جاء مقتل طالبة الهندسة المصرية مريم مصطفى عبد السلام، مساء الأربعاء الماضي 14 مارس 2018، بعد تعرضها لحادث إرهابي من جانب “10” فتيات إنجليزيات في مدينة نوتنجهام البريطانية، صادمًا لمحبي الحرية والإنسانية في العالم كله الذين لا يزِنون الأحداث بموازين مزدوجة.
وتعرضت الفتاة المصرية للسحل من جانب عدد من الفتيات البريطانيات أمام المارة الذين لم يتدخلوا للدفاع عنها، كما تباطأت المستشفى التي ذهبت إليها في إسعافها، ما ساهم في وفاة طالبة الهندسة المصرية، وسط بكاء حار من جانب أسرتها ومحبيها.
وأمام هذا الحادث المؤلم نرصد “3” حقائق صادمة تتعلق بالنظرة الغربية الاستعلائية، ودور النظم المستبدة في بلاد العرب في استرخاص الدم المصري والعربي والإسلامي.
جريمة إرهابية
الحقيقة الأولى أن ما جرى هو جريمة “إرهابية” مروعة، لكن الغرب ينظر إليها على أنها جريمة جنائية عادية لا ترتقي إلى مصاف الجرائم الإرهابية التي يحصرها الغرب في المسلمين فقط.

فلو كان الجاني عربيًا مسلمًا لتناول إعلام الغرب الجريمة باعتبارها “إرهابية” بناء على جنسية وديانة الجناة، لكن ما دام المجرم أوروبيا فهي حادثة جنائية لا ينبغي التضخيم بحقها.
وتزامن مع مقتل مريم اعتداء همجي إرهابي آخر يوم الأحد الماضي 11 مارس 2018م، حيث أحرق متطرفون ألمان مسجد “قوجة سنان”، بالعاصمة برلين، وهو الحادث الذي لاقى استهجانا واسعا داخل العالم الإسلامي، بينما لم تنظر إليه الحكومات والإعلام الغربي على أنه حادث إرهابي عنصري ما دام الجناة من الجنس الأبيض.
ويعلق الكاتب عبد الناصر سلامة- في مقاله المنشور اليوم السبت 18 مارس بصحيفة المصري اليوم بعنوان «إرهاب الغرب الجميل»- «فى الحادث الأول مصرية عربية، كما الحريق فى الحادث الثانى فى دار عبادة للمسلمين، هذا هو الموضوع باختصار، ما يقع بفعل مواطن عربى يندرج على الفور تحت بند ما يسمى «الإرهاب الإسلامى»، وما يقع بفعل مواطن غربى هو حادث فردى لا يرقى حتى إلى اهتمام وسائل الإعلام، ولا حتى اهتمام المستشفى التى أهملت منذ اللحظة الأولى علاج «مريم»، على حد قول والدها!!».
ويضيف «مقتل الفتاة المصرية «مريم» فى عز الظهر، على يد عنصريّين أو عنصريات بريطانيات، دون أن يتدخل أحد من المارة فى الشارع، كما حرق مسجد قوجة سنان فى ألمانيا تماماً، هى مجرد نماذج لكيفية الكيل الغربى بمكاييل مختلفة فيما يتعلق بتعريف الإرهاب، وتعريف العنصرية، فى الوقت الذى قامت فيه قيامة بريطانيا وكل الغرب الآن فى أعقاب تسمم جاسوس روسى كان يعمل لحساب المخابرات البريطانية، وسط شبهات تحوم حول دور روسى فى هذه القضية، وهو ما يؤكد أن العملية برمتها فى حاجة إلى إعادة نظر».
عسكر فاشيون
الحقيقة الثانية الصادمة، أن النظم العسكرية والملكية المستبدة في بلادنا والتي تحكم شعوبنا بالحديد والنار، هم أول المتآمرين على بلادنا وحضارتنا ومقدساتنا، بل إنهم من أجل تكريس حكمهم المستبد، يرددون بكل غباء أو جهل والأدق “تآمر”، ما يردده الغرب عن “الإرهاب الإسلامي!!”، بل إن جنرالا سفاحا مثل عبدالفتاح السيسي بكل أبواقه وأجهزته يبالغون بشدة في هذا الملف المزعوم، ويشنون حروبا وهمية على المسلحين في سيناء وغيرها باعتبارهم متطرفين دينيين، رغم أن أساس الأزمة هو الاستبداد السياسي ولا توجد مشكلة على الإطلاق بشأن الخطاب الديني.
يضاف إلى ذلك أن هذه النظم العميلة، لا تقدر على الدفاع عن أرواح وحريات وكرامة جالياتنا في بلاد الغرب وغيرها، ذلك أن هذه النظم هي أول من استرخص دماءنا وسفكت بكل وحشية الملايين من شعوبنا في مصر وسوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرها.
عتاة الإرهاب بالأرقام
الحقيقة الثالثة الصادمة بلا شك، هي أن الأرقام تؤكد أن الإرهاب بكل وحشيته ودمويته إنما يعشش في الغرب والشرق الأقصى.
وأعداد ضحايا القتل والإبادة والإرهاب، مفزعة للغاية، فقد قتل 79 مليون شخص على يد الصينى ماوتسى تونج، وقتل 50 مليون شخص على يد السوفيتى الشيوعي جوزيف ستالين، وقتل 40 مليون شخص على يد الألمانى إدولف هتلر، كما قتل 15 مليون شخص من شعب الكونجو على يد البلجيكى ليوبولد، وقتل 3 ملايين شخص على يد الكمبودى بول بوت، وصولاً إلى قتل مليون شخص فى العراق على يد الإرهابي الأمريكى جورج بوش الابن، ومثلهم فى أفغانستان، وغيرهم هنا وهناك.. ليس بين هذه الأسماء شخصية عربية ولا شخصية إسلامية.
كما قتل نحو “40” مليون إنسان من الأفارقة السود، الذين نقلهم المستعمرون الأنجلوسكسون من القارة السمراء إلى أمريكا، ضمن عملية تجارة العبيد فى القرن السابع عشر، أثناء نقلهم فى سفن أشبه بالسجون، بسبب المرض والتعذيب والغرق والانتحار، يقول «جون نيوتن»، أحد قباطنة سفن العبيد: «كنا نصفِّد العبيد من أقدامهم بسلسلة واحدة، ونحشرهم على رفوف كأنها التوابيت فى قاع السفينة مع الفئران والجرذان، التى كانت تمتص جراحهم، وكنا فى كل صباح نستيقظ لنجد الميت والحى مصفدين معاً فى قيد واحد».
وبحسب منير العكش، الباحث في علوم الإنسانيات، في كتابه «أمريكا والإبادات الجماعية»، فإن أمريكا تحديداً لها باع طويل فى القتل والإبادة، وهى ظاهرة مستمرة حتى الآن. موضحا أن الإمبراطورية الأمريكية قامت على الدماء، وبُنيت على جماجم البشر، فقد أبادت هذه الإمبراطورية الدموية 112 مليون إنسان، بينهم 18.5 مليون هندى، ينتمون إلى أكثر من 400 أمة وشعب، ودمرت قراهم ومدنهم، وقد وصفت أمريكا هذه الإبادات بأنها «أضرار هامشية لنشر الحضارة»!!، وخاضت- فى إبادة كل هؤلاء البشر وفق المعلوم والموثق- 93 حرباً جرثومية شاملة، وتفصيل هذه الحروب أوردها الكاتب الأمريكى «هنرى دوبينز»، فى كتابه «أرقامهم التى هزلت»، فى الجزء الخاص بأنواع الحروب الجرثومية التى أُبيد بها الهنود الحمر، 41 حرباً بالجدرى، 4 بالطاعون، 17 بالحصبة، 10 بالأنفلونزا، 25 بالسل والدفتيريا والتيفوس والكوليرا.
أمام هذه الأرقام المفزعة يمكن أن نفهم بوضوح أبعاد المؤامرة على الإسلام كدين وعلى المسلمين كأمة عظيمة هناك إصرار على الكذب والتدليس بحقها بوصمها بإرهاب هي أول ضحاياه، بينما الإرهابيون العتاة والمجرمون المتوحشون قصورهم وقبورهم في الغرب شاهدة على إجرام يذهل العقول والقلوب.