فوجئ المصريون، خاصة العاملين فى مجال المقاولات والعقارات ومشروعات البناء والتشييد، بقرار انقلابى كارثي يقضي بوقف إصدار تراخيص إقامة أعمال البناء أو توسعتها أو تعليتها أو تعديلها أو تدعيمها للمساكن الخاصة مع إيقاف استكمال المباني الجاري تنفيذها، بزعم التأكد من توافر الاشتراطات البنائية والجراجات، وذلك فى محافظات القاهرة الكبرى والإسكندرية وكذا عواصم المحافظات والمدن الكبرى، اعتبارا من يوم الأحد 24 مايو الجارى ولمدة 6 أشهر.
القرار يضيف أزمة جديدة إلى الأزمات الكثيرة التى تعانى منها البلاد فى عهد العسكر، خاصة بعد تفشى وباء كورونا وتوقف الكثير من الشركات والمصانع، وتسريح وطرد عشرات الآلاف من العمال وتخفيض رواتبهم بما يؤدى إلى تضخم طوابير البطالة، وتزايد أعداد العاطلين عن العمل، بالإضافة إلى أن القرار قد يؤدى إلى ارتفاع جنوني فى أسعار الشقق والوحدات السكنية والإيجارات .
الخبراء والعاملون فى مجال البناء انتقدوا القرار، متسائلين: لمصلحة من هذا القرار؟ ولمصلحة من يعمل نظام الانقلاب بقيادة عبد الفتاح السيسي؟
ووصفوا قرار العسكر بأنه غير مدروس وبمثابة "وقف حال وخراب بيوت"، مؤكدين أن القرار سيتسبب فى خسائر فادحة سواء لخزانة الدولة أو للمحافظات أو لقطاع المقاولات .

تهديدات
كان محمود شعراوي، وزير التنمية المحلية بحكومة الانقلاب، قد أصدر قرارًا وزاريًا بتكليف المحافظين- كلٌّ فى نطاق اختصاصه- بوقف إصدار تراخيص إقامة أعمال البناء أو توسعتها أو تعليتها أو تعديلها أو تدعيمها للمساكن الخاصة، مع إيقاف استكمال المباني الجاري تنفيذها .
وهدد شعراوي، في تصريحات صحفية، العاملين فى قطاع المعمار بأن وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب وأجهزتها المعنية ستتخذ الإجراءات اللازمة والفورية لتنفيذ قرار وقف تراخيص أعمال البناء للمساكن الخاصة أو توسعتها أو تعليتها أو تعديلها أو تدعيمها، وإيقاف استكمال أعمال البناء للمباني الجاري تنفيذها لحين التأكد من توافر الاشتراطات البنائية والجراجات .
وزعم أن أجهزة دولة العسكر المعنية ستتعامل بكل حسم مع المخالفين للقرار، وسيتم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية حيالهم، مشيرا إلى أن القرار سيتم تنفيذه وتطبيقه بكل حزم على محافظات القاهري الكبرى والإسكندرية، كما سيتم تطبيقه في عواصم المحافظات والمدن الكبرى بمختلف محافظات الجمهورية، وفق تعبيره .

السيسي
يشار إلى أن قائد الانقلاب الدموى عبد الفتاح السيسي كان قد مهد لهذه القرارات، وزعم خلال افتتاحه مشروع "بشاير الخير 3"، يوم الخميس الماضى، أنه على مدى سنوات طويلة لم يفكر أحد من المحافظين في وقف تراخيص البناء.
وقال السيسي: "يا ترى المحافظين على مدى العشرين سنة اللي فاتت حد قال هوقف إصدار تراخيص لحد ما نتعامل مع التصور اللي إحنا فيه"، بحسب تصريحاته.
وأضاف: "لا بد من تنفيذ القانون، بيقولك العمارة طلعت واتسكنت مش هنعمل حاجة.. من حقك كمحافظ تقول لأ، شوف حجم الكثافة الموجود يسمح بالتنفيذ ولا لأ.. الناس تلتزم واللي عايز يبني أهلا وسهلا، بقول لمحافظ القاهرة والإسكندرية الدنيا متسابة"، وفق مزاعمه .
وتابع: "أنت لازم تعرف أنت مين، المحافظ رئيس دولة صغيرة، من حقك تقولي لو سمحت مش هطلع تراخيص إلا لما أدرس الموقف عندي، لما نشوف عدد المخالفات الموجودة أمر خطير، عايز أقول حاجة كان مهم جدا بنتكلم على إسكان غير آمن للبسطاء، شوفوا عاملين الحاجة إزاي، الدولة المحترمة تعمل كده لكن أي حاجة تانية عمارة 14 دور ملهاش مرافق وغير مخططة ومش متمحرة، مين يعمل في بلده كده"، بحسب تعبيره .

وقف حال
من جانبه وصف السيد حمزة، رئيس شعبة أصحاب مكاتب المقاولات بالغرفة التجارية بالإسكندرية، هذه القرارات بالمفاجئة والمحبطة للعاملين بمجال المقاولات، مشيرًا إلى أن القرار وضع الجميع في سلة واحدة: المخالف ومن يقوم بالبناء بطريقة شرعية.
واعتبر حمزة، في تصريحات صحفية، أن “القرار ده وقف حال”، مؤكدًا أن شعبة أصحاب مكاتب المقاولات ستتخذ إجراءات ضد القرار، وهناك اجتماع سندعو له أعضاء الشعبة في الغرفة التجارية لمناقشة القرار وتداعياته وسبل التصعيد التي سنتخذها ضده.
وأكد أنّ الشعبة هي أول من يطالب بمواجهة البناء المخالف، وسبق أن أرسلت اقتراحات للمحافظة والأحياء للتصدي لتلك الظاهرة.
وأوضح أن قرارات حكومة الانقلاب ليس هدفها وقف المخالفات وإنما وقف الحال. موضحا أن مواجهة مخالفات البناء يمكن أن تكون عن طريق منع توصيل المرافق لمثل تلك العقارات، وإصدار أوامر للشهر العقاري بعدم تسجيلها.
تشريد العمالة
وحذر خالد مهدي، مقاول، من أن وقف تراخيص المباني له أضرار كثيرة، من بينها تفشي الرشوة والفساد، مشيرا إلى أن ذلك منتشر ونعانى منه في محليات المدن، بداية من ترخيص البناء، وتوصيل المرافق العامة، وطلاء واجهة العقارات، وسيتزايد مع تطبيق القرارات الجديدة .
وقال مهدى، فى تصريحات صحفية: إن القرار سيؤدي إلى ارتفاع جنوني في أسعار الوحدات العقارية، وارتفاع الإيجار بطريقة مبالغ فيها، نتيجة قلة الوحدات المعروضة والتي لن تكفي الاحتياجات .
وأعرب عن أسفه لأن وقف تراخيص البناء سيؤدى إلى تشريد العمالة وبالتالي تفشي البطالة؛ نتيجة عدم وجود فرص عمل جديدة يمكن أن تستوعب العاملين فى هذا القطاع .

غير مدروسة
فيما أكد تهامى محمود، مقاول عقارات، أن القرارات الجديدة ستؤدي إلى توقف عمل المهندسين بتخصصاتهم المختلفة الذين يعملون بهذا القطاع، وغيرهم من العاملين، متوقعا أن تلجأ الشركات إلى تسريحهم لقلة العمل، إضافة إلى الكساد الذى سيضرب مواد البناء، مثل البويا والإسمنت والحديد والزلط والرملة والنقل، وتوقف العمل في مصانع الطوب، لندرة الوحدات الجديدة، بجانب تراجع حصيلة دولة العسكر من عائدات ضرائب شركات المقاولات.
وقال محمود، فى تصريحات صحفية: إن هذه القرارات "غير مدروسة"، ولم يتم بحث ما قد تتسبب فيه من سلبيات سواء بالنسبة لخزانة الدولة أو المحافظات .
وأشار إلى أن وقف تراخيص البناء سيؤدى الى حالة من الإحباط والبؤس بين العاملين في مجال المقاولات، مؤكدا أنهم لم يتجاوزا أزمة فيروس كورونا حتى الآن، وجاءت هذه القرارات لتضيف كارثة جديدة لهم .
أسعار الوحدات
كما حذر محمد جمال، مدير الاستثمارات بشركة «إيرا إيجيبت» للتسويق العقارى، من أن قرار إيقاف تراخيص البناء سيؤدى إلى زيادات سعرية جديدة فى أسعار الوحدات تتراوح من 5 إلى 15%.
وقال جمال، في تصريحات صحفية: إن أسعار الوحدات فى منطقة مصر الجديدة، خاصة العقارات حديثة الإنشاء، ستشهد زيادات سعرية تتراوح من 5 إلى 10% فقط، وذلك لوجود تمدد عمرانى جديدة فى بعض المناطق القريبة من شيراتون المطار، مقارنة بأسعار الوحدات فى مناطق النزهة والزيتون وشرق وغرب مدينة نصر وحدائق القبة والتى ستصل الزيادة فيها إلى 15%.
وكشف عن أن تكلفة الوحدات فى العقارات الجديدة تضاعفت خلال الربع الأول من العام الجارى؛ نتيجة ارتفاع أسعار مواد البناء خاصة كابلات الكهرباء والدهانات.