في إطار الترتيبات الأمنية ومعالجة الاختلالات والصراعات بين أجهزة الحكم بمصر، في ضوء التململ الواضح والذي بدا ظاهرا للعيان ، بين أجهزة سلطة الانقلاب وهي الجيش والمخابرات من ناحية، ووزارة داخلية الانقلاب وجناحها "الأمن الوطني" من ناحية أخرى.
حيث سبق وأشارت تقارير أمنية عديدة أن غضبا شديدا يجتاح جهاز الأمن الوطني بعد أن تمت إزاحته عن عدد من المشاريع الاقتصادية لصالح المخابرات العامة ، وهو ما تم تداركه بسحب عدد من المشاريع والمناقصات التي تنفذها الشركات التابعة للمخابرات العامة لترضية الجهاز وزارة الداخلية، الذين دائما ما يشكون تعرضهم للغبن من قبل الشركات العسكرية والجهات التابعة للهيئة الهندسية للقوات المسلحة، والتي تسيطر على الكعكة الأكبر من المشاريع الاقتصادية.
وأمام هذا المشهد الملتهب، جاء مشروع القانون المقدم من حكومة الانقلاب لتعديل قانون المخابرات العامة، بمثابة ترضية جديدة لصالح الجهاز المتحكم في بعض الملفات السيادية التي يراها الأهم والأكثر تحكما في إدارة الحياة بمصر.
حيث وافقت لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب الانقلابي في اجتماع مغلق لها، مساء الأحد، على مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون جهاز المخابرات العامة رقم 100 لسنة 1971، والقانون رقم 80 لسنة 1974 في شأن بعض الأحكام الخاصة بأفراد الجهاز.
ومشروع القانون يقضي بمنح العاملين في جهاز المخابرات العامة امتيازات مالية جديدة؛ ونص كذلك على مد الخدمة للعاملين في الجهاز بعد بلوغ سن التقاعد، في ضوء الحاجة إلى بعض الخبرات التي يتعذر الاستغناء عنها.
كما نص تعديل القانون على عدم سقوط الحق في المعاش أو المكافأة لأحد أفراد الجهاز عند الإحالة للمعاش، وتسوية المعاش أو المكافأة على أساس آخر مرتب تقاضاه.
ومنح الفرد الذي تنتهي خدمته لسبب لا يمس شخصه أو تصرفاته أقصى معاش للمرتب، بشرط أن يكون أمضى المدة التي تكسبه حقا في المعاش، وأن يكون منها خمس سنوات خدمة فعلية في المخابرات العامة.
يشار إلى أن المخابرات العامة هي هيئة مستقلة تتبع رئيس الجمهورية في مصر، وتتكون من رئيس بدرجة وزير، ونائب رئيس بدرجة نائب وزير، وعدد كاف من الوكلاء والأفراد، وتختص بالمحافظة على سلامة وأمن الدولة، وحفظ نظامها السياسي بوضع السياسة العامة للأمن، وجمع الأخبار، وفحصها، وتوزيع المعلومات المتعلقة بسلامة الدولة، وأي عمل إضافي يعهد به إليها رئيس الجمهورية أو مجلس الدفاع الوطني، ويكون متعلقا بسلامة البلاد.
وفي 28 يونيو 2018، عين المنقلب السفاح عبد الفتاح السيسي مدير مكتبه، اللواء عباس كامل، رئيسا لجهاز المخابرات العامة، إثر عزل القائم بأعمال رئيس الجهاز، اللواء خالد فوزي، على خلفية تسريب محادثات صوتية لأحد ضباط جهاز المخابرات الحربية، خلال إعطائه توجيهات لعدد من الإعلاميين والفنانات، تخص تناولهم قرارات وتوجهات القيادة المصرية الحالية؛ في إطار الصراع بين الأجهزة السيادية في مصر.
كما يشغل نجل المنقلب محمود السيسي منصب وكيل جهاز المخابرات، بعد أن نقله والده من المخابرات الحربية إلى المخابرات العامة، صاحبة الكلمة الأهم في الشأن المحلي، والتي تسيطر على أغلب الأجهزة بالداخل، وقد طال جهاز المخابرات العامة العديد من حملات الإقالات والتغييرات على يد السيسي ونجله لإزاحة الرافضين لسياسات السيسي وتحريفه مسار السياسة بمصر، حيث سبق وأن قدم جهاز المخابرات العامة العديد من التقدرات الإستراتيجية لصانعي السياسة المصرية، على عكس السياسات القائمة بمصر، ورفض الجهاز العديد من القرارات التي كان ينتوي السيسي اتخاذها كقرار رفع أسعار الخبز في أغسطس الماضي.
ويتحكم الجهاز في ملف الإعلام بصورة قوية ، ويتلاعب بالرأي العام عبر وسائل الإعلام المرئي والمسموع والتواصل الاجتماعي.
ويمتلك الجهاز العديد من الشركات الاستثمارية والمقاولات الكبرى وسلاسل التوريد والمتاجر الكبرى المستشفيات وغيرها من النوافذ الاقتصادية.
والغريب أن الكثير من الامتيازات تنصب يوميا على عدد من المؤسسات السيادية، سواء الجيش والشرطة والقضاء ، فيما تتنزل النكبات والأزمات الاقتصادية والمالية والضرائب والرسوم على المواطن العادي، الذي بات مهددا ليل نهار بالحرمان من التموين والدعم والخبز، ومطالبا بدفع الإتاوات والرسوم والأسعار المتزايدة، بينما فئة الأسياد المعفاة من كل الرسوم والضرائب يتنعمون في الامتيازات والزيادات المالية والمنح عبر القوانين وتعديلاتها ومن دون قو انين أيضا.
ولعل ما يفسر ذلك، هو نظرية التأثير والدور الذي يمكن أن يلعبه العاملون بالمخابرات ، ضد نظام السفيه السيسي إن لم تتم ترضيتهم وإسكاتهم بالأموال والمزايا وغيرها، على عكس الفقراء والمدنيين والموظفين العاديين ، الذين لن يؤثروا في شيء سوى الصراخ و استعطاف النظام بالتخفيف فقط عنهم.