لماذا يقبل السيسي بالملحدين وينكِّل بالمعارضين لنظامه السلطوي؟!

- ‎فيتقارير

في تصريحاته خلال الأيام الأخيرة، أبدى الطاغية عبدالفتاح السيسي مرونة كبيرة حيال الاختلاف في المعتقدات لدرجة القبول بوجود الملحدين في مصر؛ وهو ما فهم على أنه شكل من أشكال التزلف والتقرب من الغرب في هذه الملف من أجل دفعهم إلى غض الطرف عن الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها أجهزته ضد معارضيه ومخالفيه السياسيين.

وفي مؤتمر عقده رئيس الانقلاب، عبدالفتاح السيسي، للإعلان عما أسماه "الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، السبت 11 سبتمبر 2021م؛ خرجت مجموعة من الآراء الصادمة لقيم المجتمع المصري وللدين الإسلامي، دين الأغلبية في البلاد. وأعلن السيسي عن قبوله تعدد الأديان في البلاد، لكنه ذهب لأبعد من ذلك، مؤكدا قبوله الملحدين ومنكري الدين، بقوله: "لو واحد قال لي أنا مش مسلم ولا مسيحي ولا يهودي، ولا أي دين في الدنيا.. إنت حر".

حرية الاعتقاد أمر مفروغ منه وقد أكد عليه الإسلام في مواضع كثيرة من القرآن أبرزها قوله تعالى "لا إكراه في الدين" وقوله تعالى " من شاء فليومن ومن شاء فليكفر".  لكن هناك عدة ملاحظات:

الأولى أن الإسلام الذي منح الإنسان الحرية المطلقة في الاعتقاد واختيار الدين الذي يراه صحيحا هو نفسه الذي فند حجج الكافرين والملحدين وكشف عن هشاشة الظنون والأوهام والأساطير التي يعيشون فيها، وفي ذات الوقت وضع الأحكام والقيم التي تسهم في ضمور هذه الأفكار والمعتقدات من خلال الحث على إعمال العقل من جهة ونشر القيم الأخلاقية السامية باعتبارها جزءا من تكوين  المسلم من جهة ثانية، ووضع لبنات المجتمع المسلم الذي تسوده مبادئ وقيم الإسلام من جهة ثالثة؛ وبالتالي فالإسلام يمنح حرية الاعتقاد وحرية الإيمان والكفر لكنه يضع القيم الإيمانية في  موضع الصدارة والتي تحد من انتشار الكفر والإلحاد من  جهة ويمنح العلماء والدعاة إلى الله الحرية التي تمكنهم من مواجهة موجات الكفر والإلحاد وهو ما ساهم في حماية الأمة الإسلامية وصيانة أبنائها على مدار القرون الماضية. لكن السيسي يفعل عكس ذلك دائما؛ فقد تفشى في عهده الإلحاد والزنا والنهب والسرقة وانتشرت الجرائم بكل أنواعها. حديث السيسي دفع الإعلامي المقرب من النظام إبراهيم عيسى، خلال نقاشات المؤتمر، للدعوة  إلى ضرورة تدريس نصوص باقي الأديان للطلاب في مصر، وليس النصوص والأحاديث الإسلامية فقط. وقال: في مناهج التعليم، الطلبة مطالبون بحفظ نصوص وأحاديث نبوية من الإسلام في مادة القراءة والنصوص، متسائلا: "وأين النصوص المسيحية واليهودية؟ وكي تعلمه احترام الآخر، لماذا يحفظ نصا دينيا إسلاميا ولا يحفظ نصا قبطيا أو يهوديا؟". عيسى لا يعلم أن تدريس النص الإسلامي يأتي لأهداف لغوية باعتبار نصوص القرآن والسنة من أعلى صورة  البلاغة العربية.  لكن عيسى طالب أيضا بحرية الإفطار في رمضان بوصفه حرية شخصية كما طالب بإلغاء خانة الديانة من بطاقة الهوية في مصر، متسائلا: "لماذا ندخل الدين في كل شيء؟ مدعيا أن هذا "يقودنا لمحاولة تديين الدولة وليس مدنية الدولة". وطالب بتغيير مادة "ازدراء الأديان" في الدستور، مدعيا أنها "مقيدة لحرية الاجتهاد، وتصادر آراء الباحثين، وأن تجديد الخطاب يقتضي أن نطلق العقول والأفكار ولا نسمح بكهنوت أو حسبة تحول الاختلاف للرأي إلى سيف على رؤوس المفكرين". بالطبع عيسى  لم يتكلم من تلقاء نفسه بل مداخلته مرتبة تحت رعاية السيسي وأجهزته الأمنية من أجل التزلف إلى الأميركان والغرب عموما.

الملاحظة الثانية، أن السيسي الذي يتباهي بأنه يسمح بحرية الاعتقاد هو نفسه الذي يشن حربا ضارية يمارس فيها أبشع الانتهاكات ضد الإنسانية بحق خصومه السياسيين الذي يرفضون اغتصابه للحكم بانقلاب عسكري والعصف بإرادة الشعب الحرة في أنزه انتخابات شهدتها مصر في تاريخها كله. معنى ذلك أن السيسي يقبل الكفر بالله لكنه لا يسمح مطلقا بالكفر به وبنظامه والتشكيك في شرعيته بعدما اغتصب الحكم بالعنف والإرهاب وزج بالرئيس المنتخب وعشرات الآلاف من أنصاره في السجون بتهم باطلة وقتل الآلاف من المصريين الأبرياء لأنهم يرفضون نظامه. الرسالة إذا واضحة لكل المصريين مفادها أنه يمكن السماح بالكفر بالله والإلحاد فيه، أما أن تكفر بالنظام فقد تُقتل أو تسجن وقد تصادر أموالك بعد مصادرة حريتك وكرامتك.

الملاحظة الثالثة، أن السيسي في الوقت الذي يريد أن يظهر فيه بصورة الزعيم الذي يسمح بحرية الاعتقاد وحتى الكفر والإلحاد هو نفسه الذي يزج بآلاف العلماء والدعاة إلى الله في سجونه ومعتقلاته دون أن يرتكبوا جريمة واحدة سوى معارضة النظام ورفض اغتصابه للحكم بالعنف والإرهاب، ولو أن أحدهم قبل بالسيسي رئيسا لخرج على الفور من السجون وقد يتم تعيينه في أحد المناصب الحساسة بالدولة. فلماذا ينكل بعلماء الإسلام ودعاته بينما يتمتع أصحاب الديانات الأخرى بكل حريتهم ودعمهم من النظام الذي يكرس نسخة حكم عسكري بالغة الوحشية والإجرام.

الملاحظة الرابعة، أن السيسي الذي يتحدث عن حرية الاعتقاد وحتى حرية الكفر والإلحاد هو نفسه الذي يمارس الظلم والاضطهاد والتمييز بحق المسلمين؛ فقد شن حربا ضارية على مساجد المسلمين وهدم عشرات المساجد في 2020م بدعوى أنها بنيت بالمخالفة للقانون، رغم أن كان قد سن قانونا سنة 2016م يختص بتقنين أوضاع الكنائس المخالفة؛ فلماذا يتعامل مع مساجد المسلمين باللوادر، في الوقت الذي يقنن فيه كنائس النصاري؟!  من جانب آخر، فإن السيسي يمضي على خطى الدكتاتور جمال عبدالناصر من خلال تقنين إجراءات نهب الوقف الإسلامي فقد سن قانوني هيئة الأوقاف المصرية وصندوق الوقف من أجل تقنين عمليات السطو على الأوقاف الإسلامية ونهب أموال التبرعات والنذور المخصصة للفقراء والمساكين وتعمير المساجد.