؤيديها من يمثلون أكثر من ربع أعضاء الجمعية التأسيسية المنتخبة التي وضعت الدستور، وكنت أنا واحدًا منهم ومعي زميلاي في هذه القضية الدكتور عصام العريان والدكتور محمد البلتاجي ضمن نخبة متميزة من الوطنيين المخلصين، ومنهم زميلنا في هذه القضية الأستاذ عصام سلطان .. فهل تجد العقول السليمة تناقضًا أشد من اتهام المشرعين الدستوريين بأنهم أعضاء في جماعة تسعى لتعطيل الدستور؟ بل كنا بصدد التقدم للترخيص لجمعية لحماية الدستور يكون أعضاؤها هم أعضاء الجمعية التأسيسية، أما الذي أعلن تعطيل العمل بالدستور فهو بكل تأكيد ليس من الإخوان المسلمين».

ويقدم البر تناقضًا آخر مضيفًا «وأشد تناقضا من ذلك اتهامهم بتعطيل مؤسسات الدولة وإعاقتها، وهم الذين حازوا ثقة الشعب في كل الانتخابات الحرة برلمانية كانت أو نقابية أو عمالية أو طلابية، وفي الذروة الانتخابات الرئاسية، وذلك لما لمس الشعب فيهم من حرص على حسن إدارة المؤسسات العامة والخاصة ولما رأى من دورهم البارز والمشرف في تبني كل قضايا الأمة وهمومها وسعيهم الجاد والدؤوب لحل مشاكلها، ولسجلهم الزاخر بالإنجاز في كل المجالات، وحملهم الخير للجميع وفق برنامج واضح محدد لاقى قبول الأمة وتأييدها، فأي عاقل يمكنه بعد ذلك تصديق اتهام الجماعة بتعطيل المؤسسات.. والإخوان هم الذين شهد لهم الجميع بالكفاءة والإخلاص في إدارة ما وكل إليهم منها بالانتخاب أو بالتعيين».

ويتابع العميد السابق لكلية أصول الدين دفعا ثالثا مستطردا: «وأما اتهام الجماعة بالتطرف والعنف فمن أكذب الفرى وأوضح البهتان، ففكر الإخوان هو ذاته فكر الأزهر الشريف الوسطي المعتدل، وإنما اهتم الإخوان ببناء الإنسان على ضوء ذلك حتى يتحقق المواطن الصالح الخصال العشر اللازمة للتقدم والرقي والإبداع بأن يكون قوي الجسم، متين الخلق، مثقف الفكر، صحيح العبادة، سليم العقيدة، منظمًا لشؤونه، قادرًا على الكسب مجاهدًا لنفسه، نافعا لغيره، وبه وبأمثاله يقوم المجتمع القوي وتبنى الأمة القادرة على منافسة أمم الأرض وأخذ مكانها المناسب في صدارة الحضارة العالمية».

وفي دليل رابع يفند البر أكاذيب اتهام الجماعة بالغلو والتكفير مضيفًا «قد قام المرشد الثاني المستشار الجليل حسن الهضيبي بكتابة كتاب “دعاة لا قضاة”، وهو أحد الشواهد الواضحة على رفض الجماعة للغلو والتكفير، أما السلاح فلم يحمله الإخوان إلا في مواجهة المستعمر الأجنبي في فلسطين وعلى ضفاف القناة، مثل كل الفصائل الوطنية في حينه، وقد جعل الإخوان من ثوابتهم التي لا تقبل التغيير: السلمية ونبذ العنف، وأكد على ذلك كل قادتها بداية من المرشد المؤسس رحمه الله وحتى المرشد الثامن أ. د. محمد بديع الذي سمعه الملايين وهو يقول: “سلميتنا أقوى من الرصاص، سلميتنا سر قوتنا”، محذرًا أن عجلة العنف إذا دارت حدثت الفتنة التي لا يعلم مداها إلا الله، وقد فشلت كل الأنظمة التي بالغت في العداوة عليهم في أن تستفزهم لتغيير ثوابتهم أو أن تجرهم إلى رد عنف الأنظمة الغاشم بعنف مقابل، حفاظًا على وطنهم».

وفي هذه النقطة الأولى يختم البر بقوله «قد أدرك المنصفون، وسيدرك الجميع لا محالة قريبا لماذا يصر الإخوان على ذلك ويؤثرون طريق السلمية على ما عداه ولتعلمن نبأه بعد حين. وسيبقى الإخوان صمام الأمان لأوطانهم التي سكنت قلوبهم قبل أن يسكنوا ديارها».