مات ريان، الطفل الذي سقط في بئر عمقها ثلاثون مترا، منذ 5 أيام، ليخلف وراءه ألما شديدا، ليس في قلب أمه وأبيه فقط، بل في العالم أجمع، ليطرح سؤالا جادا حول حقيقة التعاطف، وكيف لايعامل بالمثل أطفال مثل ريان، الذي كان حديث العالم وحبس أنفاسه الأيام الماضية قبل أن يلقى ربه شهيدا؟
الطفل ريان
وسقط ريان الثلاثاء الماضي، في بئر بعمق 32 مترا وقطرها 45 سنتيمترا، تضيق فتحتها مع النزول إلى القاع، مما كان يحول دون نزول المنقذين لانتشاله.
وقالت والدة الصغير في مقطع فيديو بثته وسائل إعلام محلية آنذاك "أطلب من المغاربة الدعاء من أجل عودة ابني سالما".
وتُعد منطقة التلال المحيطة بشفشاون شديدة البرودة في الشتاء، وعلى الرغم من إنزال الطعام إلى ريان، لم يتضح ما إذا كان قد أكل شيئا، كما تم تزويده بالماء والأكسجين عبر أنبوب.
حالات مشابهة
وبعد أن تم فض المولد، وسحب كل من شاركوا "التريند" أدواته الذكية من كاميرات وأجهزة محمولة وكابلات ناقلة وعدسات مكلفة، لم يسطتع منهم برغم تلك التكنولوجيا إنقاذ الطفل البرئ، وبرغم التضامن الواسع حول العالم على مواقع التواصل،كان لنا أن نذكر بحلات مشابهة لحالة الطفل ريان.
ففى الهند مثلا، تجربة مشابهة تماما في عام 2019، فقد أوردت حينها صحيفة "صن" البريطانية أن طفلا يبلغ من العمر عاما واحدا سقط في بئر في مدينة هيسار شمال غربي الهند، بعدما كان مع أمه التي كانت تجمع الفاكهة.
وبسبب صعوبة انتشاله من البئر العميقة والضيقة، تدخلت السلطات الهندية واستعانت بجهاز تعقب لتحديد موقعه بدقة، ثم حفر عمال الإنقاذ مرة أخرى على بعد 6 أمتار، وتتوازى مع البئر الأصلية، وعندما اقتربوا من الطفل توقفوا عن استخدام الآلات وحفروا يدويا لضمان سلامته.
وفي عام 2017 نُقل طفل روسي (عمره ثلاثة أعوام) إلى المستشفى، بعدما صمد وحيدا في صقيع غابات الشمال في سيبيريا. وكانت عمليات إنقاذ كبيرة جدا أدت إلى العثور على الطفل تسيرين في قلب الغابة، على بعد ثلاثة كيلومترات عن قريته، بعد ثلاثة أيام من بقائه تائها في الغابة، بينما كان يلعب مع كلاب العائلة.
وصمد الطفل في هذه الظروف المناخية الصعبة، وظل بمنأى عن الحيوانات المفترسة التي تنتشر في الغابة، مثل الذئاب والدببة، ولحسن حظه أنه كانت بحوزته بضعة ألواح من الشوكولاتة، ساعدته على الصمود خلال الأيام الثلاثة التي بقي فيها في الغابة، حيث اتخذ من شجرة كبيرة ملجأ له.
سيكوباتية العالم
بعد أن استراح ريان،وبعد أن تسارعت التدوينات على الشبكات الاجتماعية، تعالت أصوات كثيرة أخرى تدعو لإنقاذ نماذج أخرى مثل ريان لم يسلط عليها الضوء في مخيمات لبنان وسوريا والعراق،وحتى في مصر والسودان والصومال.
الذين نادوا بأعلى أصواتهم بضرورة إخراج ريان من البئر ، لم يكلفوا أنفسهم ساعة واحدة من توجيه النداء لأطفال ماتوا في صقيع مخيمات سوريا، الذين هجروا من أوطانهم كي ينعم آل الأسد بالكتييفات الساخنة والمياه العذبة والطعام الشهي.
وفاة ريان ،كانت سببا في مراجعة قصة التسونامي الإنساني الذي واكبها،من دعم وحشد ودعاء ورجاء، لكن في حقيقة الأمر كان الحشد والدعم واهيا لمجرد "المنظرة" لكن حين يتم ذكر أطفال عراة في مصر والأردن وسوريا ولبنان وفلسطين، فلا قلم يكتب ولاتغريدة تنشر ولاهاشتاج يصل إلى التريند.
يقول الناشط محمد الخضري، الأمل أيضا ومجددا هو كلمة السر، شعوب عربية تنحرها سلطات سياسية مجرمة وفاسدة وقاصرة، لا يجد غالبية العرب قيمة للإنسان في نظر وممارسات سلطاتهم، في قصة ريان، المغرب أولى اهتماما واضحا، مع أنه لم يكف لإنقاذ الطفل عنوان في صحيفة غربية نشرت "المغرب تحرك جبلا من مكانه من أجل إنقاذ ابنها" حرك قلوب الملايين، وحسرات في الأنفس.
ويضيف متعجبا ومتسائلا، مقارنة قصة ريان بمآسي أطفال لبنان وسوريا وفلسطين تحتمل أمثلة لا تعد ولا تحصى، من عدم اكتراث السلطة السياسية بسوء تغذية أطفال لبنان، وموتهم على أبواب المستشفيات، وانهيار النظام التربوي، وعدم نجاة الأطفال من أيدي عصابات القتل والاختطاف والاغتصاب. ناهيك عن مأساة انفجار بيروت، بما حصده من أرواح أطفال أبرياء، فيما السلطة اللبنانية تطمس حقيقة الجريمة التي أودت بحياتهم.
أطفال اليمن وكيماوي سوريا نموذجا
بينما يقول الصحفي عمر إبراهيم: عجبا، هناك من حدث له أكثر من الطفل ريان ، مثل السوريين بالتحديد ومعهم اليمنيون الذين ذكرتهم وحشة ريان بأبنائهم الذين ماتوا قصفا وغرقا وجوعا.
ويتابع قائلا "صورة إيلان السوري غارقا على شاطئ تركي بعد رحلة هروب فاشلة ألقته جثة هامدة، وكذلك صور الأطفال المتناثرين في بهو أحد الأقبية يلفظون أنفاسهم الأخيرة بعد قصف الغوطتين بالكيماوي، ومثلها صور كثيرة لأطفال في ذروة الشتاء يتم رشهم بالماء البارد كي يستعيدوا أنفاسهم المقطوعة من الغازات السامة في ريف إدلب، وهكذا تتوالى الصور القاسية التي تصل للمناشدات الأخيرة بإنقاذ الطفل فواز القطيفان المخطوف في ريف درعا من أجل فدية تصل إلى 500 مليون ليرة سورية.
ويكمل، في مخيمات الشمال السوري ما تزال صورة الطفل المرتجف تحرك الضمائر، وهنا لا بد من التوقف عند حجم التجاوب الكبير من المجتمعات الأهلية والمنظمات في فلسطين المحتلة التي شربت من كأس التهجير والاحتلال، حيث جاءت المساعدات دونا -عن مترفي العرب- من القلوب إلى القلوب التي عرفت دون سواها معنى أن تكون وحيدة وعاجزة، ومع ذلك ما تزال عشرات الآلاف من العائلات بأطفالها ونسائها تحت رحمة خيام لا تحمي قماشها البالي.
وعلى أبواب أوروبا الإنسانية ثمة مخيمات لانتظار الحلم الذي يراود عائلات سورية وعراقية وأفغانية للحصول على بيت وراتب شهري وروضة أطفال، لكن دون ذلك أسلاك شائكة في اليونان وبيلاروسيا، ومهربون يرون في هؤلاء البشر فرصة إثراء سريع، وهنا قرب حدود الحلم يموت الأطفال جوعا وبردا، وأما اليافعون فتنتزع ملابسهم ويرمون في الغابات الباردة حيث تكتشف الجثث المتجمدة بعد حين لمهاجرين هاربين إلى المجهول الذي اعتقدوا أنه جنة موعودة وخلاص أكيد.
ويختتم حديثه، ذهب بعضهم ليلوم المتضامنين مع ريان على عدم التضامن بالقدر نفسه- مع أطفال فلسطين وسوريا واليمن المشردين في الخيام، وقرأنا عبارات مثل "كم من ريان في العالم العربي؟" و"أطفال المخيمات جميعهم ريان" "اعتبرهم ريان وتضامن معهم" إلخ. كما وقع إعلاميون، وحقوقيون حتى، في هذا الفخ، فخ المزايدة والتسلق على قضايا الآخرين.
