نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للدكتورة سارة خورشيد الأستاذ بالجامعة الغربية الكندية، حول تداعيات فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة على الحكام المستبدين والمنقلبين في مصر والمملكة العربية السعودية.
وحسب المقال الذي ترجمته "الحرية والعدالة"، فقد توتر الحكام المستبدون من القاهرة إلى الرياض، بشأن ما قد تعنيه إدارة بايدن لعلاقتهم مع واشنطن.
ورأت كاتبة المقال أنه عندما قال جو بايدن ليلة الأربعاء إن "الديمقراطية تنجح"، ضرب على وتر العديد من الديمقراطيين في جميع أنحاء العالم، وليس فقط بالنسبة للأمريكيين الذين صوتوا له في منصبه، ولكن كما كان التقدميون داخل الولايات المتحدة وخارجها يبتهجون، ويشعرون بالارتياح لرؤية إيمانهم بالديمقراطية قد تم التحقق من صحته، فإن معارضي الديمقراطية كانوا يتابعون بعصبية الانتخابات الرئاسية الأمريكية ويراهنون على فوز دونالد ترامب، وهو ما لم يحصلوا عليه.
ومن الأمثلة على ذلك الحكام المستبدون الذين تشكل الديمقراطية تهديدًا لهم، وعلى الأخص في مصر والمملكة العربية السعودية، ومن السهل أن نرى لماذا أرعب فوز بايدن قادة البلدين، كان عبد الفتاح السيسي والحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، ولي العهد محمد بن سلمان، قد اعتمدا سياسات غير ديمقراطية وأشرفا على انتهاكات حقوق الإنسان سواء كان ترامب في منصبه أم لا، لكن رئاسته سمحت لهما بالقيام بذلك بمزيد من الثقة والسهولة، كانوا يعرفون أنهم لن يواجهوا تحديًا أخلاقيًا خطيرًا من واشنطن مهما ذهبوا في قمعهم لمواطنيهم.
خلال السنوات الأربع التي قضاها ترامب في الرئاسة، كان مؤيدو الديمقراطية وحقوق الإنسان وحيدين بشكل ملحوظ وتغلبوا على ساحة دولية بدت فجأة مختلفة جدًا عما كانت عليه قبل عام 2016، ففي صيف عام 2018، على سبيل المثال، عندما دعا وزير الخارجية الكندي إلى إطلاق سراح اثنين من المعتقلين السياسيين في المملكة العربية السعودية، بالغت الرياض في رد فعلها، وطردت السفير الكندي، وعلقت رحلاتها من وإلى تورونتو، وسحبت آلاف الطلاب السعوديين من المدارس والجامعات الكندية، وجمّدت التجارة والاستثمارات المستقبلية مع هذا البلد الواقع في أمريكا الشمالية، كان تردد واشنطن في مساعدة جارتها وشريكها منذ فترة طويلة أكثر إثارة للصدمة من العاصفة السعودية من التدابير العقابية ضد أوتاوا.
لكن أكبر جائزة للرياض من ترامب جاءت بعد بضعة أشهر، عندما أفلت محمد بن سلمان من مقتل المعارض السعودي جمال خاشقجي، تم تقطيع أوصاله بمنشار عظم في قنصلية بلاده في تركيا، وصدم العالم، وخلصت وكالة الاستخبارات المركزية إلى أن اغتياله كان بأمر من ولي العهد السعودي.
وعلى الرغم من الأدلة الدامغة من وكالات استخباراته الخاصة، لم يستطع ترامب حشد أكثر من الانتقادات الدقيقة وغير المباشرة التي تراجع عنها بسرعة، ثم أكد من جديد أن المملكة العربية السعودية "كانت حليفًا كبيرًا في معركتنا الهامة جدًا ضد إيران، وتعتزم الولايات المتحدة أن تظل شريكا ثابتا للمملكة العربية السعودية لضمان مصالح بلدنا وإسرائيل وجميع الشركاء الآخرين في المنطقة، إن هدفنا الأسمى هو القضاء الكامل على خطر الإرهاب في جميع أنحاء العالم".
وثمة حليف مقرب آخر لترامب هو السيسي المصري، الذي وصفه الرئيس المنتهية ولايته بصراحة بـ "ديكتاتوري المفضل" في قمة مجموعة السبع في فرنسا في عام 2019، وكان السيسي قد بدأ بالفعل حملة قمع شديدة ضد المعارضين والنشطاء عندما كان باراك أوباما في البيت الأبيض، ويقدر عدد السجناء السياسيين في البلد حاليا بما لا يقل عن 000 60 سجين.
وحالات الاختفاء القسري متكررة لدرجة أنها أصبحت طبيعية، السجون مكتظة، وهناك العديد من التقارير عن التعذيب في السجون المصرية، وفي حين أن هذه الحملة كانت بالفعل على قدم وساق قبل انتخاب ترامب في عام 2016، إلا أن استمرارها مع استمرار القسوة، منذ استيلاء السيسي على السلطة في عام 2014 وحتى الآن، أمر نادر وأسوأ مما كان عليه في العقود القليلة الماضية – حتى في عهد حسني مبارك.
كان النظام معزولًا سياسيًا إلى حد كبير على المستوى الدولي، خاصة بعد أن انقلب السيسي، القائد العسكري لمصر آنذاك، على الرئيس الشهيد محمد مرسي في عام 2013، في ذلك الوقت، كان أوباما في البيت الأبيض، ورد على ما اعتبرته إدارته خطوة غير ديمقراطية في مصر من خلال فرض خفض جزئي ومؤقت للمساعدات الأمريكية لمصر.
وفي نهاية المطاف، أعيدت المساعدات في عام 2015، لكن العلاقات الثنائية ظلت متوترة بعد أن بعث أوباما برسالة واضحة مفادها أنه لم يكن مرتاحًا لأن يُنظر إليه على أنه ودود تجاه الحكام الاستبداديين، في ذلك الوقت، رأى النقاد أن رد فعله غير مجدٍ، لكن العالم عاش الآن ليدرك أهميته، مقارنة بسياسات ترامب وموقفه تجاه السيسي، محمد بن سلمان، والسياسيين ذوي التفكير المماثل من البرازيل إلى المجر إلى بيلاروسيا، حيث ردد ألكسندر لوكاشينكو – وهو زعيم آخر محاصر يرفض التنحي – ترامب قبل بضعة أيام، قائلًا إن الانتخابات الأمريكية كانت مزورة.
ولكن الأمر لا يتعلق بالسياسة الخارجية فحسب، إن سبب القلق الذي يثيره اليوم بين الحكام غير الديمقراطيين لا يتعلق فقط بأي خلافات ملموسة يتوقعونها بين سياسات ترامب وبايدن، كما يخشى الطغاة من تعزيز الفكرة القوية بأن "الديمقراطية ناجحة"، إن المصريين الذين يبتهجون اليوم سعداء برؤية أخلاق ترامب تذهب، لكنهم أيضًا مستوحون من آليات الديمقراطية التصحيحية الذاتية.
وبغض النظر عن مدى محاولة ترامب استخدام السلطات الممنوحة له بموجب الدستور الأميركي لتغيير النظام لصالحه (على سبيل المثال، التسرع في تعيين إيمي كوني باريت في المحكمة العليا)، فإن النظام لا يزال يمنح الشعب الأمريكي الوسائل للتصويت له خارج منصبه، هذا لا يحدث في مصر السيسي، عندما أعلن سامي عنان عن نيته الترشح للرئاسة ضد السيسي في عام 2018، وضعه السيسي في السجن، وتم إغلاق الموضوع.
والشعب المصري لم يستسلم، وبعد مرور عام، ساروا في احتجاجات نادرة ضد حكم السيسي حتى أدركوا تمامًا المخاطرة التي كانوا يتعرضون لها في ظل رئيس كان يحاصر المتظاهرين بشكل جماعي ويعتقلهم حتى يتم نسيانهم، وتم قمع الاحتجاجات.
وتابع التقرير: "إن انتخاب بايدن يعيد الأمل هذا عن أمريكا، لكنها أكثر من مجرد أمريكا، إذا كان بايدن يرى حقًا الولايات المتحدة على أنها "منارة للعالم"، وكان العديد من الأميركيين وغير الأمريكيين متلهفين لتصديقه، فعليه أن ينقطع عن سياسات ترامب تجاه الحكام المستبدين، بمن فيهم السيسي ومحمد بن سلمان، وهذه ليست دعوة لسياسة خارجية أمريكية متدخلة، فالولايات المتحدة تتدخل بالفعل في بلدان مثل مصر والمملكة العربية السعودية بفضل المساعدات العسكرية السخية ومبيعات الأسلحة وغيرها من وسائل النفوذ التي استمرت إلى حد ما في ظل الإدارات الأمريكية اللاحقة لعقود، وهذه حقائق على أرض الواقع، ويمكن استخدامها، وقد استخدمت، كأوراق مساومة".
وأردف: "كما أن هذه ليست دعوة لبايدن أن يُدير على نظرائه بطريقة أو لهجة يمكن أن تجلب عن حق انتقادات واتهامات صحيحة للولايات المتحدة الجديدة، أو إنهاء علاقات طويلة الأمد، أو رفض أهمية حرب الدولة المصرية ضد الجماعات التابعة لتنظيم الدولة في منطقة شمال سيناء، بل إنها دعوة إلى بايدن لكي يكون وفيًا للديمقراطية والقيم الديمقراطية التي يرمز إليها انتخابه، على سبيل المثال، إطلاق سراح المعتقلين السياسيين في مصر والمملكة العربية السعودية هو خطوة يمكن تحقيقها ينبغي على بايدن أن يسعى إلى تحقيقها".
واختتم التقرير:"من المهم الآن أكثر من أي وقت مضى أن نثبت أن الديمقراطية مهمة – في الداخل والخارج – حيث كان يُخشى أن تكون هذه القيم على المحك في عهد ترامب، برحيله، حان الوقت لندافع عنهم مرة أخرى".
رابط المقال: