قالت دراسة تحليلية إن إيران اعترفت بالنظام الإنقلابي في مصر بعد 30 يونيو والذي أطاح بالتجربة الديمقراطية التي أفرزتها ثورة 25 يناير 2011، والتي سَبَق أن أيَّدتها طهران ومدحها المرشد العام للثورة الإيرانية على خامنئي.
وأضافت أن تناقض إيران -بالانقلاب على ثورة يناير التي أيَّدتها بشدة واعتبرتها امتدادًا لثورتها أوضح سياستها البراجماتيَّة- أوقعها في خط السير مع مسار التطبيع مع السيسي الذي فاق مبارك في حصاره لقطاع غزة وتبعيته لأمريكا وتعاونه مع الكيان الصهيوني.
الوضع الحالي
الدراسة التي جاءت بعنوان "العلاقات الإيرانية المصرية خلال الفترة 2010 -2020" للباحث د. أحمد حسين، أستاذ الدراسات الإيرانية، ونشرها موقع مسار للدراسات الاجتماعية أشارت إلى أن العلاقات الإيرانيَّة المصريَّة قد عادت في عهد السيسي وانقلابه العسكري إلى ما كانت عليه في عهد حسني مبارك.
وفصلت أن طهران الآن ما بين محاولاتٍ إيرانيَّةٍ للتواجد على الساحة المصريَّة بشكل "رسمي" من خلال التعاون مع نسخةٍ جديدةٍ من مبارك الذي سبق أن وَصَفه خامنئي بالخائن والعميل والمعادي للإسلام، وهو السيسي الذي فاق مبارك في تبعيَّته للغرب وولائه للكيان الصهيوني وحرصه على إرضاء دول الخليج التي موَّلت انقلابه ودعمته بكلِّ ما أوتيت من قوَّة، وعودةٍ مصريَّةٍ إلى اللعب بورقة إيران في التعامل مع الخليج والكيان الصهيوني وأمريكا للحصول على أقصى ما يمكن الحصول عليه لمصلحة النظام الانقلابي وتثبيتًا لأركانه.
التشفي في الإخوان
وأضافت أن موقف الإعلام الإيراني ورجال الدين الإيرانيين من انقلاب 30 يونيو أسبق من الموقف الرسمي، فقد عَلَت نبرة التشفي من الرئيس مرسي وطغت روح الانتقام منه على الخطاب الإعلامي والديني، حيث شرع الإعلام في كيْل الاتهامات له ولجماعة الإخوان لتكريس صورة ذهنيَّة سلبيَّة تدعم الموقف الرسمي المُنقلِب عليه وتبرره.
وأشارت إلى احتفاء خطباء الجمعة التابعين للدولة بالانقلاب، حتى إن إمام الجمعة في أردبيل اتهم الرئيس مرسي بأنه كان بصدد خيانة القضيَّة الفلسطينيَّة بتبعيته لأمريكا والأنظمة الاستكباريَّة. موضحة أن الأمر وصل بالبعض إلى القول بأن ما يلاقيه أنصار الرئيس مرسي من قتل على يد الانقلابيين هو عقاب لهم على سفك دماء الشيخ حسن شحاته ورفاقه.
وأبانت أن موقف إيران من الناحية الرسمية تجلي بعد أسبوع كامل لصياغة موقفها من الانقلاب، لأنها كانت بين خيارين أحلاهما مر: إمَّا تأييد الانقلاب للتخلص من مواقف الرئيس مرسي المعادية لحلفاء إيران في المنطقة، وهو ما يمثل لها إحراجًا بسبب انتماء الرئيس إلى التيَّار الإسلامي ومجيء نظامه بعد ثورة ادَّعى الإيرانيون أنها موجة من موجات الثورة الإسلاميَّة في إيران، أو إدانته، وهو ما يُعرِّض مساعيها للتطبيع مع مصر للخطر ويؤثر على مصالحها في مصر والمنطقة.
وتوصلت بعد الأسبوع إلى بيان تلاه المتحدث باسم الخارجيَّة الإيرانيَّة عباس عراقجي في 7 يوليو استنكر فيه الانقلاب العسكري على رئيس مصر المنتخب ديمقراطيًّا، ولكنه لم يُسمِّه انقلابًا، وأعطى في الوقت نفسِه مشروعيَّة لـ30 يونيو بقوله إن "مصر تواجه معضلتين رئيسيتين: الأولى هي مطالب الشعب التي يجب تحقيقها، والأخرى هي عدم كفاءة الرئيس مرسي في إدارة البلاد، خاصَّة الشئون الخارجيَّة".
اعتراف رسمي
وقالت الدراسة إن إيران لاحقا سعت إلى تخفيف آثار بيان عراقجي بعدما اعتبرته "الخارجيَّة المصريَّة" الانقلابية تدخلًا في شئون مصر، وبدأت في التعامل مع النظام الانقلابي والاعتراف العملي به. وكانت البداية مع اتصال وزير الخارجيَّة الإيراني في 13 يوليو بمحمد البرادعي، نائب الرئيس المؤقت عدلي منصور، لتأكيد احترامه لما سَمَّاه مواقف الشعب المصري ومطالبه في ما يتعلَّق بمستقبله السياسي. ثم أكَّد الوزير الإيراني بعد ذلك أن مصر دولة محوريَّة لها دور مؤثر ومهم في المنطقة، وأن الشعب المصري هو الذي يجب أن يُحدِّد مصيره بنفسِه، وأن الجيش المصري جيش وطني، وأن ما يجري فتنة مدمرة.
تناقض مواقف
ورصدت الدراسة تناقض مواقف إيران بين بيان للتنديَّد بمجزرة رابعة والنهضة، وتحدثت عن دعم أمريكي للمذبحة التي نفذها الجيش المصري، وهي نفسها إيران التي وافقت على تلبية الدعوة المصريَّة لحضور مراسم تنصيب السيسي (…) في 8 يونيو 2014م، وأرسلت مساعد وزير الخارجيَّة الإيراني للشئون العربيَّة والإفريقيَّة، حسين أمير عبداللهيان، نائبًا عن الرئيس روحاني لحضور المراسم، وكان لافتًا لأنظار الحضور حرارة المصافحة بينه وبين السيسي، حتى إن بعض الصحف وَصَفت ذلك بأنه "تجاوز لحدود البروتوكولات".
وأشارت الدراسة إلى كلمة "عبداللهيان" فاعتبرته لا يخرج عن كلام قيل في نهاية عهد مبارك ومرحلة المجلس العسكري وعهد الرئيس مرسي، من جانب التأكيد على أهميَّة دور مصر العربي والإسلامي، وأن العلاقات في تقدُّم، وأن إيران على استعداد للتعاون الوثيق مع الحكومة المصريَّة وجاهزة لتقديم المساعدة لمصر في جميع المجالات الاقتصاديَّة والتجاريَّة، وأن هناك أطرافًا لا ترغب في التقارب بين مصر وإيران، وأن أمن مصر هو أمن إيران وأمن إيران هو أمن مصر.
وعوضا عن حضوره، حملت كلمات ممثل خارجية طهران اعترافًا إيرانيًّا صريحًا بنظام السيسي، حيث ذكر أن انتخابه كان خطوة إلى الأمام، وأن حضوره إلى القاهرة على رأس وفدٍ رسمي هو احترام لإرادة الشعب المصري، وأن في مصر الآن وضع جديد وسوف تتعامل معه إيران، وتمنى أن يُعيد الرئيس الجديد "مصر الحقيقيَّة"، وألَّا يرتكب "أخطاء" الرئيس مرسي.
مسافة السكة
واعتبرت الورقة أن سياسة مصر الخارجيَّة بعد الانقلاب العسكري بالبحث عن مصالح النظام الحاكم الذي يعاني من حساسية مفرطة تجاه شرعيته، وهي السياسة التي تقوم على استرضاء جميع الأطراف الإقليميَّة والدوليَّة، ولهذا فقد لعب السيسي على التناقضات والخلافات بين إيران ودول الخليج، حيث أكَّد على أن العلاقة مع إيران تمر عبر الخليج العربي، وأن أمن مصر لا ينفصل عن أمن الخليج.
وأوضحت أنه –السيسي- لم يغلق باب التعاون والتفاهم مع الإيرانيين في نفس الوقت، وهو ما اتضح من دعوة الرئيس روحاني لحضور مراسم تنصيب السيسي والتفاهم بين البلدين حول بعض القضايا الإقليميَّة، مثل قضيتي سوريا واليمن.
لقاء ظريف
والتقى وزير خارجية الانقلاب سامح شكري بنظيره الإيراني جواد ظريف في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعيَّة العامَّة للأمم المتحدة في أكتوبر 2016م نموذجًا بارزًا للعب النظام المصري بورقة الخلافات الإيرانيَّة الخليجيَّة لمصلحته.
وعن أصداء اللقاء الذي كان يحمل المصالح، أعقب اللقاء تصويت مصر للرؤية الروسيَّة فيما يخص القضيَّة السوريَّة في مجلس الأمن خلافًا للرؤية العربيَّة، وهو ما جعله أقرب إلى إيران وروسيا والنظام السوري منه إلى الدول العربيَّة التي أيَّدته في الانقلاب، ما دفع السعوديَّة إلى وصف موقف مصر بالمؤلم.
وشبيه بهذا موقف النظام المصري من أزمة اليمن، حيث شاركت مصر مشاركة محدودة في عاصفة الحزم في الوقت الذي أكَّد فيه السيسي على أن الحل السلمي هو الأفضل لليمنيين، وسط إشادة كبيرة من إيران التي تبذل جهودًا حثيثة لوقف عملية عاصفة الحزم وبدء حوار مع الحوثيين دون شروط. بل واستقبلت مصر الحوثيين وسمحت لهم بمهاجمة عاصفة الحزم من على أرضها.
المصالح وفقط
ولخصت الدراسة تعامل إيران مع الشأن المصري خلال السنوات العشر الأخيرة بطريقة براجماتيَّة –مصلحية- واضحة، حيث سَعَت إلى تطبيع علاقاتها مع مصر للاستفادة من وضعها العربي والإسلامي في تحقيق مصالحها في المنطقة، وأوضحت أنه لهذا أيَّد النظام الإيراني الثورة المصريَّة في 25 يناير، وشجع الثوار على اجتثاث نظام مبارك – الذي يئس من التطبيع معه – من جذوره، متهمًا إيَّاه بالخيانة والعمالة ومعاداة الإسلام، لاعترافه بالكيان الصهيوني وتبعيته لأمريكا ومعاداته للمقاومة الفلسطينيَّة.
وأضافت أن إيران استغلت الفترة الانتقاليَّة التي حكم فيها المجلس العسكري في التواصل مع النخب المصريَّة من جميع الأطراف، دون انتظار لعودة العلاقات الرسميَّة.
وكشفت أن النظام الإيراني رحب بوصول الرئيس مرسي إلى الحكم، ظنًا منه أنه سوف يتجاوب مع رغباته في قيام تحالف استراتيجي بين إيران ومصر، ولكن سرعان ما دَبَّ الخلاف بين الطرفين وتغيَّرت نظرة الإيرانيِّين لمرسي الذي كان يرغب في تقوية علاقته مع دول الخليج، وكان يدعو لإسقاط نظام بشار الأسد الحليف لإيران ويهاجم حزب الله اللبناني لدوره في سوريا.
وأضافت أن فترة حكم مرسي شهدت بعض الأحداث التي وترت العلاقة بين الطرفين، مثل مهاجمة بيت السفير الإيراني في القاهرة ومقتل الشيخ الشيعي حسن شحاته ورفاقه.