“إننا طلاب شهادة، لسنا نحرص على هذه الحياة، هذه الحياة تافهة رخيصة، نحن نسعى إلى الحياة الأبدية”.. على هذه الكلمات عاش، ومات عليها الشيخ أحمد ياسين الذي ظل معظم سنوات عمره قعيدًا، إلا أنه أحيا روح المقاومة في نفوس أبناء فلسطين، وما زالوا يسيرون على نهج بطولته حتى اليوم رغم مرور 16 عامًا على استشهاده.
في رحاب المقاومة
خلال انتفاضة الأقصى التي اندلعت نهاية سبتمبر 2000م، شاركت حركة حماس بزعامة أمير الشهداء الشيخ ياسين، في مسيرة المقاومة الفلسطينية بعد أن أعادت تنظيم صفوفها، وبناء جهازها العسكري، حيث تتهم سلطات الاحتلال الصهيوني “حماس” تحت زعامة ياسين بقيادة المقاومة الفلسطينية.
وظلت قوات الاحتلال الصهيوني تحرض دول العالم على اعتبارها حركة إرهابية وتجميد أموالها، وهو ما استجابت له أوروبا مؤخرا، حينما خضع الاتحاد الأوروبي السبت 6 سبتمبر 2003م، للضغوط الأمريكية والصهيونية وضمّ الحركة بجناحها السياسي إلى قائمة المنظمات الإرهابية.
اغتيال المجاهد
وتعرض الشيخ أحمد ياسين لمحاولة اغتيال فاشلة، في 6 سبتمبر عام 2003، عندما كان في إحدى الشقق بغزة، وبرفقته إسماعيل هنية رئيس الوزراء في غزة، حيث استهدف صاروخ أطلقته طائرات حربية صهيونية المبنى السكني الذي كان يتواجد فيه، ما أدى إلى جرحه هو و15 من الفلسطينيين، إلا أن جروحه لم تكن خطيرة.
ولم يهدأ للكيان المجرم بالٌ، وحاول اغتياله مرة أخرى حتى نال الشهادة، حيث قامت طائرات الاحتلال الصهيوني بقصف الشيخ القعيد على كرسي متحرك بثلاثة صواريخ أثناء خروجه من صلاة الفجر من مسجد المجمع الإسلامي بغزة، فجر يوم الاثنين 22 مارس 2004، تاركًا خلفه جيلا من المناضلين تربَّوْا على حُبِّ الشهادة في سبيل الله.
ولم يكن استشهاد الشيخ أحمد ياسين أمرًا عاديا؛ بل أسطورة صنعت من الجسد الضعيف قوة روح وعزيمة. لم تكن حادثة اغتيال الشيخ أحمد ياسين حدثًا عابرًا، بل كانت محطةً عظيمةً وكبيرةً استوقفت كل أحرار العالم، ونبَّهت الأمتين العربية والإسلامية على الخطر الحقيقي الذي يمثِّله الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين.
تأييد “حماس”
ولحق استشهادَ الشيخ ياسين تأييدٌ كبيرٌ لحركة “حماس”، ليس على الصعيد الفلسطيني فحسب، بل على صعيد الأمتين العربية والإسلامية كلها؛ فالجميع بدأ يتساءل عن “حماس”؛ هذه الحركة التي زلزلت بنيان الاحتلال، فبدأت في الانتشار بصورةٍ كبيرةٍ، حتى أصبح معظم الفلسطينيين محسوبين عليها؛ إن لم يكن انتماءً فتأييدًا وتعاطفًا؛ لما تمثِّله من مقاومةٍ وصمودٍ وثباتٍ على الثوابت الفلسطينية ورفضٍ لمسيرة التسوية مع الاحتلال.
وقد كان لاستشهاد الشيخ ياسين عددٌ من ردود الأفعال أجمعت على أن دماءه مثَّلت قودًا جديدًا للمقاومة.
قالوا عن استشهاده
د. يوسف القرضاوي الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين:
“إنّ دم الشيخ أحمد ياسين لن يذهب هدرًا، بل سيكون نارًا ولعنةً على الاحتلال وحلفائه، مشددًا على أن “استشهاد أحمد ياسين لن يضعف من المقاومة كما يتوهَّم الاحتلال، بل سيرون بأعينهم أنّ النار ستزداد اشتعالاً”.
إن اغتيال الرجل القعيد جريمةٌ وتجسيدٌ لإرهاب الدولة الصهيونية، ونذيرٌ ببداية النهاية للطغاة”، مشيرًا إلى أنّ “أمريكا شريكةٌ في المسئولية عن هذه الجريمة وما سبقها من جرائم؛ فالاحتلال يرتكب مجازره بسلاح أمريكا، ومال أمريكا، وتأييد أمريكا، ولو كنت قاضيًا يحكم في هذه الجريمة ويحاكم القتلة والجناة فيها، لكان المتهم الأول عندي فيها هو بوش.
محمد مهدي عاكف المرشد العام السابق للإخوان المسلمين “رحمه الله”:
إن الأمة العربية والإسلامية فقدت ابنًا بارًّا من أعز أبنائها، وقائدًا فذًّا من خيرة قادتها، وعالمًا ربانيًّا وعاملاً مخلصًا، ومجاهدًا قلَّ نظيره على مدار التاريخ، لقد كان الشيخ الشهيد نموذجًا للإيمان في استعلائه وشموخه وعزِّه، ودليلاً على قدرة الإسلام العظيم على صياغة النفوس وقوة الإرادة، ومضاء العزم واستنهاض الهمم، وتجاوز الصعاب واستشراف النصر، وتغيير الواقع وتحويل مسار التاريخ.
نرجو أن تكون روح الشيخ الطاهرة قد تعانقت مع أرواح إخوانه السابقين حمزة ومصعب وسعد بن معاذ، وروح شيخه وإمامه حسن البنا، وأرواح أصحابه وأبنائه الأبرار يحيى عياش وصلاح شحادة وإبراهيم المقادمة وريم الرياشي وغيرهم من شهداء هذه الأمة المباركة.
الشهيد عبد العزيز الرنتيسي:
ما رأيت أصبر من الشيخ ياسين، لقد كان رمزًا إسلاميًّا كبيرًا في حياته، وقد أصبح باستشهاده معلمًا بارزًا فريدًا في تاريخ هذه الأمة العظيمة، وأضاف الرنتيسي: لم يخبرنا التاريخ عن قائدٍ صنع من الضعف قوةً كما فعل هذا العالم المجاهد.. هذا القائد الذي لم يؤمن يومًا بالضعف المطلق لأي كائنٍ بشريٍّ، ولا بالقوة المطلقة لكل من يتصف بأنه مخلوق.
وغيرها من الأقوال المعبرة عن المجاهد صانع القوة في الشعب الفلسطيني، الذي تجرّع حلاوة الاستشهاد ليُحيي أمة من الموات.