يصادف اليوم الإثنين الموافق 9 مارس ذكرى وفاة الإمام المجدد والعلامة الشيخ محمد الغزالي، الذي كان أحد أبرز الدعاة الذين أيقظوا وعي الشباب المسلم خلال مرحلة الصحوة الإسلامية؛ حيث كان يكافح بضراوة، فقد كان مهموما وبقوة بترشيد مسيرة الصحوة الإسلامية، ولجم نزوات التكفير أو التطرف والتشدد.
ولد محمد الغزالي أحمد السقا الجبيلي في 22 سبتمبر 1917م في قرية نكلا العنب، بمركز إيتاي البارود، بمحافظة البحيرة. في سنة 1971م أعير للمملكة العربية السعودية أستاذًا في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، ودرّس في كلية الشريعة بقطر.
مزج الغزالي بين الدعوة والأدب بالعلوم الدينية، وجعل الشعر والنثر سلاحه ودرعه، ليسيل قلمه ولسانه عذوبة في الدفاع عن الإسلام والدعوة إلى التمسك بتعاليمه، لكن مع هذه الرقة والعذوبة كان ثائرا صلدا في الدفاع عن رأيه وتفنيد منطق خصومه، وتحمل الأذى في سبيل ما يراه حقا وعدلا وشرعا.
أديب الدعوة من البنا
امتازت كتب الغزالي – التي بلغت نحو الستين – بجزالة اللغة، وعمق المعنى، ودقة الألفاظ؛ فسُمّي "أديب الدعوة"، خاصة مع كتابته الشعر؛ حيث ألف ديوان شعر بعنوان "الحياة الأولى"، كما كتب سيرته الذاتية بعنوان "قصة حياة".
تشير بعض المصادر إلى أن أول من أطلق عليه وصف "أديب الدعوة" هو حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين؛ حيث كتب إليه رسالة عام 1945 يثني فيها على مقال الغزالي في مجلة الإخوان بعنوان "الإخوان المسلمون والأحزاب"، وقال البنا: "طربت لعبارته الجزلة ومعانيه الدقيقة وأدبه العف الرصين. هكذا يجب أن تكتبوا أيها الإخوان المسلمون. اكتب دائما وروح القدس يؤيدك والله معك".
انت مش ربنا
في عهد الرئيس الراحل أنور السادات انتقد الغزالي قانون الأحوال الشخصية المعروف آنذاك بـ"قانون جيهان السادات"، فمُنع من الخطابة في مسجد عمرو بن العاص المعروف، بعد أن اشتهر بخطبه فيه؛ وتمت مصادرة كتبه، فلما أتيحت له فرصة الخروج من مصر توجه إلى السعودية، ثم أسس عام 1980 جامعة الإمام عبد القادر الإسلامية في قسنطينة الجزائرية.
بعد تعرض الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك لمحاولة اغتيال في إثيوبيا عام 1995م، ذهب الغزالي في وفد أزهري لتهنئته بالنجاة، فلما كان معه في جلسة ضمته وعلماء دين قلائل اختلف مع مبارك، عندما قال الأخير إنه يصحو من نومه وهمه توفير طعام ملايين المصريين، فقال له الشيخ "تُطعم من؟! أنت لا تستطيع أن تطعم نفسك، الله هو الذي يطعمهم ويطعمك .." أنت مش ربنا " ..أنت مهمتك إدارة الدولة ورفع مستوى مصر ودورها القيادي".
أعظم مجددي العصر الحديث
الشيخ يوسف القرضاوي قال عنه: أشهد أني ما سمعت الشيخ محمد الغزالي إلا تأثرت به وتجاوبت معه، ولمست فيه طوال معايشتي له صدقا وتجردا وحميّة للدين.. عرفتُ في الغزالي أنه رجل دعوة قبل كل شيء، الإسلام لحمته وسداه، وشغل نهاره وحلم ليله، ومحور حياته كلها، عليه يعول وإليه يدعو ومنه يستمد رحمه الله ورفع درجته”.
المفكر الراحل د. محمد عمارة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، قال عن الشيخ الغزالي: لقد كان الشيخ الغزالي عليه رحمة الله واحدا من أبرز المجددين في الإسلام في القرن الرابع عشر الهجري، وكتب كتابا في مطلع القرن الخامس عشر الهجري أجاب فيه عن مائة سؤال عن الإسلام، وفي هذا الكتاب معالم المشروع الحضاري والفكري عند الشيخ محمد الغزالي".
وأضاف: إننا في حاجة ماسة الى اعادة قراءة المشروع الفكري للشيخ الغزالي، ليعرف المسلمون أصدقاءهم من أعدائهم، وليواجهوا به مختلف التحديات الخارجية والداخلية.. الشيخ الغزالي كان عدوا لدودا للعلمانيين والتغريبيين، وكان يرى أن غلاة العلمانية يمثلون الخطر الداخلي الذي يمثل الامتداد السرطاني للخطر الصليبي الخارجي؟
أما المستشار طارق البشري فقد وصف الشيخ الغزالي بأنه "أعظم مجددي الفكر الاسلامي في العصر الحديث، ومن بعده الشيخ يوسف القرضاوي".
تحققت الأمنية
– توفي يوم السبت الموافق 9 مارس عام 1996م في الرياض بالسعودية أثناء مشاركته في مؤتمر حول الإسلام وتحديات العصر، ودفن بمقبرة البقيع بالمدينة المنورة؛ حيث كان قد صرح قبله بأمنيته أن يدفن هناك.