غالبا ما تلجأ النظم العسكرية لأساليب قذرة في إدارة شعوبها والتحكم في حياتهم، لتوجيههم إلى المساحات التي يريدها النظام، من استكانة وإخضاع وتسليم بالأمر الواقع. ومع فشل السيسي في إسكات الشباب والغضب في الطبقة الوسطى والمثقفين والمعارضين ورافضي الانقلاب، توجه السيسي بقوة نحو تكميم أفواه الغلابة والفقراء، الذي يمثل غضبهم وثورتهم المرتبطة غالبا بالحوع والفقر والغلاء وسياسات الهدم والإزالات، خطرا كبيرا على النظام بكل تفاصيله.
وتشي التطورات المجتمعية في مصر باتخاذ سياسات رأسمالية متوحشة، سواء بتقليص الدعم عن السلع والمنتجات والطاقة والتموين ورغيف الخبز، أو فتح أبواب التصدير أمام السلع التي يحتاجها السوق المحلي بقوة، ما تسبب في زيادة الأسعار بصورة كبيرة للطماطم، التي ارتفعت بأسواق التجزئة بنسبة تفوق عن 200%…وفي الوقت نفسه يستهدف الفلاحين والمزارعين بنفس السياسات العدائية من رفع أسعار السماد ومستلزمات الإنتاج وفتح أسواق الاستيراد للسلع في وقت موسم حصادها مما يزيد من معاناة الفلاح ويخرب بيته.
ارتفاع الأسعار
وكان نقيب الفلاحين حسين أبو صدام أكد أن ارتفاع أسعار الطماطم الجنوني من 5 جنيهات قبل شهر إلى 15 جنيهًا للكيلو بزيادة %200، يرجع لانخفاض المساحات المزروعة هذه العروة، نتيجة انصراف المزارعين عن زراعة الطماطم، بعد الخسائر التي تكبدوها في العروة السابقة، إذ تراوح سعر الكيلو وقتها، بين جنيه وجنيه ونصف.
وأضاف في تصريحات صحفية، أن من الأسباب الأخرى لارتفاع الأسعار، تصدير حوالى 140 ألف طن خلال الشهرين الماضيين، ما أثر على المعروض في الأسواق، بالإضافة لتأثر الإنتاج هذا الموسم نتيجة استخدام المزارعين لتقاوٍ مغشوشة.
وبحسب خبراء، ارتفاع الأسعار في أسواق الجملة إلى 10جنيهات لكيلو الطماطم، لم تشهده الأسواق منذ سنوات طوال، نتيجة تراجع المساحات المزروعة بحوالي 40% ، بعد خسائر المزارعين في العروة السابقة. ووفقًا لبيانات وزارة الزراعة بحكومة الانقلاب فإن إجمالي المساحات المزروعة بالطماطم حوالي 400 ألف فدان تنتج 7.9 ملايين طن، موزعة على 7 عروات زراعية طوال العام، وتحتل مصر المرتبة الخامسة عالميًا في إنتاج الطماطم، بعد كل من الصين والهند وأمريكا وتركيا، بحسب بيانات منظمة الأغذية والزراعة "فاو".
العدس بعد الطماطم
ومن الطماطم إلى العدس، وللمرة الثانية على التوالي خلال عام 2020، شهدت أسعار "العدس الأصفر" ارتفاعا كبيرا بأسعاره في الأسواق ليسجل سعر الطن حالياً 13,5 ألف جنيه، بزيادة ألف جنيه في أسواق الجملة، وكان سعر الطن قد ارتفع خلال شهر يناير الماضي ليسجل 12,5 ألف جنيه بدلا من 11 ألف جنيه، فيما أدت الزيادات الأخيرة في سعر طن العدس إلى حالة من الغضب العارم بين المستهلكين، وهي السلعة الغذائية التي يطلق عليها عامة الشعب المصري اسم "لحمة الفقراء"، لكونها وجبة أساسية ضرورية على موائد الفقراء ومحدودي الدخل خلال فصل الشتاء. ويرحع خبراء ارتفاع أسعار العدس في الأسواق إلى قلة المساحة المزروعة التي تصل حاليًا إلى 14 ألف فدان، منقسمة بين 8 آلاف فدان في الوجه البحري بمحافظتي الشرقية وكفر الشيخ، ونحو 6 آلاف فدان في الوجه القبلي في أسيوط وقنا، بدلاً من 50 ألف فدان خلال السبعينيات من القرن الماضي، حيث كانت مصر واحدة من أكبر مراكز إنتاج العدس في العالم.
ويُعتبر العدس من المحاصيل الغذائية المهمة بالنسبة للإنسان والحيوان، تستخدم حبوبه في غذاء الإنسان، أما تبن العدس وقشره، فيستخدمان في غذاء الحيوان، لأهمية قيمتهما الغذائية ولاحتوائهما على نسبة من البروتين.
زيادات جديدة
فيما يشير أحمد الباشا، رئيس شعبة الغلال في غرفة القاهرة التجارية، في تصريحات صحفية، إلى أن أسعار العدس الأصفر تشهد في الوقت الحالي ارتفاعا مع دخول فصل الشتاء، متوقعا أن تشهد أسعاره مزيدا من الارتفاع خلال الفترة المقبلة، ليسجل سعر الكيلو 15 جنيها في سوق الجملة و20 جنيها بسوق التجزئة.
وشدد على أن سعر كيلو العدس زاد ما يقرب من 150% خلال أربع سنوات، حيث سجل سعر الكيلو عام 2016 ما يقرب من 8 جنيهات فقط، وأوضح أن انخفاض حجم المحصول ساعد كثيرا في زيادة الأسعار.
جوع شعبك
ولعل خبراء علم النفس والاجتماع، يذهبون في تفسيراتهم لترك السيسي الباب مفتوحا للتجار والمنتفعين من الاستيراد ليرفعوا الأسعار، تحقيق هدف أبعد وهو شغل المواطن بلقمة عيشه ليتجه بعيدا عن توجيه غضبه نحو السلطة الحاكمة، على الرغم من تمتع الثلة الحاكمة بكافة المزايا الاقتصادية والاجتماعية التي تجعلهم شعبا آخر لا يشعر بالمواطن الفقير، وهو ما يشاهده المواطن عبر شاشات التلفزيون يوميا، باهتمام إعلامي الانقلاب بقضايا النخبة بعيدا عن الفقراء ومشاكلهم، فنجد الإعلاميين المقربين من الأجهزة الأمنية ينتقدون وقوف المواطن في وجه السلطة التي تريد هدم بيته أو تحطم مسجده أو ترفع أسعار مصاريف أولاده، حيث يصطف الإعلام الانقلابي دائما لصف السلطة على حساب الشعب…وهو ما ينذر بانفجار مجتمعي كبير لا يبقى ولا يذر من نظام العسكر ومصاصي دماء الشعب.