يحتفل الصحفيون المصريون هذه الأيام بالذكرى الخامسة والعشرين لانتفاضة الجمعية العمومية للصحفيين؛ رفضا للقانون ٩٣ لسنة 1995 والذي عُرف بقانون “اغتيال الصحافة”.
وصدر هذا القانون فى عهد المخلوع مبارك من مجلس الشعب لوضع مزيد من القيود على حرية الصحافة وتشديد العقوبات على الصحفيين. وهي الجمعية التي ظلت في حالة انعقاد مستمر لمدة عام كامل، حتى انتصرت إرادة الصحفيين بسقوط القانون.
واليوم تواجه الصحافة المصرية حالة غير مسبوقة من القمع والتقييد والتكبيل بقوانين أصدرها نظام عبد الفتاح السيسي، منذ انقلابه فى 3 يوليو 2013 على أول رئيس مدنى منتخب فى التاريخ المصري الشهيد محمد مرسى، فهل يستعيد الصحفيون هذه الذكرى ويعملون على توحيد صفوفهم، والوقوف وقفة رجل واحد ضد جرائم نظام الانقلاب لاستعادة حرية الصحافة وتحريرها من القهر والمصادرة والحجب والإغلاق، وتخليص العاملين فى المهنة من المداهمات والمطاردات والاعتقالات؟
يشار إلى أنه فى يوم السبت العاشر من يونيو 1995 كانت الجمعية العمومية للصحفيين على قلب رجل واحد فى مواجهة القانون 93، الذى أطلقت عليه الأمة «قانون اغتيال الصحافة وحماية الفساد»، والتى استمرت فى الانعقاد لأكثر من عام، وفى حالة «حشد قتال»، كما وصفها حسنين هيكل، الذى بعث إليها برسالته الشهيرة، وقال: "إن القانون أقرب إلى أجواء ارتكاب جريمة أكثر منه فعل تشريعٍ، وأنه يعكس أزمة سلطة شاخت فى مواقعها".

أكاذيب المخلوع
من جانبه قال يحيى قلاش، نقيب الصحفيين الأسبق، إن الصحفيين أثناء أزمة قانون 93 كانوا يواجهون نظاما مستبدا، وكانت صدورهم عارية لكنهم كانوا يعرفون ماذا يريدون، ولم يخشوا من تصريحات المخلوع مبارك وقتها، والتى زعم فيها أن القانون صدر ليبقى، وأن الدولة لا تبيع «ترمس»، وأن الصحفيين ليس على رأسهم ريشة.
وأضاف قلاش، فى تصريحات صحفية، "واجهنا أكاذيب دهاقنة نظام المخلوع الذين خرجوا ليسوقوا جريمتهم، ويحدثوا وقيعة بين الصحافة والشعب، وانضم الرأى العام وكل القوى السياسية لجهود إسقاط هذا القانون، لإدراكهم أن حرية الصحافة ليست حرية الصحفيين، بل هى ضمانة للشعب كله فى أن يعبر عن رأيه وأن يشارك" .
وأشار إلى أن مقولات د. فوزية عبد الستار التى كانت ترأس اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب وقتها، سقطت واعتبرت القانون يحافظ على الحقوق وحريات الأفراد وحرمة الحياة الخاصة، وكمال الشاذلي الذى وصفه بواضع الحدود بين الحرية والتعدى باسمها، وزعم أحمد أبو زيد زعيم الأغلبية أن القانون يحمى الصحفيين الشرفاء!.
وأكد أن كل ماكينة النظام وجبروته الذى استخدم كل الحيل وكل وسائل الترهيب والترغيب لم تستطع أن تنال من إرادة الصحفيين، وانتصر صمودهم الأسطوري وسقطت هذه التعديلات .
وأوضح قلاش أنه رغم هذا الانتصار المدوى للصحفيين، إلا أن تربص النظام بالصحافة وبالحريات العامة لم ولن ينته أبدا، مطالبا الصحفيين وهم يحتفلون بهذه الذكرى بالتوحد حتى يستعيدوا حريتهم وحرية الصحافة، وهذا سيتحقق مهما كانت الصعوبات التى يواجهونها .
وأشار الى أنه "فى يونيو منذ 25 عاما، توحدنا وقاومنا وانتصرنا لكرامتنا وكرامة المهنة ورفضنا العدوان على الصحافة.. واليوم لا يمكن أن نقبل أن يساومنا أحد على حقوق انتزعها المصريون باستحقاقات الدم، وعلى حريات ليست منة أو فضلا من أحد، أو أن يوقع بنا فى كمين زرع فتنة المعايير".

أنظمة ديكتاتورية
وقال الكاتب الصحفي عماد أبو زيد: إن الصحافة فى دولة العسكر لا تتمتع بأي حماية قانونية أو تشريعات تحميها من جبروت السلطة والمال، مؤكدا أن ظروف عمل الصحفي غير مواتية للقيام بعمله واداء مهمته.
وأوضح أبو زيد، فى تصريحات صحفية، أن مهمة الصحافة هي البحث عن الحقيقة وكشفها، لذلك فإن أعداء الحقيقة هم بطبيعة الحال أعداء حرية الصحافة، وفي مقدمتهم أنظمة العسكر الديكتاتورية التي تخشى الحقيقة .
وأشار إلى أن جنود البحث عن الحقيقة تعرضوا للمصاعب والمخاطر والاعتقالات والقتل أحيانا؛ معربا عن أسفه لأن حرية الصحافة في دولة العسكر تسير نحو الأسوأ .
وأكد أبو زيد أن حكومة الانقلاب دائمة التعدي على حرية الصحافة وعرقلة الصحفيين بالقوانين المكبلة، والاعتقالات العشوائية، وتلفيق التهم بنشر الأخبار والشائعات الكاذبة؛ موضحا أنها تحت ستار الحفاظ على الأمن ومصلحة البلاد والوحدة الوطنية تنتهك حرية الصحافة، وتقيد حرية الرأي، وتعرقل دور الصحفي فى كشف الحقيقة .
وأضاف: هناك أكثر من 500 موقع إلكتروني ووسيلة إعلامية محجوبة، وأغلقت بعض الصحف المعارضة مع التهديد بغلق الباقي، وهناك أكثر من 80 صحفيا وإعلاميا معتقلون، وبعضهم مات فى السجون والمعتقلات، مؤكدا أنه لم يبق من حرية الصحافة إلا اسمها .
ولفت أبو زيد إلى أن الصحفيين فى دولة العسكر لا يستطيعون الكتابة عن الفساد والخيانات والاعتقالات والثروات الضائعة والأموال المهدرة، وإصلاح المؤسسات، والاتفاقيات الخارجية وصفقات السلاح والعمالة مع الصهاينة، مشيرا إلى أن هذه الأوضاع التى غابت فيها الحقيقة وانتهكت حرية التعبير وأغلقت الصحف، أوصلت البلاد لاقتصاد يترنح، وديون خارجية نحو 112 مليار دولار، وديون محلية بنحو 4 تريليونات جنيه .

دولة العسكر
وعن أوضاع الصحافة فى عهد العسكر ودور الصحفيين فى استعادة حريتهم، قالت الكاتبة الصحفية مي عزام: إن الصحافة المصرية في غرفة الإنعاش؛ لا أحد يعلم هل سيُكتب لها النجاة أم تقضي نحبها .
وأكدت مى، فى تصريحات صحفية، أن الصحافة المهنية التي تخدم الناس وتزيد من وعيهم بالأحداث التي تمر بهم، لا يمكن أن تقوم بواجبها دون حرية تعبير.
وشددت على أن حرية التعبير لم تعد فقط رفاهية، لكنها أصبحت تهمة في دولة العسكر قد تصل بصاحبها للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى .
وأعربت مى عن مخاوفها على مستقبل الصحافة، متسائلة: هل يمكن أن يتحمل الكُتاب المزيد من الرقابة، أم أنهم سيهربون للكهوف بحثا عن موضوعات بعيدة كل البعد عن حياتنا وأزماتنا الحقيقية؟ .
وأشارت إلى أنهم يفرون بأنفسهم من مصير لن يتحملوه، مؤكدة أن عددا من الكتاب يفكرون في الابتعاد تماما عن الكتابة .
وحول تأثير هدا القهر والقمع على القضايا المصيرية للبلاد، أكدت مى أنه لا يمكن مناقشة جادة وذات تأثير لأي قضية دون حرية تعبير وشعور بالأمان .

الصوت الواحد
فى المقابل اعترف ضياء رشوان، نقيب الصحفيين، بأن “الحالة الإعلامية لا ترضي صناع المهنة ولا الجمهور، وهناك اعتراف بذلك، وهناك بالطبع قيود وُضعت”، مشيرا إلى أن “من يروج لنظرية الصوت الواحد في الإعلام هو فاشل".
وقال رشوان، فى تصريحات صحفية: إن وضع الصحافة كان أفضل بكثير حينما كنت نقيبا في عام 2014″.
وتابع: نحن مسئولون عما وصلنا له في المشهد، معتبرا أن منتحلي الصفة هم السبب في هز صورة الصحفي في المجتمع”، وزعم أن نقابة الصحفيين تحاول إنقاذ الصحف من الإغلاق بسبب أوضاع المهنة، وأن وضع الصحفي الآن عاد لأوضاع سابقة سيئة.
وعن حجب المواقع الإخبارية، قال رشوان: حجب المواقع ليس وظيفتنا كهيئة للاستعلامات وغير مسئولين عنه، وليس ضمن اختصاصاتنا، كما أن حجب موقع دولى مثل “بي بي سي” لسنا مسئولين عنه.
وأوضح رشوان أن الاتجاه الأول يؤمن بأن حرية الصحافة لا يحتاجها المجتمع، وهناك اتجاه آخر يتحدث عن حاجة المجتمع للحرية، مشيرا إلى أنه بعد التغيرات الكبرى هناك اتجاهات داخل المجتمع، بعضها ضار بالحرية والبعض يدعو للحرية، والمعركة لم تفصل بعد، ولم تنته سواء للدولة أو للمجتمع.