من أخطر ما جاء في التقرير الذي نشرته وكالة فيتش الدولية للتصنيف الائتماني في الثامن من ديسمبر الجاري، حول تقييم الوضع المالي الخارجي في مصر، هو التنبؤ بتوجه نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي نحو إبرام اتفاق ثالث مع صندوق النقد الدولي، الأمر الذي يمثل كارثة كبرى على المصريين؛ لأن ذلك لا يعني سوى المزيد من الديون ورهن ما تبقى من أصول الدولة للدائنين الأجانب سواء كانوا مؤسسات تمويل دولية أو حكومات غربية، لكن الأكثر خطورة هو فرض المزيد من الأعباء على جميع فئات الشعب، لا سيما الطبقتين الفقيرة والمتوسطة في ظل سقوط عشرات الملايين من المصريين تخت خط الفقر منذ ما يسمى ببرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تبناه نظام السيسي مع صندوق النقد في نوفمبر 2016م.
معنى ذلك أن مصر ستبقى لعقود تعاني من مصيده الدائنين، ولن يتحقق لها تنمية على الإطلاق بالمعني الصحيح للكلمة بعيدا عن بروباجندا النظام وآلته الإعلامية التي تمارس التزييف والتضليل بتوجيهات مباشرة من قادة النظام رغم أنهم على يقين كامل بأن المسار القائم بالغ التدمير لحاضر مصر ومستقبلها.
أيضا كشف التقرير أن سعر الصرف في مصر يعتمد على ثبات مفتعل حيث يتولى البنك المركزي دعم الجنيه رغم الادعاء بتحرير سعر الصرف. ويتنبأ التقرير باحتمال تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار وباقي العملات خلال الفترة المقبلة، في الوقت الذي يؤكد فيه التقرير بأن الاحتياطي من النقد الأجنبي ما هو إلا فقاعة كبرى لأن حجم الديون الخارجية يفوق بكثير حجم هذا الاحتياطي.
من جانب ثالث، تعزو وكالة فيتش أسباب تآكل أسعار الفائدة الحقيقية – رغم ارتفاعها – إلى التضخم في مصر والعالم، محذرة من التداعيات السلبية للسوق المالية والعالمية في زيادة المخاطر على الاقتصاد المصري، وبالتالي قد يؤدي التقدير الحقيقي في السنوات الأخيرة إلى تقويض الثقة في قدرة مصر على الحفاظ على سعر صرف اسمي صامد وصلب.
وأمام تآكل قيمة الاحتياطات من النقد الأجنبي بالبنك المركزي حتى باتت الأصول الأجنبية الصافية للبنك سلبية؛ تنبأت الوكالة بأنه من المحتمل أن يكون هناك برنامج آخر لصندوق النقد الدولي، خاصة إذا واجهت مصر صدمة سيولة.
انتقادات لسياسات الصندوق
ويعيب التقرير اعتماد الاقتصاد المصري في توفير السيولة من الدولار على التمويل الخارجي مثل الاقتراض أو الأموال الساخنة التي تبحث أكبر عائد من الأرباح والهروب لأسواق أخرى لتحقيق المزيد من الأرباح بما يعني أنها لا تمثل استثمارا حقيقيا بقدرما تحمل من مخاطر كبيرة على الأسواق الناشئة ومن بينها السوق المصري.
وبلغت الديون الخارجية لمصر إلى نحو 138 مليار دولار في يونيو 2021، بزيادة تجاوزت 219 في المائة منذ الانقلاب العسكري في العام 2013م. وهي الديون التي استخدمها السيسي في بناء ما تسمى بالمشروعات القومية العملاقة التي لم تنعكس مطلقا على تحسين مستويات معيشة المواطنين. مثل العاصمة الإدارية والكباري وشبكة الطرق والسجون المركزية الضخمة. بينما وصل حجم الدين الخارجي في يونيو الماضي نحو 4.7 تريليون جنيه. لكن الأكثر خطورة أن نظام السيسي عمل على تدويل الديون المحلية بما يكبل مصر وأجيالها القادمة لعقود طويلة.
«صندوق النقد» الذي أنشيء في يوليو 1944 قبل نهاية الحرب العالمية الثانية بشهور ــ يواجه باستمرار انتقادات حادة لسياساته التي تهمين عليها الولايات المتحدة الأمريكية، ويحذر عالم الاقتصاد الكندي ميشيل تشوسودوفيسكي مؤكدا أن "برنامج صندوق النقد الدولي قد يترك البلد في بعض الأحيان فقيراً كما كانَ من قبل، لكن مع مديونية أكبر وصفوة حاكمة أكثر ثراء". وقد توصل الاقتصادي الأمريكي جوزيف ستيغليتز الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد وكبير الاقتصاديين في البنك الدولي وأحد أهم مساعدي الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون إلى أن "القروض التي يقدمها الصندوق إلى الدول تكون ضارة في حالات كثيرة خاصة التي توجه إلى الدول النامية ودول العالم الثالث.
لكن أبرز الانتقادات الموجهة للصندوق تتركز على سطوة الولايات المتحدة الأمريكية وتحكمها وقدرتها على إعطاء القرض من عدمه لأي دولة، حيث إنها الدولة الوحيدة التي تمتلك حق الفيتو من بين الدول الأعضاء. حيث تبلغ حصتها 17.6% من إجمالي الحصص، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي تمتلك حق تعطيل قرارات صندوق النقد الدولي أو حق الفيتو.
امبراطورية السيطرة على الاقتصاد
ورغم أنّ صندوق النقد الدولي التابع للأمم المتحدة، دوره دعم الاقتصاد العالمي، والمعاملات التجارية بين البلاد المختلفة، فإنّه عادة ما يتم اتهامه بكونه أحد أدوات الشركات العالمية لبناء إمبراطورية تسيطر على اقتصاد العالم، وتهزم الدول، "ونهب وتدمير اقتصاد الدول النامية"، وفقاً لـ "جون بيركنز"، مؤلف كتاب "اعترافات قاتل اقتصادي" الذي ترجم إلى 30 لغة بما فيها اللغة العربية التي صدر فيها تحت عنوان: "الاغتيال الاقتصادي للأمم". لكن التصريح الأكثر وضوحا هو لرئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد عندما سئل عن أسباب نهضة ماليزيا على يديه، فأجاب بقوله: "خالفت توصيات صندوق النقد الدولي، وفعلت عكس ما طلبه من إجراءات".
وقبل اتفاق السيسي مع الصندوق في 2016م، حذَّر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني من تداعيات هذه الخطوة؛ التي قد تؤدي إلى انفجار كبير جراء الإجراءات العنيفة التي يتخذها نظام السيسي لتلبية الشروط القاسية للصندوق، وينتهي إلى أن المعادلة القائمة في الحالة المصرية والتي تضم دكتاتورا (السيسي) ذا سجل حافل بإنفاق مليارات لا تحصى على مشروعات لتمجيد نفسه وكيان اقتصادي غربي ضخم (الصندوق) تتمثل حلوله في "حجم واحد يقلص كل الاقتصاد" سيشقان طريقاً مختصراً لانفجار جديد.