صحيفة “التحرير” نموذجا .. لماذا بدأ الانقلاب فى قطع أذرعه الصحفية

- ‎فيتقارير

أحمدي البنهاوي
انضمت صحيفة "التحرير" لمئات المواقع الإلكترونية في مصر للحجب الأمني، برغبة الانقلاب في تكميم الإعلام، وإنهاء الصحافة، لاسيما تلك التي تحمل نَفَسا معارضا أوثبت اتهامها بنية التطهر من محيط الإشادة بالانقلاب وسدنته، بعدما أبلغت الإدارة المسئولية عن إصدار الصحفيين العاملين فيها بقرار إغلاقها في غضون شهرين من الآن، في ظل استمرار حجب الموقع الإلكتروني دون توضيح للأسباب.

ورغم تأكيد الصحيفة أنها تقوم من خلال الموقع الإلكتروني بدورها في معسكر الموالاة "بدورها الوطني في خدمة الرأي العام ومصالح المجتمع المصري وفي إطار الدستور والقانون والثوابت الوطنية". إلا أن صحفيين قالوا: إن إدارة الصحيفة والصحفيون العاملون فوجئوا بحجب الموقع الإلكتروني لجريدة "التحرير" وتوقف الخدمة دون سابق إنذار أو تنبيه من أي جهة، في ٩ مايو الماضي.
فيما أصدرت إدارة الصحيفة بيانا، كشفت أنه "طوال الأيام التي تلت الحجب وحتى الآن، طرقت إدارة المؤسسة كل أبواب الجهات الرسمية للاستفسار عن سبب الحجب ومعرفة الجهة التي تقف وراءه.

كما حاولت تخطي أزمة الحجب بطرق فنية للتخفيف من آثار حجب الموقع وإهدار عمل الزملاء بالموقع".
وقال كارم محمود، مدير تحرير الصحيفة  في تصريحات له إنه قام بتحرير محضر يوضح فيه ملابسات ما يحدث بالصحيفة من تسويات مالية غير قانونية وإجبار الصحفيين عليها، محملاً إدارة الصحيفة المسؤولية عن حالته الصحية نتيجة الاعتصام وإمكانية الدخول في إضراب عن الطعام خلال الأيام القادمة في ظل استمرار الأوضاع الحالية.

وتتزامن أزمة "التحرير"، مع أزمة مشابهة لأزمة "المصري اليوم"، بسبب توجيه الانقلاب أمواله في اتجاه إعلامي آخر وهو الفضائيات، ليبتعد عن المواقع الصحفية التي تستهلك الأموال ولا عائد من ورائها بالإعلان، فضلا عن الكتلة الكبيرة من العاملين والصحفيين الذين لا تستطيع الوفاء برواتبهم.
رغم أن مالك صحيفة التحرير المهندس أكمل قرطام، رجل الأعمال ورئيس حزب المحافظين، الدخول في اعتصام مفتوح بمقر الجريدة خلال الساعات الماضية، بعد إصرار الإدارة على الاستغناء عن الصحفيين وفصلهم تعسفياً وإجبارهم على عمل تسويات مالية غير قانونية- من وجهة نظرهم.

مناشدات للنظام
وخاطبت إدارة الصحيفة؛ المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ونقابة الصحفيين والمجلس الأعلى لتنظيم الاتصالات، ووزير الاتصالات، لمعرفة أسباب الحجب؟.
وحذرت من أن غياب العائد المادي والمعنوي سيغلق الجريدة ويشرد مئات الصحفيين والعاملين بسبب الحجب المفروض على الموقع الإلكتروني، حسب البيان.
وأشار البيان إلى أن كل الجهات أكدت أن الموقع الإلكتروني لم يرتكب أية مخالفة تستوجب الحجب، وأننا نعمل في إطار القانون والدستور وأننا نحافظ على ثوابت واستقرار الدولة المصرية، مضيفة أن نقيب الصحفيين تدخل لدى الجهات والأجهزة المسئولة لحل الأزمة وتفادي تفاقمها بما يؤثر على مصالح الصحفيين العاملين بالمؤسسة، وقال: "جميع الجهات تؤكد عدم وجود أي خطأ مهني أو مخالفة. وظلت المشكلة تتفاقم".
وتركت أجهزة الانقلاب صحفيي التحرير كالمعلقة فاقدو البوصلة وذلك بما كشف عنه البيان من تساؤلات : "لماذا حُجب الموقع؟ ومتى يعود للعمل داخل مصر؟، وهو الأمر الذى دفع الإدارة لاتخاذ موقف، ما كانت لتتخذه، وقرارٍ ما كانت لتفكر فيه لولا تلك الظروف القهرية والخارجة عن إرادتها وهو: (عدم الوفاء بالتزاماتها تجاه العاملين بعد شهرين من الآن)".

صحفيون متضامنون
وتضامن عدد من الصحفيين مع الصحيفة والصحفيين، وقال جمال عبدالرحيم وكيل أول نقابة الصحفيين، متضامنا عقب البيان الصادر عن الإدارة، وقال في تصريحات صحفية: إنه استقبل الخبر بمزيد من القلق، بسبب إغلاق مؤسسة صحفية وتشريد العاملين بها. وتحدث عن مشاورات مستمرة لم يحدد مع من؟، ولكنه قال إن طرفها من جانب الصحفيين النقيب ومجلس النقابة لاستمرار عمل الموقع والجريدة، والحفاظ على حقوق الزملاء العاملين.
وعن حسن سير وسلوك الصحيفة عبر عن استغرابه ان يحدث ذلك  والصحيفة تلتزم "بالمعايير المهنية والأخلاقية وميثاق الشرف الصحفي، وملتزمان بالقوانين المنظمة للصحافة والإعلام في مصر، موضحًا أن في حالة ارتكاب الجريدة أي مخالفات، يجب إخطار النقابة لاتخاذ الإجراءات اللازمة، طبقًا لقانون النقابة رقم 76 لسنة 1970، وميثاق الشرف الصحفي، والقانون رقم 180 لسنة 2018 لتنظيم الصحافة والإعلام".
وأعتبر  عمرو بدر عضو مجلس نقابة الصحفيين ورئيس لجنة الحريات، أن اتجاه التحرير للإغلاق، هو جرس إنذار للفترة القادمة، والتي قد تشهد إغلاق مزيد من الصحف والمواقع بسبب الحجب المفروض على الصحافة، مُبديًا كامل تضامنه ودعمه للزملاء في التحرير وكل الصحف التي تعاني من التضييق.
وأضاف أن الصحافة مهنة لا تعيش بدون الحرية؛ فإذا غابت الحرية وساد الحصار والتضييق، فإن الصحافة ستموت لا محالة، مؤكدًا أن إغلاق الصحف يعني تشريد المئات من الصحفيين الذين لن يجدوا فرص عمل.
ودعا "بدر" إلى ضرورة البدء بشكل سريع في حوار جاد مع كل الجهات المعنية بالصحافة، لتوفير هامش من الحرية، يضمن على الأقل بقاء الصحافة وعدم لجوء أصحاب الصحف إلى الإغلاق، بما سينتج عنه تشريد الصحفيين وضياع حقوقهم ومستقبلهم.

خروج عن القضبان
ولحقت صحيفة "التحرير" بموقع "المشهد" الذي حجبته داخلية الإنقلاب في مارس الماضي، بقرار من ”المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام”؛ بحجب الموقع الإلكتروني لصحيفة المشهد لمدة ستة أشهر، وإلزام الصحيفة الورقية بغرامة قدرها 50 ألف جنيه.
وأشار نص القرار الذي أرسله المجلس لرئيس تحرير المشهد إلى أن الصحيفة والموقع وقعت عليهما العقوبة نظير ما ارتكباه بالخوض في أعراض إحدى الإعلاميات وعدد من الفنانات، ونشرها إحدى الصور الإباحية على موقعها الإلكتروني، فضلا عن سب إحدى الفنانات، والتحقير من شأنها، ومخالفة الآداب العامة، وميثاق الشرف المهني، والمعايير والأعراف المكتوبة.
وفي ذات الإطار أعتبر الكاتب الليبرالي محمد أبو الغيط، أن إغلاق التحرير يمثابة "وداع للصحافة المصرية".
وأضاف أن "الحجب خارج أي غطاء قانوني، فترسانة القوانين الأخيرة تتضمن الحجب ضمن العقوبات بها إلا أن حجب المواقع يتم منذ 2017 وبغير قوانين.
وألمح على أن الجهات السيادية هي من يقف وراء حجب المواقع من خلال مزودي الخدمة، كما حدث مع صحيفة المشهد، كاشفا أن "جريدة التحرير بالتأكيد لا يمكن أبداً تصنيفها معارضة"، وأنه من غير الواضح على الإطلاق لو شيء بعينه نُشر بها .. ولكنه خمن أن يكون ما حدث مع المشهد حدث مع التحرير من أن قرار حجب جريدة المشهد وتغريمها سببه الحقيقي هو حوارها مع حمدين صباحي.."
وخمن أن يكون الحجب لتأديب "النائب" أكمل قرطام على مواقفه، كرفضه تعديل الدستور لصالح تمديد رئاسة السيسي، ومن قبلها رفضه اتفاقية تيران وصنافير. وقال: "ربما عن مجمل أعمال التحرير، فلم يعد كافياً ألا تكون معارضاً أو كاسراً للسقف، وتؤدي مهمتك بمهنية وحيادية، بل لازم تطبل وترقص كمان".
وأضاف "لم يعد كافياً أن يرفع الإعلامي طبلته، بل يجب أن يكون التطبيل مطابق بنسبة 100% لنغمة الأوركسترا بتاعتنا مش 99%..والأفضل إنه لا يؤلف بنفسه أبدا، ولا يكون مطبلاتياً نجماً أصلاً، نريد صغار المطبلاتية وأتفههم".
وأعلن تضامنه مع الصحفيين في الجريدة وأثنى على تمسكتم باحترامكم لأنفسكم ولقرائكم حتى اللحظة الأخيرة، وتمكنتم من المقاومة والطفو طويلا في أصعب أجواء غرق الصحافة بتاريخ مصر منذ عقود.

منع المقالات
من ناحية أخرى للقمع والانتهاكات بحق الصحافة، كشف الصحفي بالأهرام وليد الشرقاوي منع مقال الشاعر فاروق جويدة، الذي يتحدث عن الحال المتردي للإعلام بـصحيفة ”الأهرام”، بعنوان “الإعلام المصري.. ودورنا الغائب”.
وفي سياق متصل، مُنع مقال لأول رئيس تحرير لصحيفة “الأهرام” بعد ثورة 25 يناير، الكاتب عبدالعظيم حماد بصحيفة “الشروق”، حيث قال عبر صفحته بـ”فيسبوك”: “المقال يثبت أن خسائر العرب تفوق كثيرا ودائما مكاسبهم من التحريض علي بعضهم البعض من أول حرب 67 حتي التبشير بضرب إيران”.

كما منعت سلطة الحجب مقالين للكاتب اليساري عبد الله السناوي على مدار الأسبوعين الأخيرين، من مايو الماضي لكونهما ينتقدان توجهات نظام الانقلاب، الأول نشرته صحيفة “الخليج” الإمارتية (قومية التوجه)، المقالين بعنواني “الثورات لا تدفن في مقابر الصدقة”، و”أحداث 15 مايو.. شيء من المراجعة”.

جريمة مقننة
ووافقت لجنة الاتصالات في برلمان الانقلاب، في 13 مارس، على ما يعرف بمشروع قانون “مكافحة جرائم تقنية المعلومات”، والذي يجيز لسلطات الانقلاب حجب المواقع الإلكترونية المعارضة.
ويمنح مشروع القانون المقدم من حكومة الانقلاب، سلطة التحقيق المختصة حق الأمر بحجب موقع أو عدة مواقع أو روابط أو محتوى، ، سواء داخل الدولة أو خارجها، باعتبارات تهديد للأمن القومي أو تعرض أمن البلاد أو اقتصادها القومي للخطر، وتنص المادة 7 على أن تأمر بحجب الموقع أو المواقع أو الروابط أو المحتوى محل البث، كلما أمكن تحقيق ذلك فنيا، متى قامت”
كما ينص المشروع الانقلابي بأنه “يجوز في حالة الاستعجال لوجود خطر حال أو ضرر وشيك الوقوع من ارتكاب جريمة، أن تقوم جهات التحري والضبط المختصة بإبلاغ الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات ليقوم بإخطار مقدم الخدمة على الفور بالحجب المؤقت للموقع أو المواقع أو الروابط أو المحتوي”.
وتتسبب الرقابة على الإنترنت في مصر إلى حجب أكثر من 26 ألف موقع عشوائيًّا، بسبب حجب المواقع القائم على حجب حزمة بروتوكولات الإنترنت (TCP/IP) ومنها نحو 500 موقع مقصود حجبهم من الانقلاب.