"أنا ألعب دور الطبيب الذي يبحث عن الدواء لمشكلة الوطن"، هكذا وجد ديكتاتور تونس قيس سعيد ضالته لدى صديقه طبيب الفلاسفة في القاهرة، التي زارها في إبريل الماضي، ويبدو أن صيدلية السفاح السيسي مثلها مثل الثلاجة خاصته، لا تحتوي إلا على نوع واحد فقط من السم القاتل، وهو الذي قاد انقلابا دمويا قبل 8 سنوات.
بعد عودة قيس سعيد من زيارة السفاح السيسي، سرعان ما ظهرت الوثيقة المسربة حول ترتيبه للانقلاب وهو ما حدث لاحقا، وعلى غرار ما حصل في مصر قبل ثماني سنوات، فإن الجسم الأعظم لليسارالتونسي متمثلا بالحركة العمالية، التي تعبر عنها قيادة "الاتحاد العام التونسي للشغل" قد وقع في فخ تأييد الانقلاب والتوهم وإيهام الشعب في آن واحد بأنه مجرد "تصحيح" للمسار الديمقراطي.
مثلما فعلت أبرز القوى المدنية والكنيسة والأزهر إزاء انقلاب 3 يوليو، علما بأن منظمات سياسية يسارية تونسية مثل "حزب العمال" الذي يرأسه حمة الهمامي قد أدانت تدابير سعيد وحذرت من انزلاق البلاد من جديد نحو الدكتاتورية.
صنيعة الديكتاتور
أكد قيس سعيد أن من يصف خطوته بالانقلاب لا يفقه القانون، وأن عليه العودة إلى الدراسة، وهو بذلك يكذب نصف الكرة الأرضية التي توافقت بأن ما حدث في تونس انقلاب، كما كانت إطاحة السفاح عبد الفتاح السيسي بالشهيد محمد مرسي انقلابا.
يقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي وائل قنديل: "من العبث محاولات التملص من خلال التجميل، والحديث عن إرادة شعبية دفعت الجيش إلى التحرك في مصر، أو الكلام التبريري الشكلي عن صلاحية دستورية يمنحها الدستور لموقع الرئاسة الأولى في تونس".
مضيفا "حين زار قيس سعيّد القاهرة، بدعوة من عبد الفتاح السيسي، وأكل خبزه وتحدث لغته، قلت "يبدو أن قيسا قد غافلنا جميعا، وها هو يطل علينا من شرفة زين العابدين بن علي، وعن يمينه عبد الفتاح السيسي، وعن يساره خليفة حفتر، يتضاحكون ويسخرون من تلك الرومانسية الثورية العبيطة".
وتابع "كل المغريات تجمعت في لحظة واحدة أمام شخص محدود القدرات، معدم القيمة، لكي يقدم على خطوة مجنونة يهدم بها النموذج التونسي، الذي كان كل العرب يتغنون به بوصفه الديمقراطية الوحيدة الناجية، وسط محيط هادر من الانقلابات والثورات المضادة".
وتابع قنديل "كل شيء كان يحرض قيس سعيّد على الانقلاب وتحطيم الصورة الجميلة المرسومة لتونس، فلماذا لا يفعلها وهو يرى المكافآت والجوائز تنهمر فوق كل الانقلابيين وقاتلي أحلام التغيير وكارهي الثورات المنادية بالديمقراطية والحرية؟".
وأكد "نظر قيس سعيّد حوله، فوجد كل قتلة الربيع العربي غارقين في المنح والهدايا والعطايا والمكافآت القادمة من الشرق والغرب، بل إن الذين لطالما قدموا أنفسهم باعتبارهم أصدقاء الربيع وأحباءه كانوا الأجزل عطاء والأكثر تفانيا في تدليل قتلة الربيع، وخطب ودهم وإسكات كل الأصوات التي يمكن أن تسبب لهم إزعاجا".
تأويلات شاطحة
وسواء في مصر أو في تونس النتيجة هي إنهاء العمل بالسلطة المنتخبة، وحصر السلطات الثلاث بيد من أقدم على الانقلاب، وإن تسلح، كما يفعل قيس سعيد، بتأويلات شاطحة لا سبيل لردعه عنها، لغياب مرجعية المحكمة الدستورية.
قدم سعيد نفسه في حملة الدعاية الانتخابية كرجل عادي يسعى لإصلاح نظام فاسد وخاض الانتخابات دون أن ينفق أموالا بفريق محدود من المستشارين والمتطوعين وحصل على دعم يساريين وإسلاميين والشباب على حد سواء.
قال أنصاره إنه "لم ينفق على الانتخابات سوى تكلفة ما كان يستهلكه من قهوة وسجائر في لقاءاته مع التونسيين وقدم نفسه باعتباره نموذجا للنزاهة الشخصية،
ولم يخفِ سعيد رغبته في وضع دستور جديد يضع الرئيس في الصدارة مما دفع معارضيه لاتهامه بأنه يريد محاكاة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في تجريد خصومه من النفوذ".
وعقب انتخابه بدا لفترة أنه مكبل بالدستور الذي لا يتيح للرئيس سلطة مباشرة سوى على الجيش وفي الشؤون الخارجية في حين تظل الإدارة اليومية في يد حكومة مسؤولة أمام البرلمان.
وبعد تولي الرئاسة سرعان ما اختلف سعيد مع رئيسين للوزراء ظهرا من خلال عملية التحالفات المعقدة هما إلياس الفخفاخ وهشام المشيشي؛ غير أن أكبر نزاع دخله كان مع حزب النهضة الإسلامي المعتدل ورئيسه المخضرم الغنوشي السجين السياسي السابق الذي عاد من المنفى إلى تونس في 2011.
وخلال العام الأخير اشتبك سعيد مع المشيشي الذي يحظى بدعم الغنوشي بسبب التعديلات الوزارية والسيطرة على قوات الأمن مما عقد الجهود الرامية للتصدي لجائحة كوفيد-19 ومعالجة أزمة مالية تلوح في الأفق.
واكد سياسيون ومراقبون أن "ما قام به الرئيس التونسي هو انقلاب على الثورة التونسية، يكاد يتطابق مع ما حدث في مصر عام 2013، ويشترك معه في الأدوات والأهداف وربما المحرض والداعم".
وطالب نشطاء وسياسيون مصريون الشعب التونسي بمواجهة الانقلاب بكل قوة وعدم تكرار أخطاء الثورة المصرية، والاستفادة من النموذج التركي في مواجهة المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 يوليو 2016.
بينما احتفت وسائل الإعلام الخاضعة للانقلاب بمصر بقرارات الرئيس التونسي، واعتبرتها انتصارا للشعب التونسي على الإخوان، على حد وصفها، كما حرصت على نقل احتفالات مؤيدي الرئيس التونسي، والبيانات المؤيدة له وعلى رأسها بيان حركة "تمرد التونسية"، والإشادة بدور الجيش التونسي المؤيد للرئيس.
في المقابل، وصفت قنوات الثورة المصرية التي تنطلق من إسطنبول قرارات الرئيس التونسي بالانقلاب على الثورة، وحذرت من تكرار السيناريو المصري، ودعت الشعب التونسي للوقوف في مواجهة الانقلاب، كما حرصت على نقل آراء معارضي قرارات الرئيس التونسي.