خلصت دراسة علمية نشرها موقع المعهد المصري للدراسات، إلى أن "محاولات الإصلاح أو النهوض بالتعليم لا تنفصل عن الحديث عن التحرر الوطني من نظام قمعي يعمل بالوكالة لتحقيق مصالح المستعمر، ويسعى إلى غلق المجال أمام الشعب المصري من أجل تمرير سياسات تذويب الأمة المصرية في بحر التبعية وإغراقها في الديون، ومحو الهوية الثقافية للأمة من خلال إهمال التعليم باللغة العربية، وجعل التعليم باللغة العربية مقصورًا على الفقراء، وربط سوق العمل بالتعليم القائم على اللغات الأجنبية.
وقالت دراسة للباحث أمجد حمدي، بعنوان "تطوير التعليم في مصر: إصلاح أم تبعية؟": إن "سياسات التعليم في ظل نظام 3 يوليو والتي تعتبر هي المدخل الأساسي للحكم على مشروع نظام الثانوية العامة الجديد، تُبين أن الظواهر السلبية لنظام التعليم في مصر في حالة تمدد وانتشار، وأن النظام يشجع عليها ولا يتصدى لها".
ومن أمثلة السياسات الخاطئة: تقنين أوضاع الدروس الخصوصية وإدماجها في منظومة التعليم الرسمي، والانقلاب على استحقاق العدالة الاجتماعية البسيط الذي حصل عليه المدرس في عام 2012، وفتح المجال أمام المدارس الخاصة والأجنبية، وتردي أوضاع المدارس الحكومية مع تزايد احتمالية خصخصتها، وتزايد مشكلة الكثافة، وضعف الرقابة على المدارس، كل تلك التحديات التي فشل النظام في مواجهتها هي أساس إصلاح المنظومة التعليمية.
نتائج الدراسة
وتوصلت الدراسة إلى 4 نتائج من استعراض أهم تجارب تطوير التعليم التي مرت في الثلاثين عاما الماضية، كذلك التعرض لموقف التجربة الحالية من التحديات المزمنة التي تواجه نظام التعليم، وهي:
1- محدودية محاولات التطوير
وقالت إنَّ تطوير نظام التعليم غير مُدرج على أجندة النظام طوال العقود الأربعة الماضية، وإنَّ محاولات التطوير محدودة جدًّا، حتى إن هناك من الأكاديميين من يؤكد أن قيام فتحي سرور بإلغاء الصف السادس الابتدائي في عام 1988 يقع ضمن محاولات تطوير نظام التعليم المصري، بالرغم من أن الوزير السابق أعلن عن أن الهدف من ذلك الإجراء هو تقليل النفقات.
2- أمنيات وليست مشروعات
وأضافت أن كل ما قدمته الحكومة على مدار الأربعة عقود الماضية ظل أمنيات مكتوبة على الأوراق ومنشورة في الصحف، ولم يتم تحويلها إلى برامج أو مشروعات حقيقية، ولم يتم مقاومة أي ظاهرة سلبية أو تقويم أي سياسات خاطئة، ولم تفِ الدولة بوعودها تجاه المعلمين، ولم توفر الحماية لأولياء الأمور من تفشي الدروس الخصوصية، ولم تراجع ميزانية هيئة الأبنية التعليمية للتغلب على كثافة الفصول.
3- خصخصة التعليم
وأشارت إلى أن فتح المجال أمام الدروس الخصوصية هو البداية الحقيقية لخصخصة الخدمات التعليمية، وبداية لابتزاز الدولة للمواطن على غرار نظرية مبارك “يا أنا يا الفوضى”، وبالتالي أصبحت الدولة تتفاوض مع المواطن وتُخيّره بين تحمل الخدمة التعليمية أو تتركه فريسة للدروس الخصوصية، وقد ظهرت مظاهر الخصخصة بعد أن اعتمد النظام الحالي مصروفات المدارس اليابانية بأكثر من 10 آلاف جنيه للعام الواحد.
4- تراجع دور الدولة
ولمست الدراسة تراجعًا في جميع مؤشرات العملية التعليمية، ويأتي ذلك بسبب انسحاب الدولة من دعم النظام التعليمي، وعدم الإيفاء بتعهداتها الدستورية المرتبطة بإلزامية التعليم واعتماد الميزانية.
القرار السياسي
وربطت خاتمة الدراسة بين سياسات التعليم الناجح وارتهانه بطبيعة النظام السياسي الحاكم، ورغبته في الحفاظ على هوية الدولة ولغتها، وتبنيه مشروعًا وطنيًّا للاستقلال والتحرر من التبعية للولايات المتحدة الأمريكية ومؤسسات "بريتون وودز" التي غرق النظام في الاستدانة منها، وأصبحت كل استراتيجيات التطوير مرتبطة برؤية البنك الدولي وصندوق النقد، وهدفها تكريس التبعية.
وذكرت الدراسة أن تكون هناك أهداف محددة في عملية الإصلاح، تتمثل آلياتها في التحرر الوطني والتحرر الإنساني، وإذكاء روح التحديث والتقدم والتطور، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وارتقاء مكانة مرموقة بين الأمم، ليكون التعليم قضية مصيرية.
إصلاح التعليم
واستعرضت الدراسة ثلاثة أشكال تفسِّر سياسات برامج تطوير التعليم في العقود الأربعة الماضية، وهي:
1- إصلاح الزينة
وأوضحت الدراسة أنَّ إجراءات التعليم التي اعتمدها النظام المصري لم تتخطّ حاجز الشكل، فالمادة (19) من الدستور المصري تؤكد أن التعليم حق لكل مواطن، وأن الدولة تكفل مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية، وفي نفس الوقت ارتفعت معدلات التسرب من التعليم، وتفشَّت ظاهرة التعليم الموازي المتمثل في الدروس الخصوصية، وتراجعت قدرة الفقراء على الاستمرار في التعليم؛ نظرًا لارتفاع نفقات الإنفاق الفعلي على العملية التعليمية التي يتحملها أولياء الأمور.
وقارنت بين تطوير التعليم في الدستور، حيث يهدف إلى إرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وفي نفس الوقت أفسحت المجال للمدارس الخاصة والمدارس الأجنبية لنشر التعليم بلغات أجنبية، بل حدث تمييز في كثير من الكليات بإنشاء أقسام للدراسة باللغة الإنجليزية أو الفرنسية، وأصبح في مصر ما يسمى (حقوق إنجليزي وحقوق عربي- تجارة إنجليزي وتجارة عربي- اقتصاد إنجليزي واقتصاد عربي)، فيما ارتفعت تكلفة الدراسة في الكليات التي افتتحت أقسامًا باللغة الإنجليزية أو الفرنسية بشكل كبير، ما جعلها تدير ظهرها لأبناء الطبقة الفقيرة.
ولفتت إلى أن الدولة تلتزم بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومي الإجمالي، وعلى أرض الواقع يبلغ إجمالي الإنفاق المستهدف على التعليم والصحة أقل من ذلك.
2- إصلاح التفاخر
ورصدت الدراسة أن إصلاح التعليم وجودُه شكليُّ في التشريعات، ويأخذ صورة الإصلاح التفاخري أو إصلاح الزينة، فالنظام المصري الذي يوقف المدارس في الصيف نظرًا لعدم وجود مراوح لتخفيف حرارة الجو بالفصول، ويعاني من تراجع البنية التحتية لمعظم المدارس الحكومية، ويأخذ 2 مليار جنيه من ميزانية هيئة الأبنية التعليمية للإنفاق على مشروع التابلت الذي لم يُعدّ له جيدًا، ومن المحتمل أن يتحول إلى واحدة من كبريات عمليات إهدار المال العام في مشروعات غير مدروسة. كل هذا من أجل التفاخر بإدخال التكنولوجيا والتابلت إلى العملية التعليمية دون أي تخطيط حقيقي.
3- إصلاح السبوبة
وتحولت مصر منذ عقد معاهدة السلام عام 1979 مع إسرائيل إلى دولة شرهة في الحصول على المعونات وخاصة العسكرية، حيث تصل المعونة العسكرية إلى مليار و200 مليون دولار سنويا، أي ما يعادل 20 مليار جنيه مصري في العام الواحد، واتجاه الدولة إلى الحصول على معونات وقروض ميسرة في مجالات متعددة مثل التنمية السكانية وتنظيم الأسرة ومحو الأمية، أسهم في خلق سياسات عامة مرتبطة بمفهوم السبوبة.
