ماكرون يمنح السيسي وسام جوقة الشرف الفرنسي.. لماذا تدعم فرنسا نظاما انقلابيا؟

- ‎فيتقارير

منح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السفاح عبد الفتاح السيسي أعلى وسام رسمي في فرنسا، وهو ما يعتبر في نظر المراقبين والسياسيين اعترافا أوروبيا بأن النظم الديكتاتورية والعسكرية أعظم استثمار اقتصادي وعسكري لها في العالم الثالث، لذلك تحرص على دعمها وحمايتها وتكريمها وتوظيفها، رغم أنف شعوبها ورغم أنف القيم والأخلاق والإنسانية التي يتشدق بها الغرب. يأتي ذلك في وقت حذرت ورقة بحثية إسرائيلية من أن الغرب "سيبكي لأجيال" في حال سمح بإفشال الانقلاب الذي قاده في مصر السفاح عبد الفتاح السيسي والذي غدر في إطاره بالرئيس الشهيد محمد مرسي.
إلا الإخوان..!
ودعت الورقة التي أعدها السفير الصهيوني الأسبق في مصر تسفي مزال، الغرب إلى الإسراع في تقديم كل أشكال الدعم السياسي والاقتصادي لعصابة السفاح السيسي لعدم السماح بتوفير الأرضية لعودة حكم الإخوان المسلمين في مصر. ولفت البحث الذي صدر عن "مركز القدس لدراسات الدولة والمجتمع " الأنظار إلى ما وصفه بـ "الإنجازات" التي حققها السفاح السيسي في مدة زمنية محدودة، والتي تضمنت: شن حرب لا هوادة فيها ضد "التنظيمات الجهادية" العاملة في سيناء وتدمير الأنفاق التي تزود الفصائل الفلسطينية المقاومة في قطاع غزة بالسلاح، ورفض السماح لرئيس الوزراء التركي طيب رجب أردوغان لزيارة غزة عبر مصر.
وتعتبر فرنسا من أكبر مورّدي السلاح إلى مصر، حسب صحيفة "الجارديان" البريطانية، التي رأت في افتتاحية لها بعنوان "مصر وأوروبا: تبني الاستبداد"، أن "انعقاد القمة العربية الأوروبية في مدينة شرم الشيخ يمثّل استمراراً للدعم الأوروبي لرئيس النظام القمعي والاستبدادي في مصر السفاح عبد الفتاح السيسي، بخاصة أنها جاءت متزامنة مع تنفيذ سلطات الانقلاب أحكام الإعدام بحق عدد من المتهمين الذين تعرّضوا لعمليات تعذيب دفعتهم إلى الاعتراف بقتل النائب العام السابق في مصر".
وليس فرنسا وحدها التي تدعم سحق وقمع وقتل المصريين، بل سقطت الدول الغربية في امتحان الديمقراطية الذي تتغنى بها دوما، من خلال دعمها للانقلابات في عدة دول كمصر وليبيا وفنزويلا والأرجنتين، في الوقت الذي ابتهجت فيه لانقلاب 15 يوليو في تركيا وأدانته على استحياء، ما يُظهر التناقضات الغربية في تعاملها مع العرب والعالم الاسلامي.
واعتبر الدكتور جمال عبدالستار، أن الإرهاب صنيعة غربية للتدخل في المنطقة، وقال " إن "الانقلاب في مصر ما كان له أن يحدث، لولا الدعم الأمريكي، وبالتالي لا نستغرب من التقارب بين الجانبين، من أجل ضمان أمن واستقرار إسرائيل". وأشار عبدالستار إلى مسارعة الغرب في دعم الأنظمة الديكتاتورية، في الوطن العربي، بسبب تخوفاته من موجات الثورات العربية ونزعتها الإسلامية، وقال إن "الحرية التي يتشدقون بها مثلت لهم تهديداً حقيقياً، وهي التي استعمرت وحاربت الإسلام والمسلمين".
ويسارع الغرب إلى دعم الأنظمة الديكتاتورية والقائمة على الانقلابات في الوطن العربي والعالم، متجاهلا الحريات التي يتباهى بها والتي يعتبر وجودها في العالم العربي تحديداً مصدر قلق وتخويف له تحت ذرائع مختلفة، بخاصة تلك المنبثقة عن الثورات التي أخمدها الغرب بدعمه لحكم العسكر كما كان في مصر وليبيا.
وتحاول الدول الغربية الحفاظ على مصالحها في الشرق الأوسط وخنق أي حكم ديمقراطي، ففي الوقت الذي يدعم فيه الغرب الانقلابات في الدول التي تحاول القضاء على الديكتاتورية والتسلط والفساد، ولم يختلف الفكر الغربي القائم على العقلية الاستعمارية قبل عقود من الزمان عن اليوم، فالدول الغربية التي احتلت الدول العربية باسم الاستعمار، كانت تبحث عن مصالحها كما هي اليوم، ويتجلى ذلك بدعمها للانقلابات.
ولا تزال دول غربية تتغنى بتدميرها لدول عربية واستعمارها لها وقمع ثوراتها، كما في فرنسا التي لا تزال تحتفظ بـ18 ألف جمجمة في متحف "الإنسان"، منها 500 فقط جرى التعرُّف على هويات أصحابها، من ضمنهم 36 قائدا من المقاومة الجزائرية قُتلوا ثم قُطعت رؤوسهم من قبل قوات الاستعمار الفرنسي أواسط القرن الـ19، ثم نقلت إلى العاصمة الفرنسية لدوافع سياسية وأنثروبولوجية، حسب تقرير بثّه قناة "فرنسا 24" الفرنسية.
منح للديكتاتور

وعلى الرغم من تهالك أوضاع حقوق الإنسان في مصر وتقارير المنظمات الحقوقية عن ترديها، فإن السفاح السيسي يحظى بدعم أمريكي وأوروبي بذريعة محاربة الإرهاب، إذ أشاد وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري عام 2014 في شهادته أمام الكونجرس، بتقديم مصر مساعدات هائلة للولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب، وهو ما جعل السيسي يحصل على مساعدات ومنح عسكرية ومالية لنظامه الانقلابي، حسب صحيفة "ذا وول ستريت جورنال". وما كان للانقلاب في مصر أن يمر لولا الدعم الأمريكي والغربي الذي يضمن أمن الولايات المتحدة وإسرائيل واستقرارهما، وحصار غزة التي تعتبر مصر المنفذ الوحيد لها إلى العالم، وقمع حركات المقاومة، بالأخص حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" في غزة، وتأمين قناة السويس لعبور قواتها التي تستهدف الدول الأخرى، فالاتصالات بين القاهرة وواشنطن لم تتوقف منذ ثورة يناير حتى الانقلاب العسكري، حسب الصحيفة.
ولا يختلف السفاح السيسي الذي انقلب على الشرعية في مصر عن قائد الانقلاب في الأرجنتين الجنرال جورج فيديلا الذي جرى هناك عام 1976، فكلاهما زعما أن الانقلاب ضد نظام "منتخب ديمقراطيا" كان ضروريا لوقف الفوضى السياسية ومكافحة "الإرهاب"، وكلاهما قمعا المعارضة السلمية ووسائل الإعلام والنشطاء ومنظمات حقوق الإنسان، إلا أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما اعتذر للأرجنتين عن دعم الولايات المتحدة للانقلاب، حسب ما جاء في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، التي تساءلت في افتتاحية لها في مارس 2016، عن سبب اعتذار أوباما للأرجنتين وعدم رفضه الانقلاب في مصر وقبوله بالانتهاكات التي قالت إنها أكبر حجما وأوسع نطاقا في مصر.
وتساءلت الصحيفة عن الكيفية التي يمكن للمدافعين عن حقوق الإنسان في مصر أن يفهموا ما قاله أوباما، وواشنطن صامتة عن الكلام حاليا عن انقلاب في بلادهم ينخرط في ممارسة الجرائم التي اعتذر عنها بالأرجنتين.
وغضت أمريكا الطرف عن انقلاب الأرجنتين تسعة شهور، ثم خفضت مساعداتها العسكرية كثيراً لها وأوقفتها تماما عندما رفض الانقلابيون شروط حقوق الإنسان الأمريكية، لكن إدارة أوباما استمرت في الدفاع عن انقلاب السفاح السيسي سنتين كاملتين، وغضت الطرف عن حقوق الإنسان ومنحت نظامه 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية.
واختتمت الصحيفة بقولها إن على أوباما ألا يستغرب إذا جاء رئيس أمريكي بعد بضع سنوات، وشعر بضرورة الاعتذار للمصريين عن سلوك السفاح السيسي لكن هذا ما لم يحدث، فقد جاء الرئيس دونالد ترمب ليكمل مشوار باراك أوباما، ويزيد من دعمه للسفاح السيسي، فالتقاه وقال بصريح العبارة: "أريد أن يعرف الجميع لو كان عندهم شك، أننا نقف مع الرئيس السيسي ونتفق في الكثير من الأمور". وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن ترمب وصف السفاح السيسي بـ"ديكتاتوري المفضل"، قبيل لقائهما على هامش قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في فرنسا أغسطس 2019.
حلفاء القمع
وعلى الرغم من كل الممارسات القمعية بحق المعارضين في مصر، لم تصدر إدانات واضحة من حلفاء مصر الغربيين، فبعد خمسة أيام من بداية قمع المظاهرات التي خرجت ضد السفاح السيسي في يناير2020، التقى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون السفاح السيسي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ولم يذكر الاحتجاجات أو القمع بل كال المديح للسيسي. وقبل خمسة أيام من اندلاع التظاهرات، وصل وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط البريطاني إلى القاهرة لمناقشة الشراكة الاقتصادية المتزايدة، حسب وسائل إعلام مصرية.
وعلى الرغم من التقارير الحقوقية كتقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" الذي يفيد بأن مصر تعيش أسوأ أزمة حقوق إنسان منذ عقود، فإن أوروبا لا تزال تتعامل بدبلوماسيتها الهادئة مع مثل هذه القضايا، فهم يواصلون بناء علاقاتهم وتوفير جو من الشرعية الدولية التي يحتاج إليها السفاح السيسي لتبييض سجلّه المليء بالقمع منذ استيلائه على السلطة في انقلاب 2013، حسب الصحيفة.
ويرى قادة الاتحاد الأوروبي في عصابة السفاح السيسي عامل استقرار نادر في المنطقة، حتى لو كانت أفعاله تغذّي العنف على المدى الطويل، فمصر هي يد أوروبا القمعية التي تستطيع احتجاز المهاجرين في ظروف بائسة وخطرة بعيدا عن السواحل الأوروبية، حسب الصيحفة.
وتؤكد الكاتبة الألمانية أندريا باكهاوس في مقال نشرته بصحيفة "تسايت" الألمانية "أسباب دعم الدول الغربية لرئيس سلطة الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي، على الرغم من سياسته الاستبدادية"، قائلة: "إن العديد من الدول الغربية تعتبر أن السيسي هو الضامن للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط".