كتب سيد توكل:
"لن نستطيع أن نحفظ شرف هذا البلد بغير معركة.. عندما أقول شرف البلد، فلا أعني التجريد وإنما أعني شرف كل فرد.. شرف كل رجل وكل امرأة"، هكذا كانت وصية الشهيد عبدالمنعم رياض الأولى التي أراد الرئيس محمد مرسي تنفيذها، وإعداد الجيش للدفاع عن شرف مصر، إلا أن دولة الاحتلال الإسرائيلي لم تمهله ودفعت بالطابور الخامس داخل الجيش ليقوم بانقلاب في 30 يونيو 2013.
كانت أهم وصية للشهيد عبدالمنعم رياض، التي عمل عليها الرئيس مرسي، تنقية أعمدة الحكم الأربعة من سموم الاختراق الصهيوني الأمريكي قبل التنمية والإصلاح، إلا أن الرئيس وثق في الجيش الذي تلوثت قياداته وتم اختراقه بمعاهدة كامب ديفيد، وغابت يقظة الشعب وضمير المعارضة ووطنية الجيش.
بدأ القصف
مع بداية يوم 8 مارس 1969، شنت المدفعية المصرية قصفا لنقاط العدو فى خط بارليف، وحققت نتائج مبهرة وأصابت العدو بحالة من الجنون، وفى اليوم التالي قرر رياض أن يكون هناك على الجبهة بين جنوده وضباطه يشد من أزرهم، حتى طلب منه ضابط صغير أن يرافقه إلى وحدته التي هي في الخطوط الأمامية، وغادر الشهيد ومعه الضابط مقر قيادة الجيش الثاني في الإسماعيلية بطائرة هليكوبتر، وفور هبوط الطائرة استقل الشهيد سيارة عسكرية إلى الجبهة، وأصر على زيارة المواقع الأمامية التي لا يفصلها عن العدو سوى عرض القناة رغم معارضة الضباط له.
ورغم التحذير من الذهاب، إلا أن الرجل اصطحب الضابط إلى الموقع في أقرب نقاط التماس مع العدو، وبدأ القصف الإسرائيلي فجأة مركزًا على المناطق المدنية، وتقدم الشهيد أكثر وأكثر حتى يتابع سير المعارك وانطلق يسأل الجنود ويستمع لهم.
أنت أصبت يا أفندم؟
وفجأة انهالت دانات المدافع بعد وصوله للموقع المتقدم بـ15 دقيقة وتجددت اشتباكات المدفعية وتبادل الجانبان القصف، وراح الشهيد يشارك في توجيه وإدارة المعركة النيرانية وإلى جانبه قائد الجيش ومدير المدفعية.
وأصدر الشهيد أوامره إلى قائد الموقع وضباطه بأن يتصرفوا بسرعة حتى يديروا المعركة وبقى في مكانه يراقب اتجاه دانات المدافع، وقبيل الرابعة وتحت هدير المدافع الذي يصم الآذان، هجم على الشهيد فجأة الضابط المرافق له يجذبه بقوة خوفا عليه إلى حفرة قريبة وبعدها بدقائق معدودة سقطت قذيفة مدفعية بالقرب من الخندق الذي يحتمي فيه الشهيد ومعه قائد الجيش ووقع انفجار هائل وانطلقت الشظايا إلى داخل الحفرة.
فناداه الضابط: "أنت أصبت يا أفندم؟"، فقال "نعم"، وأعاد عليه السؤال لكن رياض كان قد لبى نداء ربه شهيدا، وفارق الحياة وهو يرتدي أفرول الزي العسكري خاليا من أي رتبة، ليخلد اسمه في سجل عظماء هذا الوطن وتصنع دماؤه وقودًا لعمليات أذهبت النوم من عيون إسرائيل ونصرا كبيرا في أكتوبر يبهر الدنيا ويكسر غطرسة العدو وغروره.
وحمل جثمان الشهيد في عربة عسكرية إلى مستشفى الإسماعيلية ومنه إلى مستشفى المعادي العسكري بالقاهرة، وتم استدعاء الدكتور علي نصحي زوج شقيقته سميحة لإبلاغه بالأمر وليبلغ أسرته لكنه رفض هذه المهمة، فقام الفريق محمد فوزي وزير الحربية آنذاك بزيارة منزله بنفسه، وأبلغ أسرته في منتصف ليلة اليوم نفسه، بينما كانت مصر كلها قد عرفت النبأ قبل ذلك بـ6 ساعات.
وصايا البطل
لعل القدر لم يمهل الرئيس مرسي لتنفيذ وصايا الشهيد، ولكنه بدأ حملة تطهير واسعة لمؤسسات الجيش والشرطة والمخابرات، حيث أعلنت رئاسة الجمهورية في الثامن من أغسطس 2012 إقالة عدد من المسئولين على رأسهم اللواء مراد موافي مدير المخابرات العامة، وتعيين اللواء رأفت شحاته بدلا منه، وأصدر قرارا جمهوريا بتعيين السفير محمد فتحي رفاعة الطهطاوي رئيسا لديوان رئيس الجمهورية بدلا من اللواء عبد المؤمن فودة أحد مساعدي زكريا عزمي رئيس ديوان مبارك الذي عينه المشير طنطاوي قبل تسلم الرئيس مرسي السلطة بأسبوعين فقط!
يقول الشهيد عبدالمنعم رياض، في وصيته الثانية: "لا أصدق أن القادة يولدون.. إن من يولد قائدا قلة من الناس لا يقاس عليهم، كخالد بن الوليد مثلا، ولكن القادة العسكريين يُصنعون.. يصنعهم العلم والتجربة والفرصة والثقة، إن ما نحتاج إليه هو بناء القادة وصنعهم.. والقائد الذي يقود هو الذي يملك المقدرة على إصدار القرار في الوقت المناسب وليس مجرد ذلك القائد الذي يملك سلطة إصدار القرار".
ويضيف في الوصية الثالثة: "إذا حاربنا حرب القادة في المكاتب بالقاهرة فالهزيمة تصبح لنا محققة.. إن مكان القادة الصحيح هو وسط جنودهم وفي مقدمة الصفوف الأمامية".
وفي الرابعة يقول: "لقد حقق أجدادنا أعظم البطولات، وخلفوا لنا تراثا عريضا يجب أن نصونه، ومستقبلا علينا أن نطوره ولن يكون ذلك إلا بهمة الرجال الأقوياء والناس يولدون فتصنعهم ظروفهم وبيئاتهم، ولا بد من أن نصنع نحن في الجيش الرجال الأقوياء".
ويتابع في الخامسة: "إذا وفرنا للمعركة القدرات القتالية المناسبة وأتحنا لها الوقت الكافي للإعداد والتجهيز وهيأنا لها الظروف المواتية فليس ثمة شك في النصر الذي وعدنا الله إياه".