بعد اعتقال “فاروق”.. هل حقا مصر دولة فقيرة؟!

- ‎فيتقارير

“هل مصر فقيرة حقا؟”.. سؤال بات يطرح نفسه بقوة على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، بعد مصادرة كتاب يحمل هذا العنوان، واعتقال مؤلفه الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق، وصاحب مطبعة دار السلام إبراهيم الخطيب؛ بسبب ما ورد في الكتاب من أطروحات تفند أكاذيب قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي “إحنا فقرا أوي”.

وكانت أبرز الاتهامات التي تم توجيهها إلى مؤلف الكتاب: “نشر أخبار كاذبة من شأنها تكدير السلم والأمن العام، وإثارة الرعب بين المواطنين، وإذاعة بيانات وتقارير ومعلومات كاذبة”، وكأن الواقع نفسه لا يكذب تصريحات السيسي ويفضح سرقة عصابة العسكر لثروات ومقدرات المصريين على مدار عقود طويلة.

ويقول فاروق في كتابه: “صحيح أن الشعب المصري قد اعتاد منذ أن تولى الجنرال السيسي منصبه على تلك التصريحات الغريبة والمثيرة للاستهجان، من قبيل (وأنا كمان غلبان… حاجيبلكم منين)، بيد أن هذا التصريح الأخير الخاص بأن (مصر بلد فقير… وفقير قوي)، لم يكن ليمر دون رد، ودون شرح، لأنه كان كاشفا عن جهل فاضح بالقدرات الكامنة والحقيقية في الاقتصاد والمجتمع المصري، وغياب رؤية قادرة على الاستفادة من تلك القدرات والإمكانيات”.

ويضيف فاروق: “ثم فإنها (التصريحات) مؤشر لا تخطئه عين الخبير على غياب أي أفق تحت قيادة هذا الرجل للخروج من الكارثة الاقتصادية التي استمرت خلال السنوات الأربع من حكمه، يوليو 2014 – يوليو 2018، وذهبت بنا إلى ما هو أبعد وأخطر”، مشيرا إلى أن كتابه “فرصة للتصدي لتلك المقولة الخطيرة التي أطلقها السيسي وشرح كذبها وخطورتها على الرأي العام المصري”.

وأوضح فاروق أن “نمط اقتصاد السوق الفوضوي الذي ساد في مصر طوال الخمسين سنة الأخيرة، وخصوصا منذ عام 1974، كان يتفق تماما مع صعود قوى اجتماعية جديدة وتحالف اجتماعي بدأ يتشكل منذ هذا التاريخ، مكون من أربعة روافد، هي رجال المال والأعمال الجدد وكبار جنرالات المؤسسة الأمنية والعسكرية، وبعض الطامحين والطامعين من المؤسسة الجامعية (أساتذة الجامعات)، وأخيرا بعض أعضاء المؤسسة القضائية”، مشيرا إلى أن “من هؤلاء تحددت السياسات، وأشكال توزيع الفائض والأرباح. وأصبحت معاداة هؤلاء لفكرة التخطيط والتحيز للفقراء والطبقة الوسطى، بمثابة عمل يومي وغذاء روحي، ومن هنا لم يعد للأفكار التي تنتصر لمفهوم التخطيط أي مكان لدى صانع القرار في بلادنا. وإذا كانت هذه هي سياسة الحكومة المتحالفة مع رجال المال والأعمال، فهل هناك بدائل لإنقاذ الوضع الاقتصادي عموما والجنيه المصري خصوصا من حد الكارثة والانهيار، وتجنب تجارب الانهيار التي واجهتها دول مثل روسيا عام 1999، والأرجنتين عام 2001، والبرازيل والمكسيك وأدت إلى اضطرابات اجتماعية وسياسية عاصفة؟ والإجابة بالقطع نعم. والأهم: هل نحن بلد فقير حقا؟ والإجابة هنا بالقطع لا”.

ويضيف فاروق في كتابه: “لعل أخطر ما تردد في السنوات والشهور الأخيرة، هو ما قاله أحد المسئولين الكبار، في يناير 2017، بأننا بلد فقير، ثم عاد وكرر العبارة بانفعال شديد قائلا: (أيوه إحنا بلد فقير قوي). وبقدر ما أن هذا الكلام غير صحيح جملة وتفصيلا، بقدر ما يعكس إما عدم إدراك للقدرات والإمكانيات المتاحة في مصر، أو عدم رغبة حقيقية في إعادة بناء اقتصاد البلاد ونظامها الضريبي، بما يلبي المطالب العادلة للمواطنين، وبما يأخذ من الأغنياء ورجال المال والأعمال حق الدولة والمجتمع، كما يؤكد هذا الكلام في الوقت نفسه عدم رغبة في وقف الإهدار والإسراف الذي يميز الإدارة الحالية ووزرائها، ومجلس نوابها… راجعوا موضوع الإنفاق الحكومي ستجدون فضائح بكل ما تحمله الكلمة من معنى”.

وتابع فاروق: “تكشف الأموال التي جمعت من المصريين، أفرادا كانوا أو مؤسسات مالية، في أقل من أسبوعين من أجل حفر التفريعة الجديدة لقناة السويس عام 2014، والتي تجاوزت 64 مليار جنيه عن مقدار الفائض والمدخرات المتاحة لدى المصريين، وقدرتهم على تعبئة هذا الفائض، إذا ما توافرت الثقة في القيادة السياسية للبلاد، وطرحت أمامهم آفاق للمستقبل، والخطورة هنا إذا ما اصطدمت هذه الثقة مرة بعد أخرى بخيبة أمل، وضياع للبوصلة، مما يؤدي إلى تبديد هذه الثقة، خصوصا لدى الفئات الوسطى والفقراء في المجتمع”.

ويستطرد فاروق قائلا: “من هنا تأتي محاولتنا لحصر الأصول والممتلكات الحكومية، التي أنفق عليها المجتمع والدولة المصرية مئات المليارات من الجنيهات طوال أكثر من سبعة عقود سابقة، والتعرف على طرق ووسائل استخدامها، خاصة أن الكثير منها لم يحل دون الفشخرة الاستثمارية، وبناء وإقامة المزيد منها، مثل المباني الإدارية للوزارات والمصالح الحكومية المختلفة”، مشيرا إلى “أننا مجتمع لديه فوائض مالية كبيرة لدى الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة، ومن طبقة رجال المال والأعمال، تذهب في أنواع عديدة من الاستهلاك، بسبب غياب سياسات للتنمية، وانسحاب الدولة من تعبئة الموارد والتخطيط الترفي، بما يعيد صياغة الموارد والإمكانيات بصورة تنموية، والتفرغ فقط إلى أعمال المقاولات والطرق والعاصمة الإدارية.

كلام عبد الخالق فارق– أعلاه- يضاف إليه حجم الاستثمارات التي يستحوذ عليها قائد المؤسسة العسكرية في مصر، فلو أخذنا نموذجًا واحدًا فقط لهذا الاستحواذ “جهاز الخدمة الوطنية” التابع لقادة المجلس العسكري، نجد أنه يضم العديد من الشركات المدنية التي يفترض أن يترك شأن إدارتها للقطاع المدني، أبرزها “الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضي، الوطنية للمقاولات العامة والتوريدات، الوطنية للبترول، الوطنية للثروة السمكية والأحياء المائية، الوطنية للصناعات الغذائية، الوطنية لإنتاج وتعبئة المياه الطبيعية (صافي)، الوطنية للبطاريات، الوطنية للتبريدات والتوريدات”.

كما تضم القائمة “مكرونة كوين، العريش للإسمنت، العربية العالمية للبصريات، مصر العليا للتصنيع الغذائي واستصلاح الأراضي، مجمع إنتاج البيض المتكامل، مزرعة وادي الشيح، المصرية للرمال السوداء”.