مهزلة نجل القاضي.. دلالات ورسائل غير صادمة!

- ‎فيتقارير

واقعة نجل المستشار الذي كان يقود سيارة مع حفنة من زملائه ثم تعامل بازدراء واحتقار لأحد أمناء الشرطة لمجرد أنه استوقف السيارة وطالبهم برخصة القيادة فرد عليه: وأين كمامتك؟ انت مش عارف انت بتكلم ابن مين؟ ثم انهال على أمين الشرطة بأقذع الشتائم، مؤكدا أنه لا يمكن سجنه بل هو من يسجن الآخرين؛ استنادا إلى نفوذ أبيه المستشار؛ تمثل رسالة ودلالة غير صادمة!

لماذا هي رسالة غير صادمة؟

لأن هذه الحادثة لو كانت في بلد يتمع حقا بحكم القانون ونظام له شرعية شعبية ودستورية حقيقية وتحظى مؤسسة العدالة فيه باستقلال حقيقي لكان هذا المشهد صادما؛ أما وأن مصر ترزح تحت حكم عسكري  اغتصب السلطة بقوة السلاح عبر انقلاب عسكري، وجرى العصف بالإرادة الشعبية في أنزه انتخابات شهدتها مصر في تاريخها كله، ثم جرى اعتقال الرئيس المنتخب بإرادة الشعب الحرة واغتياله وقتل آلاف المصريين من أنصاره برصاص الجيش والشرطة وتلفيق التهم الجزافية لعشرات الآلاف من أشرف وأنبل أبناء مصر؛ فإن ما فعله ابن المستشار ليس صادما على الإطلاق؛ بل هو تعبير  حقيقي وشفاف لمصر الحقيقية؛ مصر المقهورة التي ترزح تحت احتلال عسكري بالوكالة لخدمة أجندة رعاته في الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وأبو ظبي والرياض.

الجانب الثاني، أن مشهد ابن المستشار وزملائه مع أمين الشرطة ثم بث ذلك مباشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ثم العودة وإهانة أمين شرطة آخر وبث ذلك مباشرة، ثم خروج نجل المستشار متحدثا بعجرفة وكبر عن نفوذ والده الذي خرج معتذرا ثم عاد نجله للحديث بازدراء واحتقار من جديد؛  لم يكشف شيئا جديدا وصادما فهذه هي مصر؛ أليس من يصلون إلى المناصب العليا هو أبناء طبقة معينة يمثلون مافيا أو شبكة مصالح تستغل جميع مؤسسات الدولة لخدمة مصالحها؟ أليست المناصب الحساسة في كل مفاصل الدولة تتم بالمحسوبية والوراثة؛ فابن ضابط الجيش يخرج ضابطا بالجيش، وابن ضابط الشرطة يخرج طابط شرطة، وابن القاضي يجري تعيينه حتى لو كان متخلفا دراسيا في السلك القضائي، وأبناء الموظفين الكبار يجري تعيينهم في مناصب حساسة بالدولة بحسب امتياز أحقية أبناء العاملين الذي جرى سنه كمعيار فاسد في جميع دواليب ومؤسسات الحكومة؟!

لماذا العجب وإبداء مظاهر الصدمة والدهشة رغم أننا جميعا نعلم أن نجل المستشار هذا الذي أبدى كل مظاهر سوء الأدب والخلل النفسي والسلوكي، سوف يتم تعيينه ــ حتى لو كان فاشلا في دراسته ــ في  السلك القضائي أو أي جهة "سيادية" أخرى ليمارس ساديته التي ورثتها عن أبيه على جموع الشعب المصري الذي يجري التعامل معه منذ عقود طويلة كقطيع من العبيد في بلد محتل بمعنى  الكلمة؟!

منطق العصابة

ما فعله ابن المستشار ــ حتى لو جرى ضبطه ووضعه في إصلاحية للأطفال بشكل صوري مفتعل ؛ لتهدئة الرأي العام بعد فضح مواقع التواصل الاجتماعي لما جرى وانتشاره على نطاق واسع ــ هو  برهان جديد رغم أننا لسنا بحاجة إلى براهين جديدة للتأكيد على أن مصر تدار بمنطق العصابة، لكنه يتطابق مع سلوك الصحفي الأمنجي عبدالرحيم علي عندما جرى تسريب مكالمة له مع طليق ابنته يشتم فيها البلد ويؤكد أنه فوق القانون ولا يمكن محاكمته أو استدعائه إلى النيابة حتى لو أراد السيسي نفسه ذلك؛ وراح يشتم البلد والنظام والسيسي والقانون؛  مؤكدا أنه يملك من الأسرار والأدلة ما يدين الجميع؛ فهل هناك فرق بين ما فعله نجل المستشار وما فعله عبدالرحيم علي؟ كلاهما يمثل مرآة تعكس حقيقة الأوضاع المؤلمة لمصر المقهورة  من جيشها وشرطتها والمؤسسات التي تمردت على الشعب وتسلطت عليه بالحديد والنار.

العجيب في الأمر أن الداخلية قامت بتكريم أمين الشرطة الذي تلقى الإهانة بصدر رحب؛ رغم أن هذا الأمين ارتكب مخالفات وجرائم؛ أولها أنه أخلّ بواجبات وظيفته لأنه ترك طفلا حدثا يقود سيارة بدون حمل رخصة قيادة، ولا رخصة سير للسيارة، وهذه جرائم تستوجب الاستيقاف، والتحفظ على المركبة، وعرضه على النيابة. كما أن أمين الشرطة شهد زورا في محضر رسمي، وأدلى بشهادة مغايرة للحقيقة لمساعدة متهم على الإفلات من العقاب، وقال إن الطفل عاد واعتذر له، رغم نشر فيديوهات تثبت كذب شهادته، وما حدث كان يوجب عقابه، وليس تكريمه".

مشهد نجل القاضي يمثل  دليلا ضمن ملايين الأدلة على أن مصر تدار بواسطة النفوذ وليس بقوة القانون الذي جرى وضعه في تحت الأقدام؛ فالضباط وأمناء الشرطة يتعاملون مع أبناء الأثرياء وأصحاب النفوذ باحترام كبير ويتغاضون عن مخالفاتهم وجرائمهم في الوقت الذي يبدون فيه أعلى صور الحدة والغلظة ضد أبناء الفقراء.  وقد تداولت مواقع التواصل الاجتماعي كيف يتم التعامل مع أبناء الفقراء الذين يعملون على تكاتك من أجل  توفير لقمة العيش لأسرهم في ظل أوضاع بالغة الصعوبة وغلاء فاحش طال كل شيء، لكنهم يداس عليهم بعنف ويقهرون قهرا بالغا يترك في نفوسهم غضبا يكفي لإحراق العالم كله وقد أوشك على الانفجار ليطيح بالعصابة والمافيا المغتصبة للبلاد؛ يراه الطغاة بعيدا ونراه قريبا.

منظومة الجهات السيادية

ما فعله نجل المستشار يعيد إلى الأذهاب الفيلم الكوميدي الرائع "فبراير الأسود" الذي قام ببطولة الفنان الراحل خالد صالح،  وأبدع هو وفريق العمل في التعبير عن رسالة  الفيلم؛ والتي تدور حول أسرة أستاذ جامعي، تبحث عن الأمن والأمان؛ لكنها تدرك أن الحصول على هذا يتطلب أن يكون أحد أفراد الأسرة  عضوا في أي جهة سيادية من الطبقة الحاكمة للبلاد، وهي  منظومة الجهات السيادية (الجيش ــ المخابرات) ومنظومة العدالة (القضاء ــ الشرطة) ومنظومة الثروة وهم رجال الأعمال والذي يمثلون ضلعا مهمها في شبكة المافيا الحاكمة. وقد أبدع صالح في أحد مشاهد الفيلم عندما تحدث عن هذه الجهات السيادية التي تحظى بالأمن والأمان وكل الامتيازات في  البلد لهم ولأسرهم وأبنائهم  إلى يوم الدين، بينما العلماء وأساتذة الجامعات والأطباء  والمهندسين والمعلمين وكل المخلصين من أصحاب المهمن المختلفة، ليس لهم إلا الضرب بالجزمة ويمكن العصف بهم وبأمنهم الشخصي والأسري في أي لحظة إذا غضبت عليهم إحدى هذه الجهات السيادية. فهل تمتلئ سجون مصر ومعتقلاتها اليوم إلا بعلماء مصر ومفكريها؟!

 مشهد نجل القاضي يؤكد أن مصر هي بلد "الأكابر" بلد المنتمين إلى ما تسمى بالأجهزة "السيادية" الجيش والشرطة والقضاء فهم وأبناؤهم في مأمن يتمتعون بنفوذ واسع وامتيازات لا حصر لها بينما يقبع أكثر من 95% من الشعب المصري في فقر مدقع ومذلة وانتهاكات لا حصر لها من جانب النظام وأجهزته الأمنية. فمتى ينتفض الشعب من جديد ليطيح بمنظومة الظلم والظالمين ويتحرر من العصابة التي تكبله لخدمة مصالحها ومصالح رعاتها في الخارج؟ متى ينتفض المصريون لتحرير مصر من شلة الأوغاد التي تغتني كل يوم بينما تزداد مصر وشعبها فقرا وجهلا وتخلفا؟!