لم تعرف مصر طوابير الانتخابات خلال عمرها الطويل إلا بعد ثورة 25 يناير 2011م، كانت ظاهرة ملفتة أبهرت العالم كله؛ فصورُ مئات الناخبين أمام كل لجان الانتخابات تداولتها كل شبكات ووسائل الإعلام الدولية، وسط إشادة تامة بالنزاهة والشفافية والمشاركة الواسعة.
في استفتاء 19 مارس 2011م، ثم الجولات الثلاث لبرلمان الثورة نوفمبر 2011 حتى يناير 2012م، ثم انتخابات الرئاسة مايو 2012م، والتي فاز بها الرئيس محمد مرسي، رئيس حزب الحرية والعدالة أكبر حزب سياسي مصري وصاحب الأكثرية في برلمان الثورة، ثم استفتاء دستور الثورة 15 ديسمبر 2012م وضم نصف محافظات الجمهورية، ثم المرحلة الثانية 22 ديسمبر 2012 وضمت النصف الآخر من محافظات الجمهورية.
طوابير انتخابات الثورة تميزت بالتنوع والاختلاف، وضمت كل أنواع الفصائل السياسية والتوجهات من إسلاميين ويساريين وليبراليين وناصريين وفلول وأقباط، وسط حوارات جادة ومنافسة شريفة بين المرشحين ونقاشات جريئة حول مجمل أوضاع البلاد، وسط حالة من التفاؤل والأمل في مستقبل أفضل.

تميزت هذه الطوابير بالاستمرارية طوال أيام الانتخابات، فدائما الطابور موجود وإذا انتخب مواطن وخرج من الطابور انضم للطابور عشرة آخرون، فيبقى الطابور طويلا ومستمرا لا يتوقف. كما تميزت طوابير انتخابات الثورة بالشمول والاتساع، حيث شوهدت الطوابير الطويلة في كل لجان الانتخابات بلا استثناء، وسط حماسة كبيرة من جانب الموالين للمرشحين وسخونة أبهرت العالم بحق.
شاهد طوابير انتخابات الرئاسة 2012
طوابير انتخابات برلمان الثورة
اختفاء الطوابير بعد 30 يونيو
ومع انقلاب 30 يونيو 2013م، وهيمنة المؤسسة العسكرية على الفضاء السياسي واعتقال الرئيس المنتخب وأركان حكومته المنتخبة، وإقصاء التيار الإسلامي أكبر تيار سياسي في البلاد وصاحب الشعبية الجارفة، اختفت طوابير الناخبين، وبدأت مرحلة الطوابير المفتعلة التي تتكون من عشرات المواطنين على أقصى تقدير، وأمام عدد محدود من اللجان لالتقاط الصورة وتسويقها، وغابت الحقيقة وباتت الانتخابات مسرحية بلا روح ولا منافسة، وغير مؤثرة في أوضاع البلاد وسياسات النظام الحاكم الذي يحكم البلاد بالحديد والنار، وفق نظرية “يا نحكمكم يا نقتلكم”.
يمكن أن تجد طابورًا أمام لجنة من اللجان، لكنه طابور مفتعل سرعان ما يختفي بعد دقائق لينتقل إلى لجنة أخرى من نفس الأشخاص ليكوّنوا طابورا جديدا مفتعلا لالتقاط الصورة الإعلامية ثم يختفي وهكذا.
اختفت الطوابير لانعدام المنافسة، فالمطلوب هو صورة المواطن لا صوته، اختفت الطوابير لأن الشعب ذكي وفطن يدرك تماما أنها مسرحية معلومة النتائج، وما الكومبارس إلا ممثل يؤدي دورا مقابل حفنة من المال.
كما اختفت الطوابير لأن الشعب في السجون والمعتقلات، والرئيس الذي اختاره الشعب بإرداته الحرة مخطوف في سجون العسكر، ونوابه الذين انتخبهم بإرادته الحرة بعد ثورة يناير معظمهم إما استشهد أو اعتقل أو هاجر فارا بدينه وحريته، بعيدا عن سجون العسكر وما بها من أهوال.
اختفت الطوابير لأن الشعب أدرك الحقيقة، واكتوى بنيران الأسعار والخدمات التي ارتفعت بجنون لا يصدقه عقل. اختفت الطوابير لأن الشعب يعاني كل يوم ويتعذب كل يوم ولا يجد من يحنو عليه.
شاهد.. الافتعال في طوابير مسرحية 2018