بسبب الحجر المنزلي نشعر بالضجر والملل أحيانا، رغم أننا نجلس في بيوتنا مع أسرنا معززين مكرمين، فيا ترى في مصر كيف يتحمل المسجون في سجون العسكر بشكل انفرادي الوضع منذ سنوات، خاصة إذا كان بريئا وكل تهمته أنه يقاوم الظالمين.
يُظهر بحث جديد أجرته منظمة العفو الدولية أن هناك سجناء بتهم ذات دوافع سياسية يُحتجزون رهن الحبس الانفرادي المطوَّل وإلى أجل غير مُسمَّى في مصر، وفي بعض الحالات استمر هذا الحبس عدة سنوات، وهو الأمر الذي يُعد في حد ذاته نوعًا من التعذيب.
ويظل السجناء محبوسين في زنازينهم لما يقرب من 24 ساعة يوميًّا على مدى أسابيع، ويُحرمون من أي اتصال إنساني، ويُجبرون على البقاء في ظروف مروِّعة في الزنازين.
دائرة الانتقام
جنرال إسرائيل السفيه عبدالفتاح السيسي يسعى لإكمال دائرة الانتقام؛ حيث كشف فريق الدفاع عن أسامة نجل الرئيس الشهيد محمد مرسي عن تعرض حياته للخطر داخل محبسه الانفرادي، تعذيب “أسامة” وحبسه الانفرادي ومنعه من الزيارة والرياضة لمدة ثلاث سنوات دون تهمة، فقط لأنه ابن الرئيس.
كيف هو شعور “أسامة” وهو في قبر اسمه العزل الانفرادي، لو تجلى ذلك الشعور في جبل لتصدع، بعدما فقد والده وشقيقه الأصغر عبدالله خلال 3 أشهر، وهو قابع في العزل الانفرادي في سجون العسكر منذ 4 أعوام.
تقول الناشطة يمن عبدالله: “ما أشنع الظلم وما أقبح الظالمين، لا ذنب له سوى أن شعب مصر قال يوما لوالده كن لنا رئيسا مدنيا، لم يعينه والده وزيرًا ولا سفيرا ولا قائدا بل ولا حتى موظفا عاديا، لم ينسبوا إليه من جرم سوى أنه ابن عظيم مصر وفارسها الذي ترجل.. إنه يدفع ثمن شرف الانتساب عند مَن لا شرف لهم يا الله”.
ويقول الناشط زياد المصري: “قتلوا الرئيس الشرعي وابنه الأصغر والآن بيعرضوا حياة ابنه أسامة للخطر.. أسامة محمد مرسي” يعلن بدء إضراب عن الطعام بسبب الانتهاكات التي يتعرض لها في حبسه الانفرادي ومحاولة قتله وحرمانه من الزيارة ورؤية أسرته”.
وفي إحدى المرافعات التي سمح له بالكلام قال أسامة نجل الرئيس الشهيد: “تم سحب الأغطية مني وصورة ابني، وممنوع من الخروج من الحبس الانفرادي للتريض ولا أتحدث مع أحد”، ويعاني مع أسامة في الزنازين الانفرادية آخرون أشهرهم الدكتور باسم عودة والدكتور محمد بديع والأستاذ باسم مرسي، والدكتور عصام العريان، والأستاذ عصام سلطان، والأستاذ حازم أبو إسماعيل، والدكتور حسن البرنس، والأستاذ صبحي صالح والدكتور سعد الكتاتني والدكتور أحمد عبدالله والسفير رفاعة الطهطاوي والدكتور أسامة ياسين.
ويبيِّن تقرير منظمة العفو الدولية، الصادر بعنوان: “سحق الإنسانية.. إساءة استخدام الحبس الانفرادي في السجون المصرية”، أن عشرات المحتجزين في الحبس الانفرادي، من نشطاء حقوق الإنسان والصحفيين وأعضاء جماعات المعارضة، يتعرضون عمدًا لإيذاء بدني رهيب، بما في ذلك الضرب على أيدي حراس السجون، وإجبارهم على غمر رءوسهم مرارا في أوعية ملوَّثة بالغائط. وتؤدي المعاناة النفسية والبدنية التي تُفرض عليهم عمدا إلى إصابتهم بأعراض من قبيل نوبات الهلع، والارتياب، وفرط الحساسية للمؤثرات الخارجية، بالإضافة إلى صعوبات في التركيز وفي الذاكرة.
وتعليقا على ذلك، قالت نجيَّة بونعيم، مديرة الحملات لشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: إنه “بموجب القانون الدولي، لا يجوز استخدام الحبس الانفرادي كإجراء تأديبي إلا باعتباره الملاذ الأخير، ولكن السلطات المصرية تستخدمه كعقاب “إضافي” مروِّع للسجناء ذوي الخلفيات السياسية، وتطبِّقه بطريقة وحشية وتعسفية، بهدف سحق إنسانيتهم والقضاء على أي أمل لديهم في التطلع إلى مستقبل أفضل”.
ومضت نجية بونعيم قائلةً: “كانت الأوضاع في السجون المصرية سيئة على الدوام، ولكن القسوة المتعمَّدة لتلك المعاملة تُظهر استخفافاً أكبر بالكرامة وبحقوق الإنسان من جانب السلطات المصرية”.
ثلاجة الموتى
وقد وثَّقت منظمة العفو الدولية 36 حالة لسجناء احتُجزوا رهن الحبس الانفرادي المطوَّل وإلى أجل غير مُسمَّى، وبينهم ستة عُزلوا بشكل غير مشروع عن العالم الخارجي منذ عام 2013.
في 3 مايو 2018، بعثت سلطات الانقلاب برسالة إلى منظمة العفو الدولية ردًّا على نتائج التقرير الذي أرسلته إليها قبل الإصدار، ورأت سلطات الانقلاب أن وضع السجناء في زنازين فردية لا يرقى إلى حد الحبس الانفرادي المحظور بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، وأن احتجاز السجناء في هذه الزنازين مرتبط بتصميم العديد من السجون في مصر، ولا علاقة له بمعاقبة السجناء على أساس خلفياتهم السياسية؛ غير أن تفسير سلطات الانقلاب لا يبرر احتجاز السجناء في “زنازينهم الفردية” لأكثر من 22 ساعة في اليوم لمدة تزيد عن 15 يومًا، وهو التعريف الأساسي للحبس الانفرادي المطول الذي يرقى إلى التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة.
ووصف سجناء سابقون، في مقابلات مع المنظمة، تعرضهم للضرب على أيدي مسئولي السجون لفترات طويلة، واحتجازهم في حيِّز ضيِّق بمفردهم بشكل متواصل لعدة أسابيع، وقد احتُجز ستة سجناء رهن الحبس الانفرادي لما يزيد على أربع سنوات.
كما يحصل السجناء على كميات غير كافية من الطعام والمياه، فضلاً عن عدم ملائمة مرافق الصرف الصحي والأغطية والأسرَّة، وفي مقابلات مع منظمة العفو الدولية، قال سجناء سابقون أمضوا فترات طويلة في الحبس الانفرادي: إن تلك التجربة تركت أثرا نفسيا عميقا عليهم؛ حيث أصبحوا يعانون من الاكتئاب والأرق وعدم الرغبة في التعامل أو التحدث مع آخرين، وذلك عندما أُخرجوا من الحبس الانفرادي وسُمح لهم بالاختلاط بباقي السجناء.
ومن بين المُستهدفين لتلك المعاملة أعضاء في مختلف الأحزاب والحركات السياسية المعارضة، ومن بينها جماعة “الإخوان المسلمين” و”حركة شباب 6 أبريل”.
وتشير شهادة المعتقل السابق سعيد عبد الله، إلى أنه دخل سجن العقرب بشهر مارس 2014، واستمر محبوسا في زنازين الدواعي الأمنية بعنبر 4 المخصص للمحكوم عليهم بالإعدام، وهي زنازين انفرادية مساحتها 2 متر × 3 أمتار، وليس بها سوى حنفية مياه، أما دورة المياه فهي جزء من الزنزانة، رغم أنه كان رهن الحبس الاحتياطي، ولم يكن محكوما عليه.
ويضيف عبد الله أن الزنزانة مدهونة باللون الأسود كجزء من العقاب الاستباقي، وللضغط على أعصاب المعتقل، ورغم أن العرف بالسجن أن يظل المعتقل الجديد في هذه الزنزانة لمدة 40 يوما كحد أقصى، إلا أنه ظل بها لمدة 9 أشهر كاملة، قبل أن يتم نقله لعنبر آخر، بعد زيادة أعداد المحكوم عليهم بالإعدام من معارضي السفيه السيسي.
ويشير عبد الله إلى أن الزنزانة ليس بها أي شيء من مقومات الحياة، كما أن الطعام الذي يقدم لعنابر التأديب والدواعي هو نصف كمية الطعام الذي يقدم لباقي المساجين، وهو عبارة عن رغيف ونصف من الخبز باليوم، و50 جراما من الفول بالإفطار ومثلهم أرز في الغذاء، أما مياه الشرب فهي مخلوطة دائما بمياه الصرف الصحي.
وعن الوضع بعيدا عن زنازين الدواعي، يؤكد المعتقل السابق أن سجن العقرب به 4 عنابر منها عنبر كامل يسع لـ80 زنزانة كلهم حبس انفرادي، وهو العنبر الخاص بقيادات الإخوان المسلمين وبعض قيادات الجماعات الإسلامية الأخرى التي تثير القلق داخل السجن، موضحا أن الوضع في هذه الزنازين أفضل من الدواعي لكونها باللون الأبيض وليس الأسود، ولكنها أقرب لثلاجة الموتى في فصل الشتاء، حيث تنخفض درجة الحرارة فيها عن 3 درجات مئوية.