بوجه المحرضين والكارهين.. “الإخوان” لا يعدمون المدافعين عن سلميتها المطالبون بإحيائها

- ‎فيتقارير

أمام العداء المتواصل والتحريض المشحون بالكراهية تقف بعض الكتابات العفوية وأخرى أقرب إلى الأوراق البحثية التي تشكل معا دراسة عن الجماعة بوجه المهاجمين وآخرهم هاني غرابة، الذي كتب اليوم في “أمريكان ثينكر”: “عندما يتعلق الأمر بالإخوان.. لا يوجد شيء اسمه اعتدال”!

ففي مقال تحريضي مشحون بالعداء والكراهية، كتب غرابة، أحد كتاب “الأهرام ويكلي”، في الموقع ذى التوجه الصهيوني.

ويستعرض، بهذا الشأن، ما ورد في كتاب لمؤلفين فرنسيين صدر بإيعاز من الإمارات والسعودية تحت عنوان “أوراق قطر” ذكر فيه أحد مؤلفيه (جورج مالبرونو): “إن فلسفة الإخوان المسلمين هي أن تشمل حياة الناس من الولادة وحتى الموت، وجميع المشاريع التي تمولها قطر حاولت أن تفعل ذلك بالضبط، وتحيط بالمساجد بالمدارس وحمامات السباحة والمطاعم وحتى المشرحة”، ووفقًا لمالبرونو، فإن هذا يفسر “الإنفاق الضخم على المشاريع الأوروبية، والمقصود منه نشر إسلاموية جماعة الإخوان المسلمين، إلى حد تمويل مسجد في جزيرة جيرسي الصغيرة (التي تضم القليل من المسلمين)”!

جماعة الشجر

غير أن جماعة الإخوان المسلمين ما تزال الشجرة التي يرمونها بالحجر فترميهم بأطايب الثمر، يزينها سلميتها التي هي على حد قول مرشدها المعتقل بسجون الانقلاب “أقوى من الرصاص” بل هي “أنبل من الرصاص” على حد قول الباحث التاريخي كارم عبدالغفار، أو كما يقول نبيه عبدالمنعم، المهندس والكاتب “وجدت آراء العواجيز كانت أكثر حكمة وسدادا وبعد نظر”، أو حتى كما يراها ديفيد كيارباتريك المحرر بنيويورك تايمز الذي أعجزه البحث عن أجندة الإخوان الخارجية! فأعلن أنهم براء منها.

لماذا الإخوان؟

وبمعنى قريب من هذا كتب كارم عبدالغفار، لموقع الأمة الإلكتروني، “لماذا يجب إحياء الإخوان؟”.. “لأن سلميتهم لا تزال أنبل من الرصاص”، وبعد ذكر بعض العيوب التي شاعت على الألسنة اختصر النجاحات والميزات في الآتي:

– ولفت إلى أنه بإمكانيات محدودة للغاية صارعت الجماعة “عتاولة” السياسة؛ الوفد (القديم طبعًا)، والشيوعيين والإفرازات المشابهة (اشتراكية – يسارية – علمانية)، ثم صراع الند مع العسكر.. فأوجدت للشعب العربي لونًا زاهيًا من المعارضة ..شوكة مربكة ..نيابة عن المواطن في معركته مع الأنظمة.

– وأنه رغم البشاعة التي مورست ضد أفراد الجماعة بدنيًا (بالسلاح) ونفسيًا (بالإعلام) خلال 65 عامًا، ظلت الجماعة تضخ وتنشر أفكارها بمرجعيتها، وهذا في حد ذاته إعجاز يحتاج إلى دراسة اجتماعية ونفسية عميقة للجماعة وأفرادها

– لم تتأثر الجماعة بكثافتها الكمية بين الزيادة والنقصان منذ دخولها الملعب السياسي، فرغم تفريغ الشارع منها بشكل شبه نهائي في الخمسينيات والستينيات وكذلك فيما بعد انقلاب السيسي إلا أن النفس ظل مترددًا، وظلت هاجسًا لكل الأنظمة.

– استطاعت الجماعة أن تقدم لنفسها في أدبياتها تنظيرًا سديدًا راشدًا يجعل كفتها أرجح في عالم الفكر .. تستحق بها البراءة شبه الكاملة عند أي محاكمة في أي ساحة قضاء فكري.

– إن رسائل البنا ومقالاته التي كتبها متناثرة ومحاضراته التي قيلت ارتجالًا، تحمل تماسكًا عجيبًا وعمقًا يقر به أي منصف ..ويدرك حجم ثقافة الرجل وموسوعيته ورسالته الفكرية وتكوينه الذهني العجيب.

– لأن سلميتهم لا تزال أنبل من الرصاص: أعتقد أن كل مصري مدين فيما تبقى له من بعض السلامة وبعض الأمان لنبل الإخوان المسلمين في ردة فعلهم على غشم المتجبرين، ولو اختار كل واحد منهم منفردًا أن يعكر حياة من عكروا حياته أو من كانوا سببًا في ذلك؛ لتعكرت جل حياتنا أكثر مما هي عليه الآن.

وسيذكر التاريخ أن الجماعة نجحت باقتدار في كل اختبارات (فخ حمل السلاح) في لحظات الانفجار الداخلي فامتنعت بنبل راق ومنعت جل تابعيها من السقوط الظرفي في محرقة الانتقام.

وجماعة بهذه النفسية والانضباط في لحظاتها الحرجة، يجب إبقاؤها ودعمها وإحياؤها، بل نرجوها أن تحيا.

– لأن ميلادها كان صدًّا لشر كبير، ففي ظني، أنه لو لم تولد جماعة الإخوان ويمتد تاريخها ومشروعها عبر خريطة العرب والمسلمين، لكان حصاد الخير أقل بقليل مما عليه الحال الآن.

– لأن تربيتهم جيدة: لا يسع منصفًا إلا أن يقر أيضًا أن التربية النفسية والسلوكية -في المجمل- خاصية فريدة في مدرسة الإخوان قد لا تعثر عليها في مؤسسة أخرى كثيرة.

وأظن أنه – بعد توفيق الله – كانت التربية الإيمانية الفريدة والتشبع بمبادئ الجماعة العملية إلى أبعد الحدود، هما العامل الأساسي في الصمود الأسطوري لرموز الإخوان داخل السجون، وفي قلة المتساقطين على الطريق رغم وعورته المرعبة.

– لأن اختياراتهم الفقهية أيسر: من أهم ميزات الإخوان والتي جعلتهم داعمًا قويًّا للأزهر ورجاله انحيازهم للتيسير وللبعد عن مسائل الخلاف ومشاكسة المختلف والتكفير والتبديع والتفسيق الذي تجده حاضرًا في أذهان الآخرين.

– لأن تغييبهم من أكبر خسائرنا الاجتماعية: من أهم موجبات إحياء جماعة الإخوان وإعادتهم معزّزين إلى الشارع المصري، رصيدهم في العطاء الاجتماعي وخدمة الناس الذي يستحيل نكرانه من تأسيسها إلى 2013.

الأبعد نظرا

وفي مقال له قديم كتب م. نبيه عبدالمنعم عن شباب و”عواجيز” الإخوان، يتحدث فيه عن ثقته في الجماعة ومنهجها وقياداتها منذ أن عاش أحداث ما قبل الثورة وصولا لانتخابات 2010، واستحالة التغيير برأي البعض وبعد أمده “ولو بعد مئة سنه..وكان ظاهر كلامهم صحيحا وشواهد الأحداث تؤيده”.

ومع الثورة قال: “رأى العواجيز التأني فالأمر ليس سهلا ورفاق الميدان ليسوا كما نظن والعسكر مستعد لحرق البلد”.

وكان رأى الشباب المشاركة بكل قوة فلم يتمسك العواجيز برأيهم ويتعنتوا، ولو أصروا على رأيهم ربما لم نكن لنرى ما نحن فيه الان، لكن لربما كنا اتهمناهم انهم اضاعوا فرصة كانت بإيدينا كما اضاعوها ايام عبدالناصر، ولربما كانت الجماعة تفجرت من داخلها.

وأضاف: “أشهد الله انى لم أسمع أحدهم يلوم الشباب أو يبكى على اللبن المسكوب، أو يقول قلنا وحذرنا، بل كانوا امامنا في أوقات الفزع وخلفنا في أوقات الطمع”.

ومن أمثلة ذلك ما أطلع عليه العواجيز – وهي إشارة للقادة من كبار السن بمواجهة عنصر الشباب كما أشعلها البعض فتنة – من أن إبراهيم عيسى مخابرات في وقت كان الناس تعتبره رأس حربة الثورة والتغيير.

وأن العواجيز لم يأمرونا بحمل مظهر شاهين على اكتافنا وجعله خطيب الميدان ولا تقديم نواره نجم وأسماء محفوظ وطارق الخولى وعشرات من أمثالهم الذين تبين فيما بعد انهم يعملون لحساب أجهزة المخابرات، لكنا نحن الشباب من حملناهم على الأعناق وانخدعنا بهم وتأخرنا لهم، وصنعنا منهم نجوما ورموزا.

وقال أشهد الله أن آراء العواجيز كانت أكثر حكمة وسدادا وبعد نظر، وانهم لم ينخدعوا مثلنا بإنتصارات حدثت، ولم يغريهم المد الثوري العالي على نسيان الحذر.

وتابع: “سمعت أحد العواجيز من المسئولين القدامى وفي وسط المد الثوري يحذرنا من التوسع في عمل المقرات حتى نستطيع الدفاع عنها حين يتم مهاجمتها وتحرق ونموت امامها، فتعجبنا من كلامه واعتبرناه رجلا من خارج الزمن.

وعن توجهها كأحد أبناء الإخوان أكد عبدالمنعم، وهو من إخوان الشرقية، أنه “لا خصوم لي الا الانقلاب والانقلابيين ومن دار فى فلكهم ولا هدف للسانى الا من سفكوا الدماء وشهدوا بالزور..هؤلاء من أنا متأكد أننى أحصل حسنات بالوقوف في وجههم وكشف عواراتهم..اما اخوانى الذين معى على الطريق أو كانوا معى يوما من الايام فى ميادين التضحيه من أجل نفس الغايه . فلا يلزمنى سيئاتهم ولست مستغنيا عن حسنانى لهم.

الأجندة الخفية

يقول دايفيد كيركباتريك مراسل نيويورك تايمز في كتابه عن الثورة المصرية (#في_أيدي_العسكر 2018) أن كثيرين في الغرب والعالم الإسلامي يحذرون من أن وصول الإخوان للحكم وتمكنهم من مقاليده سوف يسمح لهم لتطبيق أجندتهم السرية التي يخفونها خلف شعاراتهم الغامضة والفضفاضة.

ويشير مراسل الصحيفة الأميركية في القاهرة أنه أنفق سبع سنوات في دراسة الإخوان لمحاولة فهم واكتشاف الأجندة التي تحركهم ليكتشف في النهاية أن السؤال حول أجندة الإخوان السرية خاطئ من أساسه، وأنه يعبر تقريبا عن عقلية تمييزية ضد الإخوان تحاول إدانتهم لا فهمهم.

ويقول كيركباتريك أن بحثه قاده إلى أن شعارات الإخوان الفضفاضة هي غامضة لهم أنفسهم وأن الجماعة لا تجمع على أجندة واحد أصلا.

وأضاف موضحا “أيدلوجية الإخوان ليست مبهمة فقط للعامة، ولكنها مبهمة لهم أنفسهم … لم يوجد أبدا خاصية واحدة جوهرية (تمييز) للإخوان، الإخوان أنفسهم لم يتفقوا ابدا بشكل جماعي على عناصر أجندتهم”.

ويقول كيركباتريك أن “غموض وسيولة (إيديولوجية الإخوان) هما سر استمرار الحركة” موضحا أن أفكار حسن البنا لم تكن إلا محاولة لتطوير فكرة محمد عبده عن ضرورة العودة لجذور الإسلام من أجل اللحاق بالغرب، وأنها خليط من الأفكار القومية الإسلامية، والقومية المعادية للغرب، وأن البنا تمكن من مزج تلك الأفكار المجردة مع قدراته الحركية والتنظيمية العالية، وأنه لم يقدم أبدا إجابات دقيقة حول طبيعة الدولة الإسلامية ولا الحلول التي يقدمها الإسلام.

وأضاف “الإخوان ليس لديهم أجندة سرية لأنهم لا يجمعون على عناصر محددة لأفكارهم ورؤيتهم أصلا، وإنما تستمر حركتهم بفعل عمومية الأفكار التي يطالبون بها وقدراتهم التنظيمية، كما يعتقد كيركباتريك، وقد يضاف إلى ذلك حالة الجمود التي تعتري الحياة الفكرية والسياسية بالعالم العربي”.