لا شك أن اتفاقا جرى في السودان بين المجلس العسكري الموالي للثورة المضادة عربيا، وقوى الحرية والتغيير، يساريين وشيوعيين وبعثيين، باستثناء الإسلاميين، حيث استأثر الفريقان بتشكيل ما أسموها حكومة "مدنية"، أعلن فيها الطرف الأخير أنه سيشكل 67% من الحكومة، وذلك دون أساس من الديمقراطية القائمة على الصندوق أو الاستعداد للقصاص لدمءا الشهداء الذين سقطوا ليلة عيد الفطر في اعتصامهم السلمي أمام القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية.
ورغم الإحساس أن شيئا ما يدبر في الكواليس، لاسيما وأن رموزا بقوى الحرية والتغيير كانوا ضيوفا على دولة الإمارات، كما أن منهم من يشارك أبوظبي دوافع الانتقام من جماعة الإخوان المسلمين في السودان، مثلهم في ذلك مثل المجلس العسكري، إلا أن البعض أظهر فرحا لتحقق الاتفاق بين أبناء السودان والذي يعتقدون أنه يستوجب وقف نزيف الدماء الذي تصنعه قوات الدعم السريع التي تتبع نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو.
فرحة مصطنعة
وبعض الأدعياء أدعوا فرحا بسقوط "الكيزان" وهي صفة اطلقها اليساريين على الإخوان في السودان، بادعاء أنهم جزء من حكومة البشير، وصار الادعاء مع التكرار لصيقا بهم بالكذب وبدافع الاغتيال المعنوي للتيار الإسلامي العربي، ومن هؤلاء البعض دولة الإمارات وسياسييها ودبلوماسييها، الذين يعرف شيطانهم الأكبر محمد بن زايد أن الإخوان بعيدون كل البعد عن الرئيس السابق عمر البشير الذي انشق عنهم كما انشق عنهم المفكر الراحل حسن الترابي.
ومن هذا السياق زعم وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش؛ إن السودان طوى صفحة حكم البشير وتنظيم الإخوان.
وادعى "قرقاش" قائلا: "يطوي السودان صفحة حكم البشير والإخوان ويدخل حقبة جديدة في تاريخه السياسي".
وهو نفس ما أدعاه من قبل وأدعاه د.عبدالخالق عبدالله مستشار محمد بن زايد للشؤون السياسية في 15 أبريل، عندما هاجم "عبد الله" عدة دولة منها تركيا وحركة حماس والرئيس المعزول عمر البشير وزعم في تغريداته على توتير أن "تجمع المهنيين السودانيين يطالب باعتقال البشير ومحاكمته مع أركان نظامه".
وأضاف أن " الشعب السوداني لن ينسى أن البشير كان مجرد واجهة لحكم الإخوان المسلمين ونظامه أنصع دليل على ما يحدث عندما يهيمن الإسلام السياسي ويحتكر الحكم، النتيجة فساد واستبداد وخراب.. السودان مثالا وكذلك إيران وقطاع غزة".
فضيحة الاستقبال
وفضح الدكتور تاج السر عثمان، المفكر القومي السوداني تعليقات قرقاش وعبدالله وكتب معلقا على تصريحات قرقاش "السودان يبحث عن الحكم المدني الديمقراطي الذي أنتم تحاربونه فحكم الشعب هو ما يزعجكم ، منذ متى وأنتم تقفون مع الشعوب ؟ لما كان البشير يصدر لكم بندقيات للإيجار كان حليفكم وسندكم وتعهدتم بالوقوف معه جيلا بعد جيل فلما انقضت مصلحتكم منه بحثتم عن ديكتاتور آخر لاستمرارية مصالحكم لا أكثر".
واستشهد "عثمان" بفيديو بما قاله ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد: "البشير ليس غريبا عليكم، لكن هناك أشياء "خاصة" لم يذكرها التاريخ، و "لن يذكرها"، هذا الرجل نشكره لوقوفه مع الإمارات وليس غريبا عليه فقد عاش معنا وأكل من خبزتنا وسنعلم أولادنا "فضله" علينا!".
وزير خارجية مبز، د. قرقاش: تخلص #السودان من دكتاتورية البشير✌🏼
السودان يبحث عن الحكم المدني الديمقراطي الذي أنتم تحاربونه فحكم الشعب هو ما يزعجكم ، منذ متى وأنتم تقفون مع الشعوب ؟ لما كان البشير يصدر لكم بندقيات للإيجار كان حليفكم وسندكم وتعهدتم بالوقوف معه جيلا بعد جيل فلما انقضت مصلحتكم منه بحثتم عن ديكتاتور آخر لاستمرارية مصالحكم لا أكثر pic.twitter.com/6keE6X0QDG
— د. تاج السر عثمان (@tajalsserosman) August 4, 2019
واعتبر الصحفي جابر الحرمي أن الفيديو يثبت أن الإمارتيين يخونون الخبر والملح، فقال معلقا على قول قرقاش: "إن السودان طوى حكم البشير والإخوان .."، وأضاف "أليس قائدك " الملهم " قال عن البشير إنه أكل "خبزتنا "وأرسل جيشه دون أن نطلبه ليقاتل معنا في اليمن التي تتركون #السعودية في مستنقعها..إنكم لا عهد لكم ولا إيمان.. هذه حقيقتكم..".
احتمالات التلفيق
ورغم أن التجربة المصرية ألهمت جماعة الإخوان في الأٌقطار العربية المجاورة إلى الحذر من تحركاتها لاسيما في ظل أجواء الثورة الملبدة بالعساكر وأشباههم ممن يعملون في صالحهم في العلن ومن الكواليس، يخدعهم استقبالهم في سفارة هنا أو نسبة في تشكيل "مدني" مبناه التدخلات الإقليمية والدولية، ولكن الدرس الكامل أنهم لن يكونوا أعز على العسكر من رفقائهم المصريين الذين أوقع العسكر بهم ما حفروه للإسلاميين والإخوان منذ 30 يونيو.
وبدأت بالفعل إرهاصات التلفيق فمن القاهرة يسكن بعض المحللين السياسيين السودانيين المحسوبين على المخابرات السودانية وعسكر "البرهان- حميدتي" ليدعي لموقع إماراتي مشبوه "24 الإمارات" أن "الإخوان في السودان قد يتجهون للعنف"، حيث زعم "صلاح خليل" "لجوء عناصر تنظيم الإخوان الإرهابي من القيام بعمليات إرهابية واغتيالات خلال الفترة المقبلة في أرجاء السودان، بعد أن أنهى الاتفاق السياسي فرص عودتهم للحكم مجدداً"!.
ويكذب "خليل" نفسه بنفسه قائلا: "السودان لم تشهد عنفاً سياسياً طوال العقود الماضية وقت حكم الإخوان، ولكن بعد اتفاق الوثيقة الدستورية والتي أنهت أي محاولة لعودة الإخوان، سنرى فترة من العنف السياسي التي سيلجأ لها الإخوان".
ولا يخلو التلفيق من ادعاء "ممارسة الثورة المضادة المدعومة من قطر وتركيا"، في حين تفخر الحسابات الإماراتية والسعودية على مواقع التواصل، بالدور الإماراتي السعودي في إسقاط ما انبثقت عنه ديمقراطية الربيع العربي التي انطلقت في 2011.
ومن هذه التلفيقات، تنمية الشرخ بين اليساريين في قوى التغيير والإصلاح وبين الإسلاميين، من خلال توتير الأجواء، مثل ادعاء "قيادي" ب"تحالف نداء السودان"، الموقع على إعلان الحرية والتغيير، محمد سيد أحمد سر الختم، ل صحيفة "البيان" الإماراتية، إن "النظام البائد، هو من يقوم بمثل هذه الأعمال، ومنسوبوه هم الذين يحاولون من خلال قتل الأبرياء عرقلة العملية السياسية"، وادعى الختم أن "مجزرة الأبيض لن توقف التفاوض مع المجلس العسكري، مشيراً إلى ضرورة العمل من أجل محاصرة عصابة "الإخوان"، التي الآن تحاول بشتى السبل إجهاض العملية الانتقالية في السودان"!!.
صعود الانتهازيين
ورغم أن "زعيم" حزب الأمة الصادق المهدي كان ضيفا دائما على مقرات الإخوان المسلمين في مصر، وفي حوارات المواقع والصحف التي كانت تتحدث بلسان الجماعة، حتى قبل الإنقلاب.
إلا أن "المهدي" منذ بدأ رحلات الحج لأبوظبي أظهر انتهازية غير مسبوقة، فقال في حوار مع قناة "العربية" في 30 أبريل: "الجماعات الإسلامية تشكل خطرا على السودان وعلى جماعة الإخوان أن تراجع نفسها".
وهو ما عتبره محمد المختار الشنقيطي انتهازية وقال "يبدو أن الأنانية السياسية التي دفعت الإخوان في السودان إلى الانقلاب على سلطة الصادق المهدي المدنية واغتيال الديمقراطية السودانية عام ١٩٨٩، هي ذاتها التي تدفع الصادق المهدي وحزبه اليوم إلى التودد للعسكر والإمارات لوأد الثورة السودانية الحالية. فهل يُلدغ أهل السودان من جحر مرتين؟".
الانتهازية ضد الاخوان وصلت لأن يرحب حزب "الأمة" في بيان له في 3 أغسطس باتفاق السودان واعتبره "توج النضال ضد الإخوان"!.