أسباب هجوم «عون» على الخلافة العثمانية.. وعلماء: أحقاد صليبية دفينة

- ‎فيعربي ودولي

لا توجد مقومات حيوية بأي شكل تدفع رأس الدولة في لبنان "ميشال عون"، ماروني الديانة، للبحث في جدليات تاريخية يستدعي بها خلافًا مع دولة جارة، فيصف رئيس لبنان- بحسب المحاصصة التي دشنتها اتفاقية الطائف- فترة الخلافة العثمانية بأنها كانت احتلالا، وأن احتلال فرنسا كان انفتاحًا، وهو يتسق في ذلك مع فكره وتربيته وولائه للصهاينة والفرنسيين، أو لمن يدفع لحصالته سواء كانت السعودية أو الإمارات.

ميشال عون الذي استقبل قائد جيش الاحتلال الصهيوني على مشارف بيروت وسلمه المدينة في 1982، مستعينا به على أبناء الوطن في لبنان من غير ملّته، يستغرب الناشط أنس الدغيم قذفه للدولة العثمانيّة "مع أنها لم تدكّ قصر بعبدا الذي كان يتحصّن به سنة 1990 بطائرات السيخوي والمدفعية وتضطرّه للهروب كالجرذ، كما فعلت به دولة حافظ الأسد التي ينبطح تحت نعال نظامها اليوم".

إلا أن تزامن فعلته مع ما يحدث في السعودية لأول مرة من وصف تواجد الدولة العثمانية في البلاد العربية بالغزو العثماني، والحملة الإعلامية ضد التاريخ العثماني تشنّها وسائل إعلام عربية مختلفة جميعها ينتمي للثورة المضادة، استجابت وزارة التربية السعودية لذلك بتعديلها للمناهج المدرسية بمعلومات مزورة على الأقل برأي غالب السعوديين.

أصابع الاتهام

من جانبه، كان إصبع الاتهام واضحًا لدى الإعلامي معتز مطر، الذي تساءل عن “الدور السعودي” بتصريحات الرئيس اللبناني ميشال عون ضد الدولة العثمانية.

وقال مطر، خلال حلقة برنامجه على قناة "الشرق": إن “تصريحات عون تأتي تزامنا مع التزييف السعودي للتاريخ، وذلك بعد أيام قليلة من تغيير المناهج الدراسية في السعودية واعتبار الدولة العثمانية أنها دولة غازية مجرمة”. لافتا إلى أن “تصريحات ميشال عون تأتي ملحقة لقرارات السعودية باعتبار العثمانيين غزاة”، متسائلا “هل هذا التزامن صدفة؟".

وتابع “هل تمت كتابة خطاب عون في السعودية ليقرأه الرئيس اللبناني كأي طالب مدرسي؟.. يا لسخرية القدر".

ردود من لبنان

من جانبه قال رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية، (الإخوان المسلمون) النائب السابق بالبرلمان اللبناني عماد الحوت: إن "بناء الوطن لا يكون بتشويه تاريخه واتهام الدولة العثمانية بالإرهاب، وإنما بالجد في تأمين مقومات النهضة والازدهار".

وفي الذكرى المئوية لتأسيس دولة لبنان، قال: "يحلو للبعض أن يحاول أن يسلخ اللبنانيين عن تاريخهم الحقيقي وتشويش أذهانهم عن موقع لبنان بين الأمم".

وأكد جملة من المواقف ومنها أن "الدولة العثمانية هي جزءٌ من تاريخنا الذي نعتز به ونفتخر، وقد كنا يومًا جزءًا من هذه الدولة ولبنان لم يتشكل بعد، وقد أقامت حضارةً احترمها القاصي والداني في تلك الأيام، فجاءتنا بالكهرباء وشبكة القطارات والمدارس والمستشفيات وغير ذلك مما نعاني من افتقاده اليوم".

ونفى الحوت اتهام الدولة العثمانية وأكد "لم تكن يوما دولةً إرهابية أو دولة احتلال، وكيف يكون ذلك ولبنان الدولة لم يكن موجودا بعد حتى يعتبره البعض في ذاك الزمان محتلا، ولم تفرض علينا تغيير لغتنا وعاداتنا، ولم يضطهد فيها أي مكونٍ من المكونات بدليل انتشار المساجد والكنائس التاريخية في بلادنا والتي حافظت عليها الدولة العثمانية، وغير ذلك من الشواهد كثير".

وأشار إلى أن الإرهاب الحقيقي في ذاك الزمان كان الاحتلال الفرنسي، الذي انتفضت في وجهه جميع المكونات اللبنانية، فكانت ثورة الاستقلال التي نحتفل بها كل عام، وكان اللون الأحمر الذي يزيّن علمنا ليذكّرنا بدماء شهداء الاستقلال وتضحياتهم من أجل الوطن".

وألمح إلى أن مثل تلك التصريحات "أحقادٍ دفينة تجاه الآخرين" محذرا من أن بناء الأوطان لا يكون بالإساءة لمشاعر الشركاء في الوطن، ولا بمحاولة تصغير الآخرين وتشويه صورتهم للظهور بمظهر الكبير أو صاحب الصورة الحسنة. بناء الأوطان إنما يكون باحترام الإنسان صاحب الكفاءة وتقديمه للاستفادة من كفاءته لا تقديم المتزلّف للمسئول، ويكون ببناء المجتمع المتضامن المتكافل المنتج وتأمين احتياجاته الأساسية وليس بتقسيمه إلى انتماءاتٍ طائفية ومذهبية مقيتة، ويكون ببناء اقتصادٍ إنتاجي حقيقي وليس الاكتفاء باقتصاد ريعي يسهّل المحاصصة والفساد بأشكاله المتعددة، وأخيرا يكون بنشر العدالة في ربوعه حقيقةً وليس شعاراتٍ يخالفها الواقع والممارسة.

علماء المسلمين

بدورها نشرت هيئة علماء المسلمين في لبنان بيانًا، اعتبرت فيه أن "ميشال عون حرف الحقائق وأساء لموقع الرئاسة"، وأضافت أن “خطاب الكراهية الذي افتُتحت به احتفاليات الذكرى المئوية لإعلان لبنان الكبير، قد أساء لهذه المناسبة الوطنية ولموقع الرئاسة، فضلا عن انتهاكه لمقتضيات الحقيقة والعدالة”، متهمة الرئيس اللبناني ميشال عون “بإثارة النعرات الطائفية”.

ووصفت الهيئة خطاب عون بأنه “خطاب سيئ وغير مسئول يأتي في ذروة المخاطر الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي تعصف بالبلاد، أطلّ علينا رئيس الجمهورية بخطاب شعبوي غير مسئول يسيء إلى الحقيقة والشعب وعلاقات لبنان ورسالته الحضارية".

وأشارت الهيئة، في بيانها، إلى أن “خطاب عون تضمن تزييفًا للحقائق وقلبًا للأدوار، فحوّل الحُكم العُثماني الإسلامي إلى احتلال، والاحتلال الفرنسي المسيحي إلى نفوذ، وإذا أضفنا إلى ذلك إلى الصور التي لا تُمحى مع الاحتلال الإسرائيلي لبيروت، يظهر الموقف المُختَلّ من المُحتَلّ”.

وتساءلت الهيئة في بيانها عن الجهة الرئيسة التي كتبت هذا الخطاب التحريضي، وأضافت أن “التناقض بين التحريض الطائفي في أول الخطاب والتحذير من الطائفية في آخره، يظهر حالة الفِصام السياسي المُريب، ويطرح علامات استفهام حول الجهة التي قامت بكتابة النص”.

وأشار البيان إلى أن “سياق الأحداث يدل على أن سياسة الصهر في نبش أحقاد الحرب الأهلية، ما هي إلا شرارة من الأحقاد التاريخية التي أطلقها العم، في مسعى عقيم للتحوّل من العهد القوي إلى العهد المستقوي”.

وتابعت أن “الوعي والوجدان اللّبناني عمومًا والسّني خُصوصًا يزداد بصيرة ورفضًا لمسلسل المواقف المُعادية التي تحفُر عميقًا بين المواطنين، وتُزلزل الموقف من التسوية الرئاسية التي كان من المفترض أن تكون صفحة جديدة في بناء الدولة”.

وختمت الهيئة بيانها بتوجيه أصابع الاتهام إلى عون “بإثارة النعرات الطائفية”، لافتة إلى أن “الهيئة تضع ما صدر عن الرئيس في دائرة الاتهام بإثارة النعرات الطائفية بين اللبنانيين وتعكير علاقات لبنان بدولة صديقة”.

أوقاف لبنان

من جانبه، أكد الشيخ أسامة حداد المفتش العام للأوقاف الإسلامية في لبنان، أن “الدولة العثمانية لم تكن دولة محتلة لبلادنا، بل كانت تحكم هذه البلاد كونها بلاداً واحدة”.

وقال الشيخ حداد، في منشور له على حسابه الرسمي في "الفيس بوك": إن “الدولة العثمانية هي التي بنت في بلادنا الكثير من المباني والجسور والمدارس والحدائق العامة، واليوم لا يستطيع البعض تصليح سكة الحديد التي بنتها الدولة العثمانية منذ ما يزيد على مئة عام”.

وأضاف أن “عدد المسيحيين في الشرق الأوسط في ظل الدولة العثمانية كان حوالي ثلاثمائة مليون، بينما اليوم لا يزيد على ثلاثين مليونا فمن هجرهم؟ العثمانيون أم تلك الدول الغربية التي تدعي نصرة الأقليات؟".

وقال الشيخ حداد: إنه “يجب أن نقرأ التاريخ من مصادر موثوقة وليس من مصادر حاقدة، ونرجو أن تعود هذه البلاد إلى عزها وازدهارها كما كانت، وأن نعيش فيها بسلام وأمان مع كافة الطوائف والمذاهب، ونقطع الطريق على كل من يريد تفرقتنا وإضعافنا”.

العثمانيون تاريخيا

وقال المؤرخ اللبناني، خالد الجندي، قال إن الدولة العثمانية (1299: 1923) طورت العمران في لبنان، وأنشأت كنائس عديدة، ولم تفرق بين الديانات والطوائف، على عكس الاستعمار الفرنسي والأوروبي عامة.

وأضاف الجندي في حديث لوكالة الأناضول التركية أنه "في زمن السلطنة (العثمانية) كان يوجد تعايش بين جميع الطوائف، وكان العثمانيون يعاملون الجميع بمساواة".

وتابع الجندي: "السلاطين العثمانيون أصدروا فرمانات بإنشاء العديد من الكنائس في لبنان، بينما عمل الاستعمار الفرنسي والأوروبي عامة على التمييز والتفرقة بين الديانات والمذاهب في لبنان، وتدمير الإرث العثماني في المنطقة، ونهب كل خيراتها".

وزاد بقوله إن "أهمية وجود السلطنة العثمانية تكمن في تطوير الحياة والعمران في لبنان، بما فيها خط سكك الحديد ودور العبادة لمختلف الطوائف والمذاهب، والمدارس والمقار الحكومية والمصانع".

وتابع حداد: "الدولة العثمانية هي التي بنت فيها (الدول الإسلامية) الكثير من المباني والجسور والمدارس والحدائق العامة.. واليوم لا يستطيع البعض تصليح سكة الحديد التي بنتها الدولة العثمانية منذ ما يزيد عن مئة عام".

خارجية تركيا

وأصدرت وزارة الخارجية التركية بيانًا، قالت فيه إن عون أدلى بتصريح بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس لبنان، تضمن إشارات كيدية ومغرضة تتعلق بالعهد العثماني واتهامات بممارسة الإمبراطورية العثمانية إرهاب دولة في لبنان، "وهو ما ندينه بأشد العبارات ونرفضه برمته".

وأضافت "إن هذا التصريح الصادر عن الرئيس عون بعد مرور أسبوع على الزيارة التي أجراها السيد مولود تشاووش أوغلو وزير الخارجية للبنان، لا ينسجم مع العلاقات الودية القائمة بين البلدين، وهو تصريح مؤسف للغاية وغير مسؤول".

وتابعت: "تفتخر الجمهورية التركية وتعتز بكونها وريثة الإمبراطورية العثمانية. ولا يوجد "إرهاب دولة" في تاريخ الإمبراطورية العثمانية. وعلى عكس ما تم الزعم به، فقد كان العهد العثماني عهد استقرار في الشرق الأوسط دام طويلاً".

وشدّدت على أن "قيام الرئيس عون بتحريف التاريخ من خلال الهذيان، وتجاهله كافة الأحداث التي وقعت في عهد الاستعمار الذي يعتبر مصدرا لكافة المصائب التي نراها اليوم، ومحاولته تحميل مسؤولية هذه الأمور للإدارة العثمانية، ما هو إلا تجل مأساوي لحب الخضوع للاستعمار".

وبيّنت أن "هذه المقاربة التي تفتقر إلى الوعي لا ولن تلقى ما يقابلها في المفهوم الموضوعي للتاريخ ولا في ضمائر شعوب المنطقة".

القلعة الصليبية

بدوره، قال الباحث والمحلل السياسي الموريتاني محمد المختار الشنقيطي، أمس الإثنين، إن “اتهام (الرئيس اللبناني) ميشال عون للدولة العثمانية بالإرهاب، جاء ضمن حالة انكشاف الروح الطائفية الأقلَّوية العميقة في المشرق العربي، وانفضاح خطابها الاستعلائي العنصري”.

وأضاف الشنقيطي في تغريدة على حسابه الرسمي في “تويتر”، أن “البعض يفكر بعقلية القلعة الصليبية المتعالية على محيطها، في الوقت الذي يحلم فيه أن يكون قائدا للعرب بعد تجريدهم من الإسلام”.

ولفت الشنقيطي إلى أن “هذه الطائفية ليست جديدة على ميشال عون، الذي كان يصافح جيش الصهاينة يوم اقتحامهم بيروت عام 1982، وكان منذ شهور يشكر بوتين على مذابحه البشعة في سوريا، التي يرى عون أنها حماية لمسيحيي الشرق”.