إيكونوميست البريطانية: الرئيس التونسي “دخيل” يقود بلاده نحو المجهول

- ‎فيأخبار

اعتبرت مجلة The Economist البريطانية،  أن التدفق المفاجئ لملايين اللقاحات المضادة لفيروس كورونا على تونس خلال شهر وحد هو أمر مدهش. وتقول المجلة البريطانية، إن الرئيس التونسي "الغامض"، وهو "دخيل سياسي" انتُخِب احتجاجا على الأحزاب غير القادرة في الدولة، لم يفصح إلا عن القليل عن الوجهة التي سيأخذ البلاد إليها. وسيتعين عليه التوفيق بين المطالب المتنافسة لنشطاء المجتمع المدني والسياسيين القلقين من خططه، والاقتصاد الضعيف الذي لا يستطيع التعامل مع عدم الاستقرار، والقوى الأجنبية ذات الرؤى المختلفة للغاية لمستقبل تونس. وربما تكون حملة التطعيم قد وفرت له لحظة من إظهار حسن النية. لكنها قد لا تدوم.

 وتسلط الصحيفة الضوء على أزمة لقاحات كورونا  في ظل الأزمة السياسية في البلاد، وتقارن بين مشهدين يحملان كثيرا من الدلالات والرسائل السياسية. 

المشهد الأول جرى في يوليو 2021م وقبل القرارات الانقلابية التي أصدرها الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو والتي جمع من خلالها جميع السلطات في يده التنفيذية بإقالة رئيس الحكومة وإدارته هو بنفسه الحكومة لحين تشكيل حكومة جديدة. والتشريعية بتجميد عمل البرلمان لمدة شهر. والقضائية بمنح نفسه صلاحيات الادعاء العامن من جهة وصلاحيات المحكمة الدستورية من جهة ثانية فهو حاليا من يتولى بنفسه تفسير النصوص الدستورية على هواه في ظل غياب المحكمة الدستورية التي عمل قيس سعيد على تعطيل تشكيلها خلال الشهور الماضية.  وكان وزير الصحة قد افتتح في بدايات يوليو خلال إجازة عيد الأضحى، مراكز تلقيح ضد "كوفيد-19" لجميع البالغين. وبعد اصطفاف الحشود الضخمة لساعات، اضطرت للعودة أدراجها، بسبب نفاد الجرعات. الأمر الذي أظهر الحكومة في صورة العاجز عن التعامل مع الوباء وهو ليس حصرا على تونس فكل البلاد العربية بلا استثناء عاجزة عن التعامل مع الوباء.

المشهد الثاني، جرى بحلول السابع من أغسطس 2021م،  حيث لم يتلقَّ سوى 17% فقط من سكان تونس، البالغ عددهم 12 مليونا، جرعة واحدة على الأقل. وعلى الرغم من انخفاض أعداد الإصابات عن ذروة الجائحة في يوليو، سجَّلت تونس واحدا من أسوأ معدلات الوفيات في العالم، بواقع أكثر من 10 أشخاص لكل مليون شخص. إضافة إلى اكتظاظ المستشفيات بمرضى "كوفيد-19". لكن في الثامن من أغسطس، دعت الحكومة التونسيين للعودة إلى حملة تطعيم أخرى. وهذه المرة أعطى العاملون أكثر من 551000 جرعة -أي لما يقرب من 5% من السكان- في يوم واحد.

وبحسب المجلة البريطانية،  فقد تغير شيئان منذ المحاولة السابقة الفاشلة: يتمثل الأول في وصول ملايين الجرعات من الخارج. فقد أرسلت المملكة العربية السعودية مليون جرعة إضافية في الشهر الماضي، والإمارات العربية المتحدة 500 ألف أخرى. وقدمت الولايات المتحدة مليون جرعة من لقاح موديرنا. بدورها، أرسلت فرنسا، المستعمر السابق لتونس، مليون جرعة. وقال الرئيس قيس سعيّد إنَّ تونس تلقت 6 ملايين جرعة تكفي لتطعيم ربع سكانها بالكامل.

والثاني كان قرار سعيّد تفعيل سلطات الطوارئ في 25 يوليو، عندما أقال رئيس الوزراء وعلَّق عمل البرلمان. ومن غير الواضح ما إذا كان سيعيد إلى البرلمان سلطاته، أو سيدعو إلى محادثات مع السياسيين والنقابات والجماعات الأخرى، أو سيتخذ خطوات أخرى مثل الدعوة إلى استفتاء لتغيير النظام السياسي.

وتى إيكونمسيت أنَّ وفرة اللقاحات والاضطراب السياسي مرتبطان ببعضهما؛ فكلاهما انعكاس للصراع على النفوذ في البلد الوحيد الذي ترسخت فيه الديمقراطية بعد الربيع العربي. واستقبل العديد من التونسيين، الذين سئموا اقتصادهم المُحتضر، الانقلاب الذاتي للرئيس بهتافات أو بلامبالاة. وانكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 8.6% العام الماضي. وتبلغ نسبة البطالة 18%، و30% للخريجين. وأصيب البرلمان بالشلل، بسبب المشاحنات السياسية التي أطلقها سعيد.

من جانبهما، تشعر السعودية والإمارات بالحماسة لما يحدث. إذ لطالما كانتا غير راضيتين عن نفوذ حزب النهضة، وهو حزب إسلامي معتدل يمتلك أكبر كتلة من المقاعد في البرلمان، وسعتا إلى تقويضه. على سبيل المثال، خصَّصت القنوات التلفزيونية في الإمارات وقتاً طويلاً من البث للنائبة عبير موسى، الديماغوجية التي تنتقد الإسلاميين، والتي ترشحت للرئاسة في عام 2019 لكنها نالت 4% فقط من الأصوات.

ووفقا للإيكونوميست فإن كلا البلدين السعودية والإمارات لا يتمتع بنفوذ كبير في تونس البعيدة، التي لها علاقات محدودة مع الخليج. لكن كلاهما يرى فرصة لكسب بعض النفوذ بفضل الوباء والأزمة الاقتصادية الناتجة. ومنذ أن همّش قيس سعيّد البرلمان، أجرى كل من وزير الخارجية السعودي ومستشار رئيس الإمارات زيارة لتونس؛ لإظهار دعمهما. ويعتقد العديد من التونسيين أنهما لمَّحا إلى احتمال تقديم مزيد من المساعدة.

بينما تشعر الدول الغربية بالقلق من أنَّ سعيد سوف يُقوِّض الديمقراطية في تونس، لكنها تبدو غير متأكدة من كيفية الرد. ومنذ عام 2011، أرسل الاتحاد الأوروبي إلى تونس أكثر من ملياري يورو على هيئة مِنح. وقدَّمت واشنطن أكثر من مليار دولار، وتعهدت بتقديم 499 مليون دولار على مدى 5 سنوات للبنية التحتية في يونيو. وبالمقارنة مع ما تحصل عليه الدول العربية الأخرى، فهذه مبالغ ضخمة: فقد بلغت المساعدات السنوية من الدول الغنية لتونس نحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي، العام الماضي، مقابل أقل من 1% لمصر أو المغرب.