بينما نجح جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي في توظيف الإعلام لإلهاء ١٠٠ مليون مصري بغياب الزمالك عن النهائي مع الأهلي، لم ينتبه أحد سوى المراقبين ورافضي الانقلاب أن أمرًا يدبر بليل حتى لا ينشغل أحد بغياب إثيوبيا عن نهائي آخر مع مصر، والذي كان المفترض أن توقع فيه على الاتفاق لحل أزمة سد النهضة في واشنطن.. فهل نسي المصريون كارثة التنازل عن حقهم في نهر النيل؟.
وباتت الكرة الأرضية على ثقة ويقين بأنه ليس هناك أكرم من الطغاة العرب عندما يتعلق الأمر بضرورة الحفاظ على كراسيهم؛ فهذا يتنازل عن أراضيه المحتلة كي يرضى ضباع العالم عنه، وهذا يبذّر ثروات بلاده من جزر بحرية وأنهار وغاز وبترول وآثار كي يُرضي أسياده ويفوز بالسلطة، وذاك يوافق على تقسيم بلده والتنازل عن حقها وسيادتها كي يبقى على العرش.!
نكسة مائية!
وما حدث الآن من نكسة لمصر في مفاوضات سد النهضة ليست مسئولية السفيه السيسي فحسب؛ فما حدث هو نتاج منظومة سياسية فاشلة أسسها الجيش المصري، منذ استيلائه على السلطة في انقلاب 1952، وهي نفس المنظومة التي تسببت في نكسة 67، وفي ثغرة 1973.
“الأرض أرضنا والمياه مياهنا ولا توجد قوة تمنعنا من بناء سد النهضة”، هكذا كان جواب الإثيوبيين على عصابة الانقلاب في مصر، أما أوراق التوقيع على اتفاق رعته واشنطن فقالوا للمصريين “بلوها واشربوا ماءها”، والحقيقة المرة أنه لا أحد سيشرب قطرة من ماء النيل إلا بإذن كيان العدو الصهيوني.
وبينما تداولت وسائل إعلام إسرائيلية أخبارًا بشأن مشاريع مياه وطاقة مشتركة بين تل أبيب وعصابة السفيه السيسي بالقاهرة، تناولت معاهد الأبحاث الأمنية والاستراتيجية بعمق أطماع إسرائيل في التغلغل بإفريقيا ودول حوض النيل في ظل أزمة سد النهضة.
ومع إصرار رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، الذي تربطه علاقة وطيدة بنظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على ملء سد النهضة على النيل الأزرق، تظاهرت عصابة السفيه السيسي بالجهل والخوف معا، وكما هو مخطط سلفا طلبت وساطة إسرائيلية لدى أديس أبابا لتفادي إمكانية أن تواجه أزمة.
فالنقص المتزايد في المياه خلال العقود الأخيرة أجبر المصريين وحدهم دون العصابة الحاكمة على مواجهة مجموعة متنوعة من التحديات الناشئة عن هذه القضية والبحث عن حلول، ووفقا لباحثين إسرائيليين، فقد أثبتت عصابة العسكر وإسرائيل خبرتهما في الترويج للقضايا التي لا ترتبط مباشرة بالأمن، خاصة عندما يتعلق الأمر بمصالح الصهاينة والتي تعهد السفيه السيسي بالحفاظ عليها بحياته.
ويعتقد المراقبون أن تل أبيب توظف أزمة سد النهضة لتعزيز نفوذها في إفريقيا وحلفها مع عصابة السفيه السيسي، عبر توظيف رعب المصريين من فقدان شريان الحياة الرئيسي لوجودهم، وليس أمامهم إلا اللجوء للجانب الصهيوني الذي سيقاسمهم شربة الماء.
رحم الله مرسي!
وبشأن الحديث عن مشروع تزويد إسرائيل بمياه النيل عبر قنوات وخطوط من سيناء، استعرض الباحث بمعهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب الدكتور، أوفير فينطال، طرح الرئيس الراحل أنور السادات عقب التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد، فكرة الترويج لمشروع تدفق مياه النيل من مصر إلى إسرائيل كبادرة لتقريب “القلوب” بين الشعبين!.
وعلى الرغم من أن طرح السادات حينها كان على سبيل المزاح، يعتقد “فينطال” أن الظروف الإقليمية اليوم تتيح فرصة إحياء هذه الرؤية والفكرة التي تم التحفظ عليها في القاهرة، مبينا أنه يجب على إسرائيل تشجيع المبادرة والعمل في مجال المياه مع الوزارات الحكومية ذات الصلة، إلى جانب شركات القطاع الخاص ورجال الأعمال.
ويرى الباحث الإسرائيلي أنه بمجرد الانتهاء من بناء السد الذي تم الشروع في تشييده عام 2013، سيكون أكبر سد في إفريقيا، وقد يكون له تأثير كبير على إمدادات المياه في مصر، علما أن نحو 90% من مياه النيل التي تصب باتجاه مجرى النهر في مصر مصدرها النيل الأزرق، إذ تبلغ الحصة السنوية لمصر من مياه نهر النيل 55 مليار متر مكعب، بينما يحصل السودان على 18.5 مليارا.
ويعتقد نائب مدير معهد القدس للدراسات الاستراتيجية والأمنية، الدكتور عيران ليرمان، أن قضية سد النهضة تعتبر من أبرز القضايا الديناميكية الإقليمية المعقدة التي تشكل أبرز التحديات لاستقرار حكم عصابة السفيه السيسي في مصر.
وقد يضع سد النهضة مصير اتفاقية مياه النيل لعام 1929 أمام الكثير من علامات الاستفهام، ويرجح ليرمان أن السفيه السيسي من خلال الوساطة الدولية لدى إثيوبيا والمباحثات الثلاثية بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا في واشنطن، يسعى جاهدا لخلق جو أكثر ودية مع إثيوبيا بشأن مستقبل السد.
وخلافا لموقف الرئيس الراحل محمد مرسي الذي هدد بالحرب واستعمال القوة العسكرية لضمان أمن المياه القومي لمصر إذا أقدمت إثيوبيا على منع جريان المياه في النهر، يقول ليرمان: إن “السيسي العسكري ركز على المسار الدبلوماسي بالشروع في محادثات حول ملء خزان السد”، وتم تعيين مستشارين صهاينة لتقييم خطوة توصيل مياه النيل للكيان الصهيوني!.
وبدأ إعلام الانقلاب التمهيد لحلول قاسية لأزمة سد النهضة بدون الإشارة إلى ماهيتها، وسط بروز اسم إسرائيل كوسيط من الممكن أن تقبل به إثيوبيا في ظل علاقات وطيدة بين أديس أبابا وتل أبيب، بخلاف علاقات تعدّ الأعلى مستوى مع السفيه السيسي والاحتلال.
الحديث عن الحلول القاسية لا يقف عند إمكانية توسط إسرائيل لتسوية الأزمة، كما بدأت دوائر إعلامية تعمل في صحف وقنوات مملوكة لعصابة الانقلاب بالترويج، لكن الجانب الأخطر قد يصل إلى وصول مياه النيل إلى الأراضي المحتلة باتفاق ثلاثي بين القاهرة وأديس أبابا وحكومة الاحتلال.
ذلك السيناريو وصفته مصادر رسمية بأنه لم يعد مستبعدا تماما؛ بل إنه ربما بات السيناريو الأقرب في ظل الموقف الصعب الذي تمرّ به مصر في تلك الأزمة؛ نظرا لرفض إثيوبيا تكتيك العسكر الخاص بملء خزان السد مع إثيوبيا، وفشل كافة المفاوضات مع استمرارها في مواصلة عملية البناء واقترابها من عملية التشغيل الرسمي للسد في 2021.