شكك مساعد وزير التموين الأسبق د.عبدالتواب بركات في وصول الدعم لمستحقيه، حال تحويل الدعم من العيني إلى النقدي.
وفي إجابته عن تساؤل، هل الحكومة جادة في توصيل الدعم لمستحقيه؟ أم أن كفاءة الدعم وترشيده وتوصيله لمستحقيه هي شعارات براقة فقط؟ أشار إلى أن دعم رغيف الغلابة تم تخفيضه بطريقة ملتوية، حيث تم تخفيض الوزن من 130 جراما إلى 90 جراما، بنسبة 30% ، وكذلك خفض الدعم على الرغيف بتحديد عدد الأرغفة بخمسة فقط لكل مواطن، وحذف الملايين من المستحقين عشوائيا، ثم تراجع السيسي تحت ضغط المتظاهرين، وعندما ألغى النظام الدعم على الوقود والكهرباء والغاز والمياه والمواصلات، وتخفيضه على البوتاجاز، كان يرفع نفس الشعارات، ولكن النظام حرم الجميع من الدعم، ولم يعوض المستحقين نقدا.
فرصة للسرقة
وقال "بركات" في ورقة بحثية بعنوان التلاعب بدعم الخبز البلدي، تحويل الدعم من العيني إلى النقدي نشرها د. عبد التواب بركات في موقع المعهد المصري للدراسات، إن "نظام الدعم الحالي في مصر، وهو الدعم العيني، معمول به منذ منتصف القرن الماضي، يسمح للمواطن بالحصول على احتياجاته من الخبز البلدي في مقابل 5 قروش للرغيف الواحد، تذهب إلى حساب هيئة السلع التموينية التي تستكمل بدورها قيمة تكلفة الإنتاج وتحولها إلى حساب صاحب المخبز، حاليا تدعم الدولة كل رغيف بـ60 قرشا، بمعدل 90 جنيها شهريا تذهب إلى مستوردي القمح وأصحاب المخابز، وفي أبريل سنة 2014، أعلن وزير التموين، خالد حنفي، عن تخفيض الحصة إلى خمسة أرغفة للفرد في اليوم".
وأضاف أنه "يقصد بالدعم النقدي المقترح، أن تحول الدولة مبلغا نقديا محددا، يتم تحويله مباشرة إلى حساب رب الأسرة في بطاقة التموين بقيمة عدد الأرغفة التي ستحددها الحكومة وبحد أقصي 4 أفراد من الأسرة، ويستطيع من خلاله الحصول على حصته من الخبز المخصصة له يوميا، كما يحدث في صرف مقررات السلع التموينية، حيث يحصل المواطن على كمية من السلع بقيمة 50 جنيها تحول له في بطاقة التموين".
وعن الإطار النظري أشار إلى أنه في الدول الفقيرة التي تستهلك أكثر مما تنتج وتعاني من مستويات التضخم العالية، مثل مصر، يصبح الدعم العيني أفضل من الدعم النقدي، لأن مستويات التضخم المرتفعة سوف تمتص جزءا كبيرا من الدعم النقدي وتزيد معاناة الفقراء، أما الدعم العيني فسيكون علاجا لخفض مستويات التضخم، وأثبتت التجارب الاقتصادية في دول عديدة أن التحول إلى الدعم النقدي في ظل بيئة اقتصادية متردية يكرّس التضخم ويزيد الأسعار".
ولفت إلى دراسة مصرية في 2005 أوصلت بالتحول للدعم النقدي، وحذّرت الدراسة نفسها في نهايتها من تفعيل توصيتها، وقالت إن "الدعم النقدي سوف يضاعف سعر رغيف الخبز أربع أضعاف، وسيصل السعر إلى 20 قرش، ما يجعل القرار محفوفا بتداعيات اجتماعية وأمنية خطيرة ينبغي تقديرها بدقة، تحاشيا لقلاقل قد تؤثر على الاستقرار السياسي في البلاد وتراجع النظام عن التحول للدعم النقدي".
فساد مالي
وقال بركات إن "الفساد المالي المحيط بمنظومة الدعم العيني لا تخطئه عين، حيث يتم التعاقد مع موردين بعينهم في مقابل عمولات تذهب إلى المسؤولين، ولهذا السبب، يُحاكم عدد غير قليل من المسؤولين في ديوان عام الوزارة، أما جودة الخبز والسلع التموينية التي تقدم للمواطنين في منظومة البطاقات التموينية فهي رديئة الجودة وناقصة الكمية، وكثيرا ما تتسرب السلع التموينية وتباع في السوق السوداء مباشرة أو بعد تغيير عبواتها الأصلية تحت أعين أجهزة الرقابة".
عيوب الدعم النقدي
وذكر عبدالتواب بركات 4 عيوب للدعم النقدي وأولها: ارتفاع الأسعار لدرجة تفوق قدرة الفقراء على شراء السلع.
وثانيا: تآكل قيمة الدعم النقدي في ظل زيادة أسعار السلع الغذائية عالميا والتراجع المستمر للقدرة الشرائية للجنيه، ومع الاعتماد على الخارج في استيراد القمح بالدولار، يتوقع أن يؤدي تطبيق الدعم النقدي إلى زيادة أسعار الخبز إلى مستويات تاريخية.
ثالثا: احتمال وقوع أزمات الخبز واختفائه من المخابز، وعودة حوادث قتلى طوابير الخبز التي انتشرت قبل ثورة يناير، ويختفي من بعض المحافظات، كما اختفت السلع التموينية من الأرز والسكر والزيت، من محلات السلع التموينية ومن السوق في أوقات مختلفة وفي محافظات عديدة بعد تحويل دعم السلع التموينية إلى النقدي العيني.
رابعا: تفريغ الدعم من مضمونه، فبينما تهتم الدول التي تقدم الدعم النقدي المشروط بسد حاجة الأسرة جميعها بتقديم الدعم المالي، وتشترط الحكومة انتظام الأطفال في التعليم ومراجعة التطعيمات الصحية لاستمرار الدعم، لذلك يُسمى مشروطا، وذلك بهدف علاج الفقر الحالي للأسرة، واستئصاله من أجيال المستقبل من خلال الاستثمار في رأس المال البشري وتخريج شباب متعلم قادر على الكسب والإنتاج.
الاستقرار العيني
ودعا "بركات" إلى الاستقرار على الدعم العيني للخبز البلدي، رغم ما يشوبه من قصور، معتبرا أنه الوسيلة الفعالة لعلاج السياسات الاقتصادية الخاطئة، ولتحقيق جزء من العدالة الاجتماعية الغائبة، وبعض المساواة في توزيع الثروة، وإنصاف سكان الريف المحرومين من الخدمات، والتخفيف من آثار البطالة، والمساهمة في بسط الاستقرار الأسري وتعزيز الأمان والسلم الاجتماعي والسلامة والصحة النفسية لأفراد المجتمع المصري الذي تضرر بشكل كبير بعد تعويم الجنيه في سنة 2016، وتقليل تكاليف علاج الأمراض المصاحبة للفقر وسوء التغذية، وتقليل جرائم العنف والقتل والسرقة بالإكراه التي زادت بعد انقلاب 2013.