قالت ورقة بعنوان "تراجع الدور المصري إقليميا.. الملف الفلسطيني نموذجا" أعدها موقع "الشارع السياسي" إن الكيان الصهيوني يدعم القاهرة أمام الدورين التركي والقطري المتعاظمين في الشأن الفلسطيني.
وبنت الورقة تحليلها على تقدير موقف أعده عيران ليرمان، نائب رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن، دعا إلى ضرورة تحرك الكيان الصهيوني لتعزيز مكانة القاهرة أمام تعاظم الدورين التركي والقطري في الملف الفلسطيني.
ويعتبر "ليرمان" ان التعاون بين تل أبيب والقاهرة ضرورة؛ من أجل مستقبل البحر المتوسط، وحشد دعم واشنطن من خلال إقراره "بالدور الوظيفي الخطير والمهم الذي يقوم به نظام السيسي لإسرائيل". ورأى أن "المصلحة الصهيونية" مع مصر تتعلق أساسا بالحفاظ على الهدوء في الجبهة الجنوبية مع قطاع غزة، وتعزيز الردع ضد حماس.
وأشار إلى أن الفلسطينيين مطالبون بأن يدركوا أنه لا يوجد بديل لدور مصر، مؤكدا أن مكانة مصر في المنطقة مهمة للاحتلال للكثير من الأسباب والاعتبارات.
وعلى سبيل الاستنهاض، حث ليرمان حكومة نتنياهو ببذل المزيد من الجهد ليس فقط للحفاظ على مكانة مصر، بل تعزيز حضورها كقوة مؤثرة في الساحتين الفلسطينية والإقليمية؛ لخدمة الأمن القومي الصهيوني، باعتبارها القادرة على مواجهة قيادة حماس في غزة، بسبب الموقع الجغرافي الذي يمنح مصر أداة تأثير بالغة الأهمية على قطاع غزة لا يمتلكها أي عامل خارجي آخر، كما أن لنظام السيسي علاقات عميقة مع السلطة الفلسطينية تجعل من القاهرة الراعي التقليدي للسلطة الفلسطينية.
وقالت الورقة إن مصر تملك مفاتيح كثيرة تجعلها قادرة على تكييف مواقف السلطة مع الواقع السياسي الجديد الخاص بالتطبيع مع الخليج"، وتعديل مواقف أبو مازن بما يلبي المصالح الصهيونية والأمريكية.
دولة تابعة
وقالت الورقة إن مصر فقدت مكانتها بعدما باتت دولة تابعة وليست قائدة، وأنه في ظل حكم عبدالفتاح السيسي، ارتهن بالمواقف الإماراتية السعودية وهي العواصم التي تمثل مع القاهرة تحالف الثورات المضادة، المدعوم أمريكيا وصهيونيا. وأن التفسير الثاني لا ينفي التبعية ، وهو "أن عدم احتضان القاهرة لجولة مباحثات المصالحة إنما يعود لأسباب تتعلق بإدراك نظام السيسي بعدم قبول واشنطن وتل أبيب بأي مصالحة فلسطينية بين "فتح" و"حماس".
وأضافت أن المنطقة على أعتاب ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد، وتدشين تحالفات جديدة تجعل من الكيان الصهيوني قوة إقليمية عظمى ونفوذ بالغ التأثير؛ وبالتالي فإن القاهرة لم تتحمس لهذا الأمر؛ لكن القاهرة دائما ما احتضنت جولات المصالحة سابقا رقم وجود هذا الاعتراض الأمريكي الصهيوني؛ وكان ذلك بهدف السيطرة على الملف وعدم السماح بتدخل قوى أخرى غير عربية، علاوة على ضمان مخرجات هذه اللقاءات بما يضمن تحقيق المصالح الأمريكية الصهيونية.
تأثير إقليمي مفقود
واشارت الورقة إلى مصر فقدت خلال الأشهر الماضية قدرا كبيرا من تأثيرها على الساحة الإقليمية؛ لا سيما تلك الملفات بالغة الحساسية للأمن القومي المصري؛ تمثل ذلك في الملف الليبي؛ حيث ينحاز الدكتاتور عبدالفتاح السيسي إلى معسكر الجنرال الانقلابي خليفة حفتر الذي تلقى هزائم مدوية أفضت إلى تدمير معظم قواته التي كانت تحاصر العاصمة طرابلس كما خسر فيها كل المناطق التي سيطر عليها في غرب ليبيا ولم تعد القاهرة محل ثقة للفرقاء الليبيين الذين اتجهوا لحل خلافاتهم بالحوار إلى المغرب وتونس؛ علاوة على ذلك فقدت مصر قدرا كبيرا من نفوذها على ملفين بالغي الحساسية في الشأن الفلسطيني.
تهدئة غزة
ولفتت الورقة إلى أن الملف الأول وهو (التهدئة في قطاع غزة)؛ اتسع فيه النفوذ القطري، بعدما نجحت الوساطة القطرية في التوصل لتهدئة متبادلة بين الحركات الفلسطينية والاحتلال بعدما فشلت الجهود المصرية في تحقيق اختراق في هذا الملف.
وأوضحت أن توسع النفوذ القطري وتأثيره على الساحة الفلسطينية يعود لسببين:
الأول، أن الدوحة تحظى باحترام وثقة الفلسطينيين على المستويين السياسي والشعبي، لا سيما في ظل موقف الدوحة الأخير من عمليات التطبيع الخليجية.
والثاني، يتعلق بكون الجانب الصهيوني بات يجد في الدوحة الوسيط الأكثر حسمًا في تدخلاته، نظرًا لما تملكه قطر من رصيد اجتماعي وإنساني وسياسي واقتصادي في غزة، والذي جعلها ذات كلمة مسموعة.
الدور التركي
أما الملف الثاني فهو استضافة تركيا لجولة المفاوضات بشأن المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس لمدة ثلاثة أيام (22 ــ 25 سبتمبر 2020م)، حيث حضر عن حماس إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة، ونائبه صالح العروري.
وأضافت "شارك وفد فتح برئاسة اللواء جبريل الرجوب، وروحي فتوح، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح؛ الأمر الذي مثَّل صدمة داخل دوائر صنع القرار بنظام الانقلاب في مصر؛ حيث اعتبرت قيادات النظام السياسية والأمنية أن تجاوز القاهرة في هذه المحادثات بشأن المصالحة وقبلها في ملف التهدئة مع الاحتلال الذي رعته قطر ونجحت في تحقيقه. وأوضحت أن ذلك مثل تهميشا مقصودا من جانب الحركات الفلسطينية للدور المصري.
وخلصت الورقة إلى أنه بذلك فقدت القاهرة تأثيرها ونفوذها السابق؛ بعدما تعاظم نفوذ الدوحة بالملف بالأمني، وأنقرة بملف المصالحة بالإضافة إلى تكثيف روسيا اهتمامها في ملف قطاع غزة، من خلال تنسيقها مع حركة "حماس". المخاوف المصرية أيضا تتعلق بتعاظم النفوذ التركي في الجارتين لمصر ، ليبيا غربا وغزة شرقا؛ وبالتالي فإن النفوذ التركي بات يحاصر القاهرة في قلب ما يعتبره نظام السيسي جزءا من الأمن القومي المصري.
استياء فلسطيني
وأوضحت الورقة أن هناك حالة استياء فلسطيني واسع من المواقف المصرية التي تنحاز بشكل سافر لمواقف الاحتلال، باعتبار النظام في القاهرة هو عرَّاب التطبيع الأول مع الصهاينة؛ فالقاهرة أول من أبرمت اتفاق تطبيع مع الاحتلال سنة 1979م، وبذلك هي من فتحت الباب أمام باقي الخراف العربية الضالة نحو حظيرة الاحتلال والاعتراف بمشروعية الأراضي العربية التي جرى اغتصابها ظلما وعدوانا.
وأوضحت أن المواقف المصرية المخزية مؤخرا، ومنها الترحيب الحار بالتطبيع الإماراتي البحريني السوداني مع الاحتلال رغم الأضرار الكبرى التي تهدد الأمن القومي المصري والعربي على حد سواء.
ولفتت إلى أن الجيش المصري يتعامل مع القطاع معاملة العدو لا الشقيق وهو ما يتمثل في المشاركة في الحصار الصهيوني على القطاع منذ 2007م، وغمر الحدود بالمياه المالحة وتشييد جدار حديدي وخرساني بطول الحدود مع القطاع بعد تدمير كافة الأنفاق التي كانت تمثل رئة للقطاع يتم من خلالها تهريب السلع والبضائع والسلاح، وفي سبتمبر 2020م، قنص الجيش المصري 3 صيادين فلسطينيين، قتل منهم اثنان شقيقان.
وفي أعقاب اجتماعات المصالحة في القنصلية الفلسطينية بتركيا شنت الآلة الإعلامية لنظام السيسي هجوما ضاريا على حركة حماس وعادت تتحدث عن الحركة باعتبارها تنظيما إرهابيا وفرعا من فروع الإخوان المسلمين وهي الحملات التي توقفت منذ عدة سنوات!.
عباس ورؤيته
وعن موقف السلطة أشارت إلى تفسير يرى أن موقف السلطة يمثل تحولا ضخما وهائلا؛ وفي جوهره استفزاز لنتنياهو التي تبدي مخاوفها من تعاظم النفوذ التركي في المنطقة، كما يمثل استفزازا لمحور تحالف التطبيع العربي (مصر ــ الإمارات ــ السعودية)؛ فأبو مازن يدرك تماما أن نظم التطبيع العربي مريضة بفوبيا الأتراك وتصيبها حالة من المس الشيطاني كلما ذكر أمامهم اسم الرئيس التركي.
وأضافت أن "موقف أبو مازن" هو مجرد تكتيك يستهدف به كسب المزيد من الوقت؛ حتى تسفر الانتخابات الأمريكية عن الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية، وهي الانتخابات التي بدأت في أكتوبر وسوف تظهر نتائجها في أواخر نوفمبر 2020م، وهي النتائج التي ستنعكس بشكل كبير على مستقبل المشهد الفلسطيني؛ فإذا جرى إعادة انتخاب دونالد ترامب لولاية ثانية، فإن الوضع سيبقى على ما هو عليه.