التقرير الذي نشره موقع "أوريان 21" الفرنسي يوم الجمعة 28 يناير 2022م، والذي أكد فيه أن الإحصاءات الرسمية والأرقام التي تنشرها حكومة الجنرال عبدالفتاح السيسي خادعة ولا تمت إلى الواقع بصلة، يمثل برهانا جديدا على حجم التلاعب والتضليل الذي يمارسه السيسي ونظامه وحكومته، بل يمثل دليل إدانة جديدة للسيسي ونظامه.
الموقع الفرنسي أوضح في قراءة لستيفان رول، الأكاديمي في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، والأكاديمية سليمة باتسي، أن الأرقام التي تقدمها الحكومة حول الوضع الاقتصادي، أو الصحي، مخادعة، وكاذبة. ويستدل على ذلك بأن حكومة السيسي تقول إنها سجلت أقل من 360 ألف حالة إصابة بفيروس "كورونا" (حتى مطلع ديسمبر 2021)، ولكن الواقع هو أن عدة تحقيقات أكدت أن وفيات مصر جراء الفيروس أكثر بنحو 13 ضعف من الرقم المعلن (22 ألفا).
أما في الوضع الاقتصادي، تقول الحكومة إن معدل البطالة في 2020 وقف عند 10.45 بالمئة، وهي نسبة منخفضة وفقًا للمعايير الإقليمية. ويستدل الموقع على ذلك بأن المشكلة تكمن في هذه الأرقام الرسمية في كونها تستند إلى معدل مشاركة منخفض جدا، إذ يبدو أن عددا كبيرا من المصريين لا يسجلون أنفسهم كعاطلين، خاصة لضعف أملهم في العثور على وظيفة في سوق العمل الرسمي. لذا، فإن الرقم الرسمي لا يعكس بأي حال من الأحوال البطالة الحقيقية في البلاد، التي قد تصل نسبتها إلى أكثر من الضعف، وفقا لخبراء سوق العمل".
أما الدليل الثالث على تلاعب حكومة السيسي وأجهزته في الأرقام الرسمية هو تشكيك التقرير في معدل الفقر الرسمي 29.7 بالمئة، الصادر عن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية عام 2020. ويعلق على ذلك أنه "من المرجح أن يكون معدل الفقر قد تم تزييفه هو أيضا". مضيفا أن هذه الأرقام "تظهر تناقضات عند تفحص إحصاءات ميزانية الدولة المصرية. صحيح أن وثائق الميزانية متاحة عموما للجمهور، غير أن المعلومات المقدمة غالبا ما تكون غير مكتملة، ولا يتم إدراج جميع الإيرادات والنفقات في القائمة.
وفقا للموقع، ينطبق الأمر نفسه على الدين العام، إذ يشير تقرير الشفافية الضريبية لعام 2021 الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية، إلى أن ديون الشركات التابعة للدولة لا تظهر". أما بالنسبة لديون مصر الخارجية، فقد أكدت مؤخرا المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن الأرقام المقدمة ليست ثابتة ولا متسقة. فمن خلال بناء التزامات طارئة على الخصوص، يمكن أن تحصل الحكومة على أداة جيدة لإخفاء المستوى الحقيقي لديون البلاد. ولا يتم نشر أي معلومات مفصلة عن هذا النوع من الضمانات العامة.
وفي مقارنة على الصعيد الدولي، ووفقًا لآخر جرد للبيانات المفتوحة (Open Data Inventory, ODIN)، لا تتميز مصر بتوافر بياناتها، وهي تحتل المرتبة 153 في هذا المجال من أصل 187 دولة، وتبدو القاهرة في حاجة لقانون حول حرية المعلومات لتحقيق شفافية أكبر، بحسب "أوريان21". ويرى الموقع أن تأثير قانون كهذا سيبقى موضع جدل في حال تزوير مسبق للأرقام، حيث يصعب إثبات التلاعب في عملية جمع البيانات والإنتاج الإحصائي، إذ تشير الدراسات إلى أن الديكتاتوريات تتلاعب بالأرقام في حساب الناتج المحلي الإجمالي على سبيل المثال".
ويستشهد الموقع الفرنسي على ذلك بعدم وجود دراسات حتى الآن بخصوص الناتج المحلي الإجمالي لمصر، لكن هناك تباين واضح بين الخطاب الرسمي والواقع، بحسب الموقع. وتشير الحكومة مرارًا وتكرارًا إلى القطاع الخاص على أنه "محرك النمو الاقتصادي"، بينما يُظهر مؤشر مديري المشتريات -الذي يتم جمعه بشكل مستقل- أن الأنشطة الاقتصادية في القطاع الخاص غير النفطي في تراجع مستمر منذ سنوات؛ لذلك، فإن المشكلة الأهم إلى حد بعيد لا تكمن في توافر الإحصاءات وإمكانية الوصول إليها، بل في الافتقار إلى الاستقلالية في جمع البيانات وإنتاج الإحصاءات، بحسب الموقع.
ويرى المحلل والخبير الاقتصادي مصطفى عبدالسلام أن بعض كبار المسئولين في مصر يجيدون الكذب على المواطن والرأي العام، واستخدام لعبة الأرقام في تبرير هذا الكذب، متوهمين أن كلامهم هو الصدق بعينه، وأنه لا أحد سيراجع خلفهم للتأكد من دقة أرقامهم وصحة معلوماتهم، وأنهم الأعلم بالأرقام الدولية والإحصاءات المحلية، رغم أن تلميذاً في المدرسة الابتدائية يستطيع أن يكتشف زيف تلك الأرقام، ويؤكد عدم دقتها من خلال الدخول على مواقع المؤسسات المالية الدولية والمحلية معاً، بل يستطيع هذا التلميذ الصغير أن يكشف للجميع أن هذا المسؤول، أو ذاك الوزير، هو شخص يخدع الناس ويرهبهم بالأرقام.
وفي مقاله (كيف تكذب الأرقام في مصر؟) المنشور في أغسطس 2020م، يضرب مثلا بأحد فصول التلاعب بالأرقام، ما ذكره طلعت حسن، وكيل وزارة التموين في الجيزة، من أن رغيف الخبز المصري هو الأرخص في العالم، وأن "سعره البالغ 5 قروش لا يكفي لشراء لبانة أو علكة ". ولمزيد من التدليس، قال حسن إنه لم يُمَسّ بعدد أرغفة الخبر المدعم الممنوحة للمواطن من قبل الحكومة، وهو عدد 5 أرغفة في اليوم، وهذا كلام فيه تدليس، صحيح أنه لم يُمَسّ بالعدد، لكن وزن الرغيف خُفِّض بنسبة 18%، وهو ما يعني رفع سعره بهذه النسبة وبشكل غير مباشر. ولو طالع هذا المسؤول الإحصاءات العالمية، ومنها ما نشرته مجلة الإيكونوميست الاقتصادية البريطانية منتصف 2019، لأدرك على الفور أن كلامه عن أن رغيف الخبز المصري هو الأرخص في العالم غير دقيق، وأن هناك دولاً أخرى أرخص، منها الجزائر وسورية وفنزويلا وأوزبكستان وغيرها.
وحتى إذا افترضنا أن الخبز المصري هو الأرخص، فيجب مقارنة السعر بدخل المواطن، لا أن تكون المقارنة في المطلق. ولو أخذنا بمعيار دخل الفرد مثلاً، لوجدنا أن الخبز في العديد من دول الخليج أرخص بكثير من مصر، فالمواطن الخليجي ينفق ربما أقل من 1% من راتبه ودخله على شراء الخبز، أما في مصر فإن النسبة تزيد كثيراً، وخاصة أن الخبر يُعَدّ وجبة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها في الوجبات الثلاث لدى أهالي صعيد مصر والريف، لدرجة أنه يُطلق عليه اسم العيش.
وبحسب عبدالسلام فإن الأرقام لعبة يجيدها كبار المسؤولين في مصر منذ سنوات طويلة، فاحتياطي النقد الأجنبي هو الأعلى منذ سنوات حسب تصريحات هؤلاء الذين يتفاخرون دوماً بأن الاحتياطي حقق قفزات في السنوات الأخيرة، وأن تفشي وباء كورونا هو من أوقف هذه القفزات، رغم أن القاصي والداني يعرف أن نسبة كبيرة من الاحتياطي النقدي تم تكوينها من خلال التوسع في الحصول على قروض خارجية وودائع من دول الخليج سيتم سدادها وسندات دولية تم الحصول عليها من مستثمرين خارجيين.
ومرة أخرى يقال إن معدل النمو في مصر هو الأعلى في منطقة الشرق الأوسط، رغم أن المصدر الأساسي لهذا النمو هو كثافة القروض الخارجية، لا زيادة الإنتاج المحلي، كما أن هذا المعدل القياسي، من وجهة نظر هؤلاء، لم ينعكس على المواطن، الشغل الشاغل لأي حكومة، ولم يصاحبه توفير فرص عمل لملايين المواطنين.
ومرة يقال لك إن الحكومة سددت مؤخرا 20 مليار دولار مستحقات خارجية، رغم أن الحقيقة هي أن هذه أموال ساخنة هربت من مصر، وأن الدولة ملتزمة تدبير الاحتياجات الدولارية للمستثمرين الأجانب الفارين من البلاد وغيرها من الأسواق الناشئة بسبب زيادة المخاطر.
الأمر نفسه يتكرر عند الحديث عن مقارنة أسعار أو تذاكر مترو إنفاق القاهرة مع تذاكر مترو باريس وغيره من العواصم الأوروبية، وأن المترو في مصر هو الأرخص على مستوى العالم، ولا يُقارَن هنا، المسؤول صاحب هذا التصريح المضلل، دخل المواطن المصري بدخل نظيره في الخارج، سواء في فرنسا أو غيرها، علما بأنه لا توجد أي مقارنة بين الدخلين من الأصل، فشتان بين السماء والأرض.
وكذا عند مقارنة أسعار البنزين والسولار في مصر مع أسعار الوقود في الولايات المتحدة وغيرها من الدول، حيث لا يُذكَر أي شيء عن مقارنة الدخول والرواتب، ولا يذكر أي مسؤول أي شيء عن تهاوي أسعار النفط في الأسواق الدولية والتي تبعها تراجع حاد في اسعار المشتقات البترولية على مستوى العالم.
