قالت ورقة بحثية نشرها موقع الشارع السياسي إن "دول المحيط الإقليمي وبالأخص تركيا والإمارات في ضوء التقارب بينهما أخيرا، يمكنها التعاون أكثر من الصدام، وهذا بدوره سيُخفّف من التنافس في إفريقيا، حتى من الممكن أن تلعب أنقرة دورا كبيرا في الوساطة بين السودان وإثيوبيا بمباركة مصرية في حال حلحلة الخلافات بينهما".
وأضافت الورقة البحثية التي جاءت بعنوان "التقارب الخليجي التركي وتأثيره على إفريقيا" أن لكل من تركيا والسعودية والإمارات علاقات قوية مع إثيوبيا، بينما تملك تركيا نفوذا ودورا كبيرا في القرن الإفريقي خصوصا الصومال، وفي ضوء المعطيات الراهنة، يُمكن توقُّع أن تخف حدة التنافس على المصالح والنفوذ في إفريقيا ليس فقط بين تركيا ومصر وبعض دول الخليج، لكن أيضا حتى فيما بين دول الخليج وبعضها البعض".
وأوضحت أن ذلك سيكون على وقع انشغال أبو ظبي والرياض، بما تعتبراه خطرا إيرانيا متزايدا.
الكعكة الإفريقية
وخلصت الورقة إلى أنه من واقع الوجود التركي والإماراتي في إفريقيا ومدى قوة المنافسة بين الجانبين وتأثير المنافسة على استقرار الدول محل هذا التنافس؛ لاسيما دول القرن الإفريقي، إلى أن تقارب الطرفين التركي والإماراتي؛ سيؤدي بدوره إلى تهدئة التنافس بينهما في تلك المنطقة، وانصرافهما نحو ملفات أخرى كانت قد تأثرت أثناء فترة القطيعة بين الطرفين، مثل ملفات سوريا وليبيا وغاز المتوسط".
واستدركت أنه بالتزامن مع هذا الهدوء المُرجح من الجانبين التركي والإماراتي؛ فإن نشاطا أمريكيا مُتصاعدا في المنطقة، والتي توليها إدارة بايدن أهمية كبيرة، ظهرت في تعيين مبعوث أمريكي خاص بها، والاهتمام الأمريكي بالملفات الساخنة فيها خلال الفترة الماضية، مثل حرب التيجراي في إثيوبيا، وانقلاب البرهان في السودان، وغيرها من الملفات، كما يأتي أيضا بالتزامن مع صعود روسي في المنطقة، تمثّل مؤخرا في التقارب الإثيوبي الروسي، مع نشاط روسي في أماكن أخرى من القارة مثل إفريقيا الوسطى ومالي وتشاد".
ووصلت إلى أن التقارب بين أنقرة وأبوظبي ربما يعني صعود التنافس الروسي الأمريكي في منطقة القرن الإفريقي على حساب التنافس التركي الإماراتي، في حالة نجاح التقارب التركي الإماراتي.
تركيا في إفريقيا
وتناولت الورقة تواجد أنقرة في القارة السمراء، وأهمية افريقيا أمنيا لأنقرة وأن دول الشمال الشرقي، وتحديدا مصر وليبيا، لهما أهمية كبيرة بالنسبة لتركيا، خصوصا في ظل صراعها التاريخي مع اليونان والأزمة القبرصية؛ كما حدث عام 1974 عندما ساهمت طرابلس في دعم أنقرة إبان حربها في قبرص، فكانت الطائرات الحربية التركية تتزود بالوقود وغيره من مطار بنغازي العسكري، وساعدت ليبيا تركيا لتجاوز العقوبات في الحصول على طائرات وصواريخ بطرق سرية من إيطاليا ودول أوروبية أخرى.
وأشارت إلى أن تركيا كانت عضوا مراقبا في منظمة الاتحاد الإفريقي منذ 2003، ثم الشريك الإستراتيجي في 2008، وخصّصت 50 مليون دولار لتمويل مشروعات تنموية في دول إفريقية في الفترة بين 2008 و 2013، و 7,5 ملايين دولار لعدة دول إفريقية في منظمات دولية، مثل منظمة الصحة العالمية، وبرنامج الغذاء التابع للأمم المتحدة، والهلال الأحمر، لمساعدة تلك الدول لمواجهة الآثار السلبية للتصحر والجفاف والكوارث الطبيعية ، وسارعت إلى افتتاح 19 سفارة جديدة في الدول الإفريقية، ليرتفع بذلك عددها إلى 39 سفارة، ثم إلى 43 سفارة عام 2021.
وعسكريا؛ لأنقرة قاعدة عسكرية في مقديشيو ثم صدور إعلان إسطنبول كخارطة طريق لتسوية الصراع الصومالي، وهو ما أفضى إلى صياغة دستور للبلاد، وانتخاب البرلمان، الذي انتخب بدوره “حسن شيخ محمود” كأول رئيس غير انتقالي للصومال منذ عام 1991.
وعلى المستوى الاقتصادي؛ لفتت إلى أن تركيا أصبحت العضو 25 في بنك التنمية الإفريقي من خارج القارة، وفي الجانب التجاري سجّلت الصادرات التركية إلى الدول الإفريقية معدلات نمو عالية خلال السنوات الأخيرة، فقد كان قرابة 9 مليارات دولار في 2005؛ ثم 15,87 مليار دولار في 2009؛ 14,1 مليار دولار في 2010، ليرتفع مجددا إلى 17,1 مليار دولار في عام 2011، ونحو 50 مليار دولار في 2015، والأتراك ينافسون بحسب الورقة الأمريكيين والأوروبيين.
الإمارات وإفريقيا
وقالت الورقة إن "الإمارات بدأت قبل عدة سنوات مشروعا سياسيا إستراتيجيا تعدى حدود الطموح الاقتصادي بكثير ، وإن ظل الاقتصاد ركنا أساسيا فيه.
وأن الإمارات تبغي السيطرة على القرن الإفريقي يهدف بالأساس إلى إبقاء دبي بعيدة عن منافسة الجيران ـ دول الخليج- كمركز إقليمي وعالمي للتجارة والسفر ونقل البضائع، ومن أجل ذلك تقوم بتحجيم الموانئ التي تدخل في إدارتها على مدى سنوات طويلة، كي لا يؤثر ذلك على مكانة دبي كمركز أساسي للتجارة والأعمال.
وأضافت أن الإمارات سعت إلى توسيع قاعدتها في القرن الإفريقي وشرق إفريقيا ومنطقة المحيط الهندي، واستأجرت في هذا الصدد العديد من الموانئ، إما لاستخدامها بما يخدم حركة التصدير والاستيراد لأبو ظبي، أو تعطيلها خوفا من تأثيرها على ميناء جبل علي الإماراتي، وخاصة مع تعاظم أهمية مضيق باب المندب الذي تستخدمه حاملات النفط في العالم.
دوافع الصلح
ورأت أن التصالح سيسهم في حل عدة ملفات بينها الأزمة السورية والخلافات في شرق المتوسط وليبيا واليمن.
وأضافت أن أبو ظبي تسعى إلى شراء حصص في مشاريع تركية وإنشاء شراكات إستراتيجية كما حدث مع قطر، لاسيما في مشروع قناة إسطنبول الجديدة، والذي سيربط بين بحر مرمرة والبحر الأسود، ورغبتها بشراء بنوك وحصص في البورصة التركية، وكذلك إبداء رغبة في تأسيس شراكات قوية تدعم قطاع الصناعات الدفاعية التركية، الذي شهد نموا كبيرا في السنوات الأخيرة، تحديدا في قطاع تصنيع الطائرات المسيرة، كذلك يبدو أن فتور العلاقات الخليجية الأمريكية في ظل إدارة جو بايدن، وتوجهات واشنطن الواضحة للانسحاب من المنطقة، بجانب التحديات الأمنية الكبيرة التي تواجهها دول الخليج في ظل ما تراه تلك الدول تهديدا إيرانيا متصاعدا، ورفض شركات السلاح الأوروبية إبرام صفقات جيدة مع أبو ظبي، بسبب تورطها في حرب اليمن، جعل من تركيا وسيطا يمكن الاستناد عليه في التوصل إلى مقاربات تخفف من خطر وقوع مواجهة مع طهران.