أمام عدم اكثرات الشعب المصري داخليا وخارجيا بمسرحية ما تسمى الرئاسة، حاولت الآلة الإعلامية العملاقة الموالية للعسكر من فضائيات وصحف تسويق عدة لقطات مفتعلة، أو بمعنى أدق «مصنوعة»، للترويج لمزاعم المشاركة الكثيفة في المسرحية.
وتواصلت المسرحية في الخارج لليوم الثالث على التوالي، في “139” لجنة بـ124 دولة، حيث بدأ التصويت الافتراضي الجمعة الماضية 16 مارس، وسوف تغلق اللجان أبوابها مساء اليوم الأحد 18 مارس، والتي لا تتوافر فيها مقومات الانتخابات التنافسية النزيهة، بعد أن تم إقصاء كل من يمثل خطورة على حظوظ الجنرال الدموي عبد الفتاح السيسي، فتم الزج في آخر لحظات غلق باب الترشح بالكومبارس موسى مصطفى موسى، رجل الأجهزة الأمنية عبر عقود طويلة.
ومن المقرر أن تجرى باقي فصول المسرحية الرديئة في الداخل في الفترة من الـ26 حتى الـ28 من مارس الجاري. وتنتهى عمليات الفرز المفترضة بحلول الخميس الموافق 29 مارس.

ولا اندهاش مطلقًا أمام هذا العزوف الكبير أن تروج ماكينة العسكر الأكاذيب باستخدام هذه اللقطات المصنوعة ووضع عناوين فخمة للتزييف والتضليل من عينة “المصريون يبهرون العالم!”، ذلك أن العالم أساسا لا يكترث مطلقا لهذه المسرحية ولا يتابع فصولها الباهتة، ولم لا وقد انصرف إعلام العسكر نفسه عن متابعة المسرحية خلال الأسابيع الماضية لموضوعات أخرى أكثر أهمية.
لقطات مصنوعة
لكن أبرز الملاحظات على الإطلاق هي تركيز أبواق العسكر على اللقطات المصنوعة في العواصم الموالية للعسكر مثل الرياض وأبو ظبي ودبي والكويت، حيث تصل أعداد المصريين في هذه البلدان إلى أكثر من “5” ملايين، إضافة إلى محاولات سفارات الانقلاب في هذه العواصم إغراء المواطنين بالمشاركة عبر تسهيلات وجوائز متنوعة.
فلو حضر من هذه الملايين 10 آلاف فقط كل يوم من أيام المسرحية الثلاث، عبارة عن ألف شخص أمام كل لجنة لوجد العسكر ضالتهم أمام 10 لجان في طوابير هي بالأساس لا تصل نسبتها إلى (0,00002%)، بما يعنى أن النسبة الكلية لن تصل بأي حال من الأحوال إلى (0,0001%)، وهي نسبة لا تمثل شيئا يذكر، ورغم ذلك تصفها أبواق العسكر في صحيفتي الأهرام والأخبار وفضائيات السلطة بالمبهرة للعالم!.

يقول جمال سلطان، رئيس تحرير “المصريون” في مقاله “مؤشرات التصويت في انتخابات الخارج”، إنه «رغم حرص الإعلام الرسمي والموالي على عرض صور طوابير للناخبين، خاصة في العواصم العربية الخليجية مثل الكويت والإمارات، مع تأكيد أن هناك زحاما شديدا وحشودا غير مسبوقة على صناديق الانتخابات، غير أن المشاهد التي التقطتها وكالات أنباء أجنبية ربما لا تعطي الانطباع نفسه، كما أنه لو أخذنا في الاعتبار تصريحات القنصل المصري في الإمارات عن أن عدد المصوتين مع غلق الصناديق في اليوم الأول وصل إلى 600 مواطن، فسيكون الانطباع أكثر تواضعا عن حجم التصويت، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن الإمارات تحتضن قرابة نصف مليون مصري من العاملين بالخارج، وأن عدد أفراد وأسر البعثات الدبلوماسية المصرية الضخمة وملحقياتها هناك ربما يتجاوز نصف هذا الرقم الذي تم نشره».
ذعر من المقاطعة الشعبية
ورغم غياب التنافسية في المسرحية القائمة، كما كان الحال في مسرحية 2014، إلا أن الذعر يسود أوساط حكومة العسكر وأجهزتهم الأمنية، خوفا من العزوف الشعبي الواسع، وهو ما يفسر الصخب الإعلامي الزاعق رغم عدم وجود عقبات تحول دون سيطرة الجنرال السفاح على قصر الاتحادية لفترة أخرى، بعد أن سطا عليه عبر انقلاب دموي في منتصف 2013م.
إزاء هذا يرى بعض المحللين أن المنافس الحقيقي للسيسي ليس الكومبارس بل هو الصندوق نفسه، وأن التحدي الحقيقي هو حجم المشاركة، باعتبارها ستكون مؤشرا حقيقيا على مدى القبول الشعبي للجنرال ومدى تآكل شعبيته التي وصلت إلى الحضيض وفقا لمعظم التقارير المحايدة في ظل غياب استطلاعات الرأي الموثوق فيها.
سخرية ومأساة
ومع الاهتمام الإعلامي من جانب أبواق العسكر، إلا أن قضايا هامشية مثل توقيع اللاعب عبد الله السعيد للزمالك، وبعدها الأهداف الأربعة للاعب المصري المحترف في صفوف ليفربول محمد صلاح في فريق واتفورد، حظيت هذه الموضوعات الهامشية باهتمام شعبي وإعلامي واسع أكثر بكثير من متابعة مسرحية الرئاسة.
الأمر برمته مأساة تعكس حقيقة الأوضاع في مصر، ويعيد إلى الأذهان انتخابات الرئاسة 2012م والتي فاز بها الإخوان المسلمون، ومرشحهم الدكتور محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة.
يقول جمال سلطان: «عندما تقارن ما يحدث الآن بما حدث في انتخابات 2012، فستدرك الفارق بوضوح كاف، حيث كنت وقتها لا تجد مجلسا ولا مقهى ولا مواصلة عامة ولا جلسة عائلية ولا يجتمع اثنان إلا والجدل مشتبك فيها حول المرشحين ومن صاحب الفرصة ومن صاحب الأفضلية ومن الذي تبحث عنه مصر ويناسبها الآن، وعندما عرضت مناظرة بين بعض المرشحين كانت الشوارع تقريبا تبدو فارغة من المارة، والملايين يتسمرون أمام الشاشات يتابعونها، وعندما انعقدت لجنة الانتخابات لإعلان النتيجة كانت عواصم العرب من المحيط إلى الخليج تتسمر أمام الفضائيات بتوتر ولهفة شديدة انتظارا للحظة إعلان النتيجة، وكأنها تجري في عواصم بلادهم وليست في القاهرة، وهو مشهد لم يسبق له مثيل في تاريخ العرب تقريبا».
بهذه المقارنة الكاشفة تفهم بوضوح إلى أين وصلت مصر الحبيبة، بعد انقلاب 30 يونيو، في ظل حكم جنرال العسكر عبد الفتاح السيسي.